في مقال كتبته إبان أزمة وقف دعم تسليح الجيش اللبناني، والذي لم يحظ بفرصته للنشر آنذاك كنت قد وقفت على أهمية الإبقاء على لبنان في الحضن العربي، وكنت أرى أن تضييع لبنان سيجلب عواقب وخيمة للمنطقة برمتها ولعل أبسطها ما يختزله سؤال «ماذا بعد أن يكتمل الهلال الشيعي في شمال الخليج العربي؟»، إذ كان مما نخشاه حينها أن تغدو لبنان جمهورية عربية بإدارة فارسية – كالعراق – وتغرق في يم الدم لـ«حزب الله» الهائج. اليوم وبعد أن شهدت سماؤنا القمر العملاق بضوئه المتلألئ، انكشف الغطاء عن حقيقة المملكة العربية السعودية والخليج العربي بصفتهم المظلة الحاضنة للعرب والدرع الواقي والحصين للبلاد العربية والإسلامية، ولا أسوق لتلك الكلمات بالمناسبة وإنما هي مدعومة بالدليل والبرهان الدامغ الذي تلمسناه جميعاً في زيارة أمير مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل مؤخراً إلى لبنان، ووزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني. في وقت سابق كنا قبالة لعبة شطرنج يقف عند طرفيها كل من الخليج العربي وإيران، وقد حمي الوطيس بين الطرفين حتى خطفت الأبصار وانقطعت الأنفاس أيهما سيهزم «باش» الآخر، أما اليوم فإننا نشهد بوضوح عملية إعادة لبنان إلى الحضن العربي من خلال تلك الزيارة ونتوقع قرب زيارة مسؤولين خليجيين لبيروت. ولكن.. هل يعني ذلك أن الخليج سينجح في أخذ لبنان من الحضن الفارسي ليعيده إلى الحضن العربي؟! وهل قرأ الخليجيون ما ينبئ إلى ذلك من عون وهو حليف «حزب الله»؟! أم أن عون لم يكمل بنوته الشرعية بالرضاعة لعدم اكتمال الرضعات السبع المشبعات من قبل «حزب الله» الذي لطالما أدر السموم في رضعاته للحلفاء؟ لعل عدم اكتمال البنوة يكون دافعاً نحو العودة اللبنانية إلى الحظيرة العربية مجدداً.لا يمكن نكران أن لبنان كان بلداً شقيقاً عربياً يعوّل عليه الخليج العربي في دعم عدد من القضايا، وهو من البلدان التي منحت بثرواتها البشرية دفعة إيجابية في نماء كثير من الدول بالمنطقة، كما لا يمكن تجاوز حقيقة الدعم الخليجي المستفيض للبنان عبر تاريخها الطويل بدون وصاية أو أغراض أو دوافع ومسببات، فقط البعد الأخوي بين البلدان الخليجية ولبنان، والرابط العربي الوحدوي، حتى أفسد العنصر الإيراني هذه العلاقة المميزة.* اختلاج النبض:خلال زيارتي لبيروت في يوليو من العام الحالي، للمشاركة في المؤتمر الإقليمي السادس لمركز البحوث والدراسات الاستراتيجية بالجيش اللبناني، أذكر كم لمست من اللبنانيين الحنين للعودة إلى الحضن العربي، ما منحني ثقة بعروبة الدماء الجارية في عروق اللبنانيين، وما يؤكد أن ابن عاق أو مارق على «حزب الله» وتجرع من رضعاته بضع قطرات لا يمكن تجريده من عروبته الأصيلة بينما وجب عودته لجذوره وانتماءاته الحقيقية. وهو ما أحسب دول الخليج العربي تنزع إليه في خطى بعضها وما نستشرفه من الدول الأخرى الباقية.