يعتبر شهر ديسمبر من الأشهر المميزة والعزيزة على قلوب البحرينيين، ومن الأشهر التي تمتاز بأعيادها المتتالية ومناسباتها وفعالياتها المميزة، فمن القمة الخليجية التي عقدت في المنامة، مروراً بـ«حوار المنامة»، وصولاً إلى أعياد البحرين الوطنية. وفي وسط انشغالنا كإعلاميين بمتابعة هذه الأحداث الهامة، لفت نظري المقابلة التي امتازت بالصراحة والشفافية والتي تحدث خلالها صاحب السمو الملكي، الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي العهد، نائب القائد الأعلى، النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، مع قناة «العربية»، وتحديداً مع الإعلامي القدير تركي الدخيل على هامش مؤتمر «فكر 15»، والذي كان عنوانه هذه السنة: «التكامل العربي: مجلس التعاون ودولة الإمارات العربية المتحدة»، وذلك تزامناً مع الذكرى الخامسة والثلاثين لإنشاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والذكرى الخامسة والأربعين لقيام دولة الإمارات العربية المتحدة.لربما أكثر ما شد انتباهي في هذه المقابلة الشيقة أسلوب صاحب السمو الملكي الأمير سلمان، الذي كان يتميز «بالتفاؤل الممتزج بالواقعية المطلقة»، والذي كان من وجهة نظري بعيداً عن المقابلات الرسمية المعد لها مسبقاً، حيث كانت إجابات صاحب السمو في غاية الواقعية بعيداً عن التنظير، وأعتقد أن هذا النوع من المقابلات المفتوحة والجماهيرية يؤسس لفكر مغاير حول شفافية ووضوح القادة مع شعوبهم. تحدث صاحب السمو الملكي الأمير سلمان حول العديد من الأمور الهامة والمتعلقة بالتعاون الخليجي، وتحدث بنبرة متوازنة بين الواقع والمأمول، حيث أكد أن الشعوب الخليجية لربما تكون «محبطة» من مجلس التعاون، لأنه لم يحقق طموحاتهم، ولكنه أكد في ذات الوقت على أن مؤشر «الإحباط»، هو مؤشر يدل على أن الشعوب الخليجية تطمح بالأكثر، وهذا حق مشروع، مؤكداً أن الشعوب الخليجية «طموحة»، وأنه معجب جداً بطموحاتها الرامية إلى مزيد من التكامل والاتحاد، ومن جانب آخر، أشار صاحب السمو الملكي إلى أن التعاون الخليجي حقق العديد من المنجزات، التي يجب ألا نغفلها، منها على سبيل المثال سهولة تنقل مواطني دول مجلس التعاون الخليجي، حيث يمكن السفر بالاكتفاء بإبراز بطاقة الهوية فقط، كما أكد أن التكامل الدفاعي والأمني من الملفات والاتفاقيات الهامة والتي تعتبر أهم المنجزات التي تحققت على أرض الواقع، مؤكداً سموه سعي دول مجلس التعاون لتحقيق غطاء دفاعي ضد الصواريخ الباليستية.ولفت ولي عهد البحرين إلى الإنجازات التي تحققت في مجلس التعاون الخليجي، بوضع سقف لنسبة الجمارك، كما عرج سموه على عملية الشراء الخليجية المشتركة، والتي ساهمت في تحقيق وفورات على مستوى الخليج، وتوحيد أسعار السلع، وأكد أن الانفتاح الاقتصادي ومشروع المواطنة الخليجية جعلت السوق الخليجية مفتوحة للاستثمار، والتملك من قبل جميع مواطني مجلس التعاون، وأكد سموه سعادته برؤية الشركات الخليجية التي تتخذ من دول الخليج مقار لشركاتها. كما تحدث صاحب السمو الملكي بإسهاب عن مشروع الربط الكهربائي الخليجي، وهو أحد المشاريع الخليجية الرائدة التي تهدف إلى تكوين شبكة كهربائية خليجية موحدة، ترفع من الكفاءة الكهربائية بين دول مجلس التعاون وتؤسس لجعل السوق الخليجية سوقاً عالمية للطاقة في القريب العاجل. كما تحدث صاحب السمو الملكي عن مشروع القطار الخليجي والذي يهدف إلى ربط دول الخليج العربية بشبكة مواصلات حديثة، وأشار إلى أنه يسعى إلى أن يرى هذا المشروع النور خلال العشر سنوات القادمة. أما فيما يتعلق بالجسر الجديد الذي سيربط البحرين بالشقيقة المملكة العربية السعودية، فأكد صاحب السمو الملكي الأمير سلمان أن العمل قائم حالياً على هذا الجسر الذي سيمول من قبل القطاع الخاص، وأشار إلى أن الطلب المتزايد والاستخدام الكبير على استخدام الجسر الحالي هو الدافع وراء إنشاء جسر جديد سواء على مستوى استخدام الأفراد أو الاستخدام التجاري. والذي سيسهل بلا شك حركة التنقلات بين الدولتين. كما تحدث سموه عن «تنافسية حميدة» بين دول مجلس التعاون مؤكداً أهمية التنافس لخلق بنية تحتية تشجع على التجارة البينية في المنطقة.أما فيما يختص بسؤال الإعلامي تركي الدخيل بشأن العملة الخليجة الموحدة، فكانت إجابة سمو ولي العهد في غاية الشفافية والطرح المنطقي المتزن، حيث أجاب بأن العملة الخليجية موحدة جزئياً بسبب ارتباطها بالدولار، ولكن في حال رغبة دول الخليج إصدار عملة خليجية موحدة كاليورو مثلاً، فإننا بحاجة إلى بنك مركزي موحد، وهناك قوانين وتشريعات دولية تختص في هذا الجانب يجب الوقوف عندها، مثل نسبة الاقتراض ونسبة العجز، وضرب مثالاً حياً بالاتحاد الأوروبي حيث يعيش «اليورو» وضعاً متضعضاً ومتدهوراً حالياً، وضرب مثال آخر على الولايات المتحدة الأمريكية التي يوجد بها 12 بنكاً مركزياً ولديها مجلس ينسق عمل تلك البنوك المركزية الأمريكية، ورغم كل هذه المعوقات إلا أن صاحب السمو الملكي لم يستبعد مطلقاً أن تكون هناك عملة موحدة للخليج. وللحديث بقية.