ذهب أغلب من كانوا يستقرئون تحولات المشهد الانتخابي الأمريكي إلى أن دونالد ترامب سيفتح علينا في الخليج «صندوق باندورا» المتضمن كما في الميثولوجيا الإغريقية، كل الشرور من جشع، وافتراء، ووقاحة. تلك التحليلات التي ساقوها -ونحن منهم- كانت مفعمة حتى الثمالة بنزعة تطير بنيت على تصريحات عنصرية انتخابية. لقد غيب التطير أن الخليج قد يكون أحد أكبر الكاسبين من فوز ترامب في ملفات كثيرة.رغم أن الاستغراب الحق هو حين يقارن ما لا يقارن، إلا أن البعض قارن عصر أوباما بالغيب القادم، رغم أن علاقاتنا بأوباما لم تكن خيراً مطلقاً، بل إن وصول ترامب كان جرعة القلق الإيجابية التي نحتاجها ليختط الخليج مساراً جديداً في علاقاته الدولية بدل الاتكاء على واشنطن، كالإعلان عن الحاجة لتكتل اقتصادي خليجي قد يكون سادس أكبر تكتلات العالم. ثانياً، إن ترامب رجل أعمال واقتصاد وفي سعيه لمصلحته لنفسه أو مصلحة بلده سيمر علينا، فله ولبلده مصالح بيننا. ثالثاً، شكل في البيت الأبيض ما يشبه «مجلس ترامب العسكري» أكثر من وصفه أنه «إدارة ترامب»، ويتفق الجنرالات الثمانية الذين عينهم على أنهم يعرفون الخليج جيداً منذ «عاصفة الصحراء»، إلى إسقاط صدام، إلى العمل في الـ«سنتيكوم»، ولكونهم خدموا أثناء الحرب الباردة فقد تربوا تعبوياً على كره موسكو. كما لا يودون النظام الإيراني، بل يزمعون دفع إيران نفسها لإلغاء الاتفاق النووي باستفزاز طهران عبر إدراج 600 مؤسسة على قائمة العقوبات بدل 25 مؤسسة تابعة للحرس الثوري حالياً. رابعاً، يعاين ترامب في الملف السوري خمسة خيارات تكتيكية طرحها «دينيس روس» يمكن تطبيقها للضغط على الأسد وطهران وموسكو وتطابق ما يريده الخليجيون في سوريا، وهي خلق مناطق حظر جوي آمنة. وغارات ضد النظام لفرض اتفاق وقف إطلاق النار. ودعم المعارضة المعتدلة. ثم العقوبات والدبلوماسية، وقد بدأ العمل بهما بالتلويح بمحاكمات جرائم الحرب. خامساً، في التعامل مع موسكو وهي ند لنا، تقف ثلاث عثرات هي المواجهة في سوريا، والحرب السايبيرية، وسباق التسلح النووي. غذاها استعجال الكونغرس للخصام بقرار تشكيل لجنة خاصة لمواجهة «النفوذ الروسي»، ومنع الدبلوماسيين الروس الابتعاد عن مبنى السفارة بأمريكا ما يزيد عن 40 كلم.* بالعجمي الفصيح: يعرف الجنرالات الثمانية الذين عينهم ترامب في إدارته ويلات الحرب، لكن ذلك لن يزيل عادة رؤية مشاكل العالم من منظار عسكري، وبما أننا إقليم «مجحفل» لذا يتطلب فهم أزماته قراءتها بالصوت العالي من على ظهر الدبابة ابرامز «A1 Abrams» المرعبة.* المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج