عالم السياسة قائم على المصالح لا العواطف، ولا يوجد هناك سياسة سيئة وأخرى جيدة، بقدر وجود سياسة مناسبة وأخرى غير مناسبة، لذا نجد تيريزا ماي رئيسة وزراء بريطانيا التي لعبت بلادها دوراً حيوياً في مفاوضات رفع الحظر عن إيران في العام الماضي تقول اليوم أمام قادة دول مجلس التعاون «أمن الخليج من أمن بريطانيا»، خلال حضورها ومشاركتها في اجتماعات اليوم الثاني من مؤتمر القمة الخليجية السابعة والثلاثين التي عقدت مؤخراً في مملكة البحرين في سابقة هي الأولى من نوعها، ليس هذا فحسب بل تقول لهم بصراحة «إنني أرى بوضوح التهديد الذي تشكله إيران على الخليج والشرق الأوسط»، مؤكدة أنها «تريد العمل مع دول الخليج للتصدي للتصرفات العدائية التي تقوم بها إيران على المستوى الإقليمي سواء في العراق ولبنان واليمن وسوريا والخليج أيضاً».عبارات أطلقتها تيريزا ماي مثل «سنساعد الخليج على التصدي لعدوان إيران»، و»الإرهاب الذي يستهدف دول الخليج يستهدف شوارعنا أيضاً»، و»علينا بناء خطة استراتيجية تجاه تهديد إيران لدول الخليج»، كلها أثارت حفيظة نظام الملالي في طهران فخرج المتحدث باسم وزارة خارجيتها متهجماً على بريطانيا بقوله «إن بريطانيا تسعى لتعود إلى هذه المنطقة فتلجأ إلى طرق لإثارة الفتنة والفرقة بين دول المنطقة»، متناسياً أن بلاده تحرق دول المنطقة الآن، المهم رضيت إيران أم انزعجت فالقادم هو تطور في العلاقات الخليجية البريطانية، علاقات قائمة على المصالح، فبريطانيا الآن بأمس الحاجة إلى تعزيز هذه العلاقة وقد جاءت في وقت تبحث فيه بريطانيا عن البديل الأوروبي، في الوقت الذي تستعد فيه للخروج من الاتحاد الأوروبي، وفك ارتباطها به، فجاءت تيريزا ماي تحمل معها الإرث التاريخي لهذه العلاقات وتريد توسعته، فدول الخليج تعد أكبر مستورد غير أوروبي للبضائع البريطانية إضافة إلى أنها أكبر مصدر للطاقة إلى بريطانيا وحجم الاستثمارات الخليجية في بريطانيا بلغ 150 مليار جنيه إسترليني، أما حجم التجارة الثنائية بين دول مجلس التعاون وبريطانيا فقط وصل إلى 30 مليار جنيه إسترليني العام الماضي، أما عن مصالح دول الخليج من تطور هذه العلاقات فهو مرتبط بالأحداث الجارية في المنطقة والمقاربة السياسية المتوقعة بينها وبين الولايات المتحدة بعد مجيء ترامب للسلطة في الأسابيع المقبلة، وضرورة ألا تكون العلاقات العميقة مقتصرة على الولايات المتحدة.في النهاية تطور العلاقات بين دول مجلس التعاون وبريطانيا لن يكون في صالح إيران، ومهما حاولت إيران العمل مع الدول على أساس المصالح الاقتصادية كما تفعل دول الخليج اليوم مع الولايات المتحدة وبريطانيا فإنها لن تتمكن بحال من الأحوال من مجاراة دول الخليج التي حجم استثماراتها وتبادلها التجاري يفوق قدرة إيران، والسياسة قائمة على المصالح التي في مقدمتها الاقتصاد.