مما لا شك فيه ولا ريب أن تركيا دولة قوية وعريقة وعميقة للغاية، كما أنها دولة محورية ومركزية في هذا الإقليم، فالتاريخ القريب يؤكد أن تركيا كانت وما زالت من أبرز الدول المؤثرة والفاعلة في المنطقة، وعليه يكون من الضروري عدم تجاهل هذا العمق الاستراتيجي في قضايانا العربية، وفي غيرها من الصراعات السياسية والعسكرية التي عادة ما تكون بين البَيْن، فأنقرة من العواصم المهمة لكل دول المنطقة، إن لم تكن مهمة لكل دول العالم، سواء لمواقعها الجغرافي أو لاعتبارات أخرى.لكن اليوم وللظروف الحساسة التي يمر بها العالم تواجه هذه الدولة المهمة أزمات في غاية الأهمية ربما تؤثر بشكل مباشر على استقرارها ووجودها، ولو أردنا تعداد أزماتها الحالية فلن تكفينا عشرات المقالات، لكن من الضروري الإشارة لهذه الأزمات التي تعصف بتركيا بشكل مخيف لمعرفة ما يجري فيها، لأن أزماتها في الواقع بدأت تحاصر هذه الدولة من الداخل والخارج، مما يستدعي أن تغير أنقرة من سياساتها الداخلية والخارجية بشكل مختلف تماماً حتى تتخلص من كل هذه الأزمات.هنا فقط يمكننا تعداد هذه الأزمات للوقوف بشكل واضح على ما يحدث لتركيا دون الدخول في تفاصيلها، وحتى تكون الصورة أكثر صفاء يجب الاعتراف بهذه الأزمات ومواجهتها بدل «الطبطبة» عليها أو إطلاق مسميات مريبة على واقعها، فالمواجهة نصف الحل والنصف الآخر في مقدرة الحكومة التركية التعامل مع كل هذه الأزمات. لعل من أبرز الأزمات التي تواجه تركيا اليوم هي أزمة اللاجئين السوريين الذين تجاوز عددهم 5 ملايين لاجئ، كما أنها تواجه أزمة الأكراد المزمنة، وأزمة محاولة الانقلاب العسكري وأزمتها مع «الأزمة السورية» وتداعياتها، وأزمتها الأخيرة مع العراق وأزمتها الطازجة مع الاتحاد الأوروبي إضافة لأزمتها مع روسيا التي لم تندمل حتى الآن، ناهيك عن أزمتها الاقتصادية الداخلية المؤلمة وعلاقة كل ذلك بالتفجيرات الإرهابية التي طالت كل المناطق الأمنية والسياحية في الداخل.إذاً، هنالك أزمات تحاصرها من الداخل ومن الخارج، فأمام تركيا أزمات حدودية ساخنة للغاية مع كافة الدول المحيطة بها، ولأنها مشغولة بأزماتها الداخلية يكون من الصعب على دولة بإمكانيات تركيا أن تواجه الخارج والداخل بمستوى واحد، ولهذا سيكون من الصعب أن تقوم أنقرة بكل هذه الحلول الإعجازية دفعة واحدة، ومن هنا يجب أن تقرأ الواقع بشكل مختلف، كما يجب عليها أن تغير من سياساتها الداخلية والخارجية حتى يمكنها أن تتنفس الصعداء في ظل أزمات خانقة تحاصرها من البر والبحر والجو، فتركيا دولة مهمة وأزماتها مهمة أيضاً، ولهذا لا يوجد لديها خيارات أخرى سوى أن تتعامل بحكمة مع أزماتها حتى تستطيع تخطي هذه المرحلة الحرجة جداً بشكل آمن وسلس.