الرأي

في ذكرى مولده عليه الصلاة السلام

رسائل حب






قال تعالى: «لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً». وقال تعالى: «وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا».
مع إطلالة شهر ربيع الأول تشرق علينا ذكرى أنوار شمس مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لتحيي في نفوسنا قيم الخير والبذل والعطاء باتباع هديه وسنته عليه الصلاة والسلام. إن القلوب لتهفو إلى سماع سيرة نبي الهدى والبشرية جمعاء والذي رسم لأمته طريق الهداية والنجاة، وأرشدهم إلى طرق الاستقامة الموصلة إلى جنة الله الخالدة.. إنها سيرة عطرة نستلهم منها ما يعيننا في طريق الحياة الشاق، ونقتبس منها ما ينير دروب الحياة، ويساهم في تنشئة أجيال صالحة تنفع أسرها ومجتمعاتها وأوطانها.
إن هذه الإطلالة الجميلة تزين نفوسنا بمعانٍ جميلة للغاية، وتعيدنا إلى صوابنا، وتفرض علينا أن نجدد حبنا لله تعالى أولاً عن طريق حب نبيه صلى الله عليه وسلم واتباع هديه في جميع مناحي الحياة.. يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله: «وإنما ينفع الحب لله لما يحبه الله من خلقه كالأنبياء والصالحين، لكون حبهم إلى الله ومحبته، وهؤلاء هم الذين يستحقون محبة الله لهم».
هي إطلالة لا بد أن نذكر من خلالها أنفسنا المقصرة حتى نعيدها إلى جادة الصواب وتستفيق قبل أن يسدل الستار على صور حياتها.. إنها إطلالة كان لزاماً علينا أن نسطر من خلالها هذه السطور حباً وشوقاً للحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.. فلنستعرض معاً بعض الوقفات السريعة في حب المصطفى صلى الله عليه وسلم لتكون لنا البلسم الشافي من ملمات الحياة:
- بكى جذع النخلة شوقاً وحنيناً إلى النبي صلى الله عليه وسلم عندما تحول عليه الصلاة والسلام إلى المنبر. وكان الحسن يقول: «يا معشر المسلمين، الخشبة تحن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شوقاً إلى لقائه، فأنتم أحق أن تشتاقوا إليه». أليس من الأولى أن نحن إليه وإلى ذكره والشوق إلى لقائه في جنات النعيم.. فقد حن الجذع حباً له.. فالأولى أن تحن قلوبنا لملازمته في جنات النعيم، والشرب من يده الشريفة من الكوثر والتسنيم شربة هنيئة مريئة لا نظمأ بعدها أبداً. فقد اشتاق إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتمنى لو رآنا، الأمر الذي يحفز نفوسنا للشوق إليه ونيل شفاعته. فقد خرج صلى الله عليه وسلم يوماً إلى المقبرة فقال: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون وددت أني قد رأيت إخواننا». فقالوا: يا رسول الله ألسنا بإخوانك؟ قال: «بل أنتم أصحابي وإخواننا الذين لم يأتوا بعد وأنا فرطهم على الحوض». فقالوا: يا رسول الله كيف تعرف من يأتي بعدك من أمتك؟ قال: «أرأيت لو كان لرجل خيل غر محجلة في خيل دهم بهم ألا يعرف خيله». قالوا: بلى يا رسول الله. قال: «فإنهم يأتون يوم القيامة غراً محجلين من الوضوء وأنا فرطهم على الحوض فلا يذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال، أناديهم ألا هلم ألا هلم ألا هلم. فيقال إنهم قد بدلوا بعدك فأقول فسحقاً فسحقاً فسحقاً». رواه مالك في الموطأ والنسائي وابن حبان بسند صحيح.
- إن أولى مقتضيات الإيمان بعد الحنين إليه وحبه والشوق إلى لقائه، تقتضي أن نحب الرسول صلى الله عليه وسلم، ويكون حبه فوق حب كل البشر، بمحبته تتذوق القلوب حلاوة الإيمان. فعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان، ومنها أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما..». فهي محبة تقتضي أن يكون المرء عاملاً بكل ما جاءت به سنة النبي صلى الله عليه وسلم. ويقول ابن القيم رحمه الله في كتاب مدارج السالكين: «فإذا صدق في ذلك -أي العبد- رزق محبة الرسول واستولت روحانيته على قلبه فجعله إمامه ومعلمه وأستاذه وشيخه وقدوته كما جعله الله نبيه ورسوله وهادياً إليه فيطالع سيرته ومبادئ أمره وكيفية نزول الوحي عليه ويعرف صفاته وأخلاقه وآدابه في حركاته وسكونه ويقظته ومنامه وعبادته ومعاشرته لأهله وأصحابه حتى يصير كأنه معه من بعض أصحابه».
- كان النبي صلى الله عليه وسلم قرآناً يمشي على الأرض بما اجتمعت في شخصيته من سجايا الخير، وبما اتصفت حياته من معانٍ سامية ودستور حياة للبشرية. فكم نحن في مسيس الحاجة لهذا الدستور الرباني الذي يعيد أمتنا إلى صوابها ويجدد فيها روح النصر والتمكين.
- قال تعالى: «وإنك لعلى خلق عظيم». وعن أنس رضي الله عنه قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً». فالمتتبع لسنة النبي صلى الله عليه وسلم والأحاديث الواردة عنه، فإنه سيتيقن بلا ريب بأن كل شاردة وواردة في حياة النبي عليه السلام إنما هي منهج خلق يومي للمسلم في كافة شؤونه، فقد ضرب لنا أروع الأمثال في تعامله الحكيم مع كل من يعيش معه أو يتعامل معه في شؤون الحياة، فكانت أبرز صفاته عليه الصلاة والسلام التواضع والحكمة واللين والصبر وبسط الجناح، حتى اجتمع الناس حوله، وصبر حتى نال مراده في نشر الإسلام في ربوع العالم.
- لنسمي شهر ربيع الأول «شهر التجديد» ونغير من وتيرة حياتنا اليومية بومضات الإيمان والأخلاق الكريمة التي اتصف بها صلى الله عليه وسلم تعميقاً لحبه عليه السلام.. حتى نتذوق حلاوة الإيمان.
* ومضة أمل:
حنين يلامس أطياف قلبي.. لرؤية حبيبي المصطفى صلى الله عليه وسلم.. يا رب اجمعنا به في مستقر رحمتك.