لا يحتاج الشعب البحريني لمن يعلمه كيف يتعايش مع الآخر المختلف، فتاريخ أبناء هذا الوطن أكبر بكثير من أن يتلقى نصائح وتوجيهات من هنا وهناك، ليقوم بمهامه الإنسانية والوطنية، فالناس في البحرين ومنذ القدم أجادوا التعايش بشكل رائع مع كل الأعراق والأجناس والألوان وأصحاب الديانات المختلفة، فلا يكاد يشعر غير البحريني وغير المسلم بالغربة في هذا الوطن وبين أفراد هذا الشعب «المضياف»، وحين تسأل كل من عمل في البحرين أو جاء كسائح أو حتى كعابر سبيل عن انطباعهم حول الإنسان البحريني لقالوا لك إن «البحريني غير».البعض يفضل العيش هنا على العيش في دول تعد الرفاهية عنوانها الأم، لأنهم أيقنوا أن الشعب البحريني يعتبر من الشعوب المتقدمة جداً على صعيد وعيه الإنساني والحضاري، حين يتقبل أفراده وناسه برحابة صدرٍ كل صنوف الاختلافات والفوارق الإنسانية، فقدم التعايش في هذا الوطن يعود لحضارات متطورة حكمت هذه الأرض الطيبة منذ آلآف السنين، ولم تكن خصال الشعب البحريني خصالاً طارئة على تاريخه، بل كانت هي تاريخه الذي تم تدوينه منذ القدم حتى يومنا هذا، فالكرم والبشاشة والحب والمروءة والخلق الرفيع هو جواز سفر المواطن البحريني العابر للقارات، وهو الإرث الإنساني الذي يجب أن يظل العلامة الفارقة بين هذا الشعب وغيره من الشعوب الأخرى، كما يجب المحافظة على كل هذه الامتيازات الراقية في هذا الزمن المتكلس.في زحمة الحياة المادية الصلبة التي تغير طبيعة حياة البشر ومثلهم وقيمهم نحو تحقيق أكبر مكتسبات من الفضائل، وفي ظل بعض الظروف والمناخات السياسية القاسية التي تمر كسحابة صيف على بعض الأوطان والشعوب المستقرة، إضافة لأسباب أخرى مختلفة، قد تحدث جملة من التغيرات التي تساهم في تراجع بعض القيم والمفاهيم الأخلاقية السائدة في هذا المجتمع، ولهذا يكون من الضروري أن تعمل كل الجهات المدركة بأهمية هذا الأمر على إعادة السلوك إلى مسلكه الصحيح، فبعض السلوكيات الرائدة التي بدأنا بفقدان بعضها داخل المجتمع البحريني أو تراجع مستواها وبهتان لون بعضها الآخر قد يعطينا جرس إنذار بأهمية المحافظة على القيم التي ظلت راسخة طيلة الآف السنين، إذ من المؤلم أن تختفي الأخلاق أو حتى تبهت في زمن العولمة والحياة المادية الشرسة في أوساط مجتمع ظل صامداً بخلقه الرفيع طيلة القرون الفائتة. لا نريد هنا أن نعدد بعض القيم الكبيرة التي بدأت تنحسر بيننا كشعب ولأسباب وظروف قاهرة، كما لا نريد أن نبرر هذا التراجع القيمي الجزئي، لكننا نلقي هنا حجرة صغيرة في مياهنا الراكدة قد توقف بعض الممارسات الخاطئة التي حلت محل الأخلاق والشيم البحرينية الأصيلة، فمراجعة الذات ومراجعة سلوكياتنا كبحرينيين على كل الأصعدة ربما تفسح لنا المجال لأن نعود كما كنا وأفضل، فمكتسبات الدهور لا يجب أن تضيع في غفلة من أمرنا.