«حركات العنف تجارب فاشلة»، هذا هو العنوان الذي اختاره السعودي القطيفي الشيخ حسن الصفار المعروف بوسطيته وواقعيته وعقله النير، لخطبة الجمعة الأسبوع الماضي بأحد مساجد القطيف، وأوضح أن «الرغبة الملحة والانفعال الشديد قد يدفعان الإنسان لعمل أو ممارسة تضره وتؤذيه»، منتقداً بذلك وبشكل مباشر «مستخدمي العنف في العمل السياسي وممارسيه في مواجهة الحكومات والسلطات من أجل تحقيق هدف أو مطلب»، وكل من أغرته مثل هذه الأفعال والممارسات كونها «تشفي له غيظاً وخنقاً بالانتقام من خصم أو تظهره بمظهر القوي الشجاع»، وداعياً إلى «استحضار العقل والتفكير في نتائج ومآلات أي عمل يريد الإنسان الإقدام عليه». وبوضوح أكبر، قال الشيخ الصفار «تسعى بعض الحركات والجماعات السياسية للضغط على السلطات في بلادها عن طريق العنف لإجبارها على التراجع وتقديم التنازلات والاستجابة للمطالب الشعبية، وذلك بالقيام بعمليات الاغتيال والتصفية، لمسؤولي الدولة، ورجالات الأمن، أو الهجوم على المراكز الحكومية، أو التفجيرات وتخريب المصالح العامة»، مبيناً أن هذا حول الحياة في أوطان أولئك إلى جحيم لا يطاق، ومتسائلاً عما إذا استطاعت تلك الحركات «نقل أوطانها ومجتمعاتها لواقع أفضل، أم زادتها سوءاً ودماراً ؟»، وداعياً من يتحمس لهذا الخيار أن يقرأ تجارب حركات العنف في العالمين العربي والإسلامي ليرى هل كانت تجارب ناجحة أم فاشلة على الصعيد السياسي؟ ساخراً من انتباه بعض قائدي تلك الحركات واعترافهم متأخرين «بخطأ الطريق الذي سلكوه وسوء الخيار الذي أخذوا به».الشيخ الصفار وفر في خطبته العديد من الأمثلة عن الدول التي تضررت من مثل هذا السلوك، كأفغانستان والصومال والعراق وسوريا وليبيا وتساءل «هل يتمنى عاقل مثل هذه النتائج الفظيعة لبلده»؟ واختصر نتائج حركات العنف بالقول إنها «لم تحقق مكسباً يوازي الخسائر التي لحقت بها وبأوطانها ومجتمعاتها»، واصفاً هذه الأعمال بالانتحار السياسي ومتهماً القائمين بها بأنهم ألحقوا بأنفسهم وبأوطانهم ومجتمعاتهم أفدح الخسائر والأضرار، وشارحاً بأن عنف هذه الحركات تقابله إجراءات من قبل الدولة كوضع حواجز التفتيش والمطاردات والاعتقال وإصدار الأحكام بالسجن لسنين طويلة والإعدام، منبهاً إلى أن «كل هذا يدخل المجتمع في دوامة العنف ويصيب شرره المواطنين الأبرياء فتضيع مكاسب الأوطان».الشيخ الصفار خلص إلى القول بأن «أي معارضة تحمل السلاح وتمارس العنف تفقد القبول والتأييد من الرأي العام العالمي والمحلي، ومن خارج مجتمعها وداخله، حتى وإن كانت القضية التي تحملها عادلة مشروعة، وأنها تعين على نفسها وتعطي الفرصة للنظام الذي تعارضه بمحاصرتها والعمل على استئصالها»، وأكد أن «منهجية العمل السلمي لتحقيق الأهداف السياسية ونيل المطالب الحقوقية هي المنهجية الأفضل والأسلم عقلاً وشرعاً، حتى وإن استلزمت وقتاً أطول، وكلفت خسائر وتضحيات، لكن خسائرها لا تقاس بالخسائر الجسيمة لتوجهات العنف على ممارسيه وعلى المجتمع والوطن». ولم ينس الشيخ حسن الصفار التنبيه إلى أن هذه الممارسات تفتح الباب على مصراعيه أمام التدخلات الأجنبية «فيصبح الوطن ساحة للصراع والنفوذ الدولي والإقليمي على حساب سيادته واستقلاله ومصالحه التنموية»، خاتماً خطبته بالقول بأن «هذا ليس مجرد تحليل أو افتراض، بل هو واقع يتجسد أمامنا في عدد من الدول المحيطة بنا»، وأنه «صحيح أن العنف يزعج أي سلطة ونظام، وقد يحقق مكسباً إعلامياً آنياً، لكن ذلك لا يساوي ولا يوازي كلفته من الأثمان الباهظة، والخسائر الفادحة»، وكذلك قوله «لا نريد لمجتمعنا أن يخسر المكاسب وتتشوه سمعته ببعض الممارسات العنفية الإرهابية التي قد يقوم بها أفراد ضلوا الطريق ولعب بعقولهم الشيطان»، معلقاً بذلك على حادث اعتداء على رجلي أمن شهدته القطيف مؤخراً.