تمثل قمة المنامة لأصحاب الجلالة والسمو قادة دول الخليج العربية علامة فارقة في مسيرة العمل الخليجي المشترك. ولعلها من المناسبات الطيبة أن يأتي انعقاد القمة في ذكرى ميلاد النبي الكريم عليه الصلاة والسلام. كما تأتي القمة في المنامة حيث تسود روح الوئام والمودة الفياضة المرتبطة بطبيعة الشعب البحريني وقيادته الرشيدة. وبذلك فهي مهيأة لدور نشط لتحقيق أهداف المجلس ونتائج القمة في دورتها الحالية استشرافاً للمستقبل من خلال مواجهة ما اسميه بـ «التحديات السبعة». وأقول التحديات لثلاثة اعتبارات، أولها، أن العالم الحديث يفكر بالمنطق الإيجابي في التعامل مع المتغيرات والمستجدات وهو ما قام ويقوم به قادة دول المجلس منذ تأسيسه عام 1981. والثاني، أن الحياة بطبيعتها على مستوى الفرد وعلى مستوى الدول تسير نتيجة التفاعل بين التحديات والاستجابات. والثالث، أن فلسفة التاريخ التي خلص إليها المؤرخ والفيلسوف الإنجليزي ارنولد توينبي تتمثل في نظريته «التحدي والاستجابة».دول مجلس التعاون بصفتها دولاً نشطة وشابة في قياداتها وشعوبها حرصت على الاستجابة لأخطر التحديات التي واجهتها. أولها تحدي الوجود، فمنذ استقلال معظم دول الخليج في أوائل عقد السبعينات من القرن الماضي كان هذا السؤال أن تكون أو لا تكون؟ وقررت أنها ستكون دولاً مستقلة وفاعلة على الساحتين الإقليمية والدولية. واستفادت بخبرة أشقائها في المملكة العربية السعودية والكويت وتجاربهما في تأكيد وجودهما واستقلالهما. والثاني تحدي الأمن، فمنذ استقلال الدول الخليجية واجهت مطامع دول الجوار سواء عربية أو إسلامية وهي مطامع غير ذات مصداقية تاريخية، وكان إنشاء مجلس التعاون ودرع الجزيرة للدفاع عن أمن الخليج هو الاستجابة للتحدي الامني. الثالث، هو تحدي بناء الدولة المستقلة، ونجحت تلك الدول في بناء مؤسساتها النيابية والدستورية والاقتصادية وكوادرها الفاعلة ولذلك حققت تقدماً غير مسبوق مقارنة بأية منطقة أخرى بهذه السرعة. والرابع، بناء أسس التكامل والاتحاد الخليجي، فوضعت دول مجلس التعاون من خلال اجتماعاتها المنتظمة على مستوى القمة والمستوى الوزاري ومستوى الخبراء لبنات صلبة لهذا التكامل في مجموعة من الاتفاقيات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ساعدت في بلورة هوية اقتصادية خليجية تعتمد على الحريات الثلاث التنقل ببطاقات الهوية للافراد وتبادل السلع بحرية بين الدول الخليج وتمتعه بمزايا الاستثمار الوطني. والخامس، هو تفاعل الدول الخليجية مع عمقها العربي والإسلامي، وأثبتت دول المجلس إيمانها بهويتها العربية وببعدها الإسلامي، ومن يقرأ بيانات القمم الخليجية وبيانات المؤتمرات الوزارية يلمس ذلك بوضوح، ففي الصدارة قضية فلسطين باعتبارها قضية العرب الأول، وتتابع الاهتمامات بتناول مختلف القضايا العربية والإسلامية سواء في التنمية أو القضايا السياسية والثقافية. فدول مجلس التعاون تمثل رابطة العقد في العمل العربي والعمل الإسلامي. والسادس تحدي المشروعات الأجنبية لتغيير العالم العربي عبر أطروحات قدمتها الدول الكبرى ومنها أفكار الشرق الأوسط الكبير، بهدف تمييع الهوية العربية ومفهوم الديمقراطية والإصلاح السياسي ونحو ذلك من الأطروحات التي تم تطبيقها قسراً في بعض دول المنطقة وتجاوزتها دول عربية أخرى بحكمة قادتها. وأثبتت دول مجلس التعاون إيمانها بالإصلاح التدريجي بمبادرات وطنية وليس باستيراد الأفكار، وكما ذكر وزير خارجية مملكة البحرين معالي الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة منذ بضعة أيام في حديث مع قناة «سكاي نيوز عربية» أن استيراد الفكر مرفوض فالفكر ينبع من الذات وإن دول مجلس التعاون تبلور فكرها وتطوره بفضل حكمة قادتها. وهم قادة يبادرون بالاهتمام بشعوبهم ومن هنا مبادرة الإصلاح والانفتاح من حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسي آل خليفة، عاهل البلاد المفدى، في مشروعه الشامل الذي أطلقه بميثاق العمل الوطني وبدستور جديد عام 2002، وتطويره لحقوق المرأة والمؤسسات الشبابية والمجتمع المدني المنتمي لتراث هذه الأرض الطيبة. والتحدي السابع، يرتبط بالتفاعل مع العمل الدولي وقضاياه، مثل التنمية البشرية والبيئة وقد تصدرت دول المجلس قائمة الامم المتحدة باعتبارها من الدول ذات التنمية البشرية المرتفعة جداً، والتي تنفذ التزاماتها سواء في أجندة الألفية أو أجندة ما بعد الألفية. كل ذلك شهادة حق وعدل على قدرة قادة دول المجلس وشعوبه ونخبه على الاستجابة الفعالة للتحديات. ولذا فتحية لدول المجلس وقادتها. وقبل الختام أنوه بالمبادرة الطيبة والمهمة لخادم الحرمين الشريفين العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود بمشاركته في القمة وقيامه بجولة للدول الخليجية لمزيد من التفاعل وتبادل الآراء مع كل قيادة في وطنها. هكذا تكون القيادات وتتحقق الإنجازات. وتحية للأمين العام لمجلس التعاون د. عبداللطيف بن راشد الزياني على تقريره القيم عن إنجازات المجلس من قمة الرياض إلى قمة المنامة.* باحث في الدراسات الاستراتيجية الدولية