لا ألوم تركيا لأنها تبحث عن مصالحها حين قبلت بالجلوس مع إيران وروسيا من أجل التصرف بأمر السوريين، وكأن سوريا ليس لها شعب ولا لها كلمة، إنما ألوم من اعتقد بغير ذلك، ظن أنه متى ما تقاطعت المصالح التركية السورية ستكون لسوريا الأولوية. وقبل اللوم نؤكد على حقيقة مهمة وهي أن تركيا دولة لها مصالحها القومية التي تأتي أولاً وثانياً وثالثاً، وإن تعارضت تلك المصلحة مع أي مصلحة أخرى عربية كانت أو إسلامية أو حتى «سنية» فإن المصلحة التركية ستأتي أولاً، هذا هو المنطق والعقل والمسلمات، تركيا تريد أن تخرج بصفقة تؤمن لها مدينة «الباب» كي تسد المنطقة الآمنة فلا تترك للأكراد منفذاً، وتركيا تريد سد الباب أمام دولة كردية انفصالية «الأكراد سنة على فكرة إن كنتم نسيتم» وفي النهاية تلك كانت مصلحتها ولها الحق في الحفاظ عليها، بل إن ذلك واجبها المؤتمنة عليه كدولة تريد أن تحافظ على وحدة أراضيها، ولن يلومها أحد إن هي وضعت المصلحة التركية فوق أي اعتبار حتى وإن كان ذلك الاعتبار مصلحة شعب عربي كالشعب السوري.إنما ألوم من تصور وروج ودافع واستمات في تسويق فكرة أن تركيا هي حامي حمى المسلمين «السنة» والمدافع عن مصالحهم أولاً وثانياً وثالثاً، فهو في هذا الاندفاع لا يختلف عن ذلك الساذج الذي صدق أن إيران هي حامي حمى «الشيعة»، الاثنان اسمحوا لي أغبى من بعض!! لقد دافعوا وروجوا وطعنوا في الأنظمة العربية ورفعوا من قامة النظام التركي وجعلوا منه الخليفة القادم والمنقذ والمخلص الحريص على مصلحة «السنة العرب» أينما كانوا، أما النظام التركي فهو المنزه عن الخطأ، وهو الإسلامي الذي يمثل النموذج المثالي لحكم «المسلمين» وإن كانوا عرباً «لا أتحدث عمن أعجب في النموذج التركي كدولة معاصرة علمانية نجحت في معالجة قضاياها المحلية فهؤلاء أتفق معهم» إنما أتحدث عن من رآها عاصمة لدولة الخلافة الإسلامية، أتحدث عن من روج لها كدولة «إسلامية» ودأب على الطعن في الأنظمة العربية والاستهزاء بهم وتفضيل النظام التركي عليهم وسوقوا فكرة أن النظام التركي أحرص على مصالحهم من الأنظمة العربية.كما أنني لا أدافع هنا عن أي نظام عربي وأنزهه وأجعل منه نموذجاً ومثالاً، إنما أتحدث تحديداً عن طريقة تفكير وعن معايير القياس البائسة عند شرائح عديدة من الناس تجعل من السواد بياضاً حين تتعصب لمقاييسها فتعمى بصيرتها عن رؤية الشمس في عز النهار.هؤلاء هم الذين رأوا في تركيا قلعة الدفاع عن «السنة»، هؤلاء من نسألهم كيف سيجدون لها تبريراً اليوم بعد أن جلست مع روسيا في ذات الوقت الذي تدك فيه الطائرات الروسية المنازل على بيوت حلب، والأطفال ونساؤها السنة داخلها؟ كيف جلسوا مع إيران وقاسم سليماني الإيراني النجس يجوب أرض حلب المحروقة بفخر؟ ما هي المخارج التي ستتفتق ذهنيتهم كي ينقذوا ماء وجهها؟ في النهاية تركيا دولة وتريد أن تحافظ على مصالحها ولن تقف مصلحتكم أيها العرب عائقاً أمامهم، حالكم حال الشيعة المتعلقين بأحذية إيران الذين يعتقدون أن إيران ستبقي على مصالحهم وعلى أمنهم وعلى رفاهيتهم وهي الدولة التي يحكمها المعصومون من الخطأ وهي أم الشيعة في كل مكان وإن تعارضت مصلحة الشيعة العرب مع مصالح إيران يظنون الأولوية ستكون لهم.. ألا ما أتعس الاثنين بعتم أوطانكم من أجل سراب!!