مع كل عام جديد تبدأ الدول الكبيرة التي تنضوي تحت مظلة تحالفات دولية بإعداد استراتيجيات مختلفة عن كافة الاستراتيجيات السابقة، فدخول عام جديد عند تلك الدول يعني أن الشأن السياسي -المحلي منه والخارجي- لا بد أن يكون مختلفاً للغاية عن سابقه من الأعوام، فالعام الجديد عند الدول الناجزة لا يعني انتهاء رقم وابتداء رقم آخر، وإنما يعني ذلك أن يكون هنالك جرد سياسي صريح للداخل ولكل تحالفات الخارج، وأن تعاد صيغ المشاريع المحلية والدولية بشكل منظم لتتناسق مع تطلعات وخطط العام الجديد، تحمي من خلالها تلك الدول أمنها واستقرارها واقتصادها وسياساتها بشكل محكم بعيداً عن التخرصات والتوقعات والتنجيمات، فمصير الدول في عرفها يعتبر في غاية الأهمية وليس ترفاً سياسياً كما يتوهم البعض، ولهذا تلجأ مع بداية كل عام جديد إلى بلورة وصياغة المشاريع السياسية بشقيها -الداخلي والخارجي- بطريقة تتناسب ومصيرها المستقبلي.قبل أيام فقط، دخل العرب كغيرهم العام الجديد 2017 لكن حتى اللحظة لم نعرف ما هي مشاريعهم المعلنة لهذا العام، فغياب التخطيط وغياب كل من معاهد الدراسات الاستراتيجية القوية والمخططات الاستراتيجية الخاصة بالدول والتي تكون عبر خطط خمسية أو عشرية للحكومات العربية يؤدي في نهاية المطاف إلى أن تقوم دولنا باجترار المواقف والأحداث بشكل غير فاعل بينما في المقابل نجد الدول الأجنبية ترتب مشاريعها وأولوياتها السياسية والأمنية والعسكرية بصورة لا لبس فيها ولا غموض، لأنهم أيقنوا أن كل المشاريع يجب محاسبتها ونقدها مع بداية كل عام جديد، وهذا ما لم يستوعبه العرب حتى هذه اللحظة، فدخول العام عندنا يعني دخول رقم جديد في «روزنامة» الأيام فقط، بينما عند غيرنا من الدول يعتبر العام الجديد ابتداء إعلان التصفية الشاملة لكل مشروع غير ناجز واستبداله بمشروع يمكن أن يتسق مع المستقبل.«كشف الحساب» السياسي السنوي بات ضرورة استراتيجية ملحة في عصرنا الراهن لدى كافة الدول العربية دون استثناء، فوتيرة الأحداث السياسية والعسكرية والأمنية تقضي أن نستقبل العام الجديد بحزمة نافعة من التصورات التي تتطابق مع حركة المستقبل لأجل بناء وعي بأهمية القادم، وليس بفعل من شأنه اجترار الماضي، فمع بداية كل عام جديد نقرأ التقارير السياسية الاستراتيجية والعلمية التي تمهد الطريق لكل ما من شأنه أن يدفع بعجلة انتصار التحالفات الدولية الأجنبية نحو الأمام، بينما نحن العرب نقوم برمي آخر ورقة من التقويم القديم لنضع على حائطنا المسكون بالخوف تقويماً آخر دون معرفة حقيقة إلى أين سنتجه وما هي أهدافنا وبرامجنا التي تحاكي الواقع؟! حين يكون أمسنا كيومنا ويومنا كغدنا فهذا يعني أننا لم نتحرك من موقع شبهة الجمود وذلك لعدم قدرتنا الدخول إلى فضاءات العالم المتقدم بخطى واثقة وثابتة، وهذا هو الفرق بيننا وبين الآخر عند دخول كل عام جديد، إنه الفرق بين الانتصار والهزيمة.