تقف واحدة من النظريات السياسية المشتقة من النظرية الرياضية للألعاب، على جدلية معادلتين أولاهما أن «ربح طرف يساوي بالضرورة خسارة الآخر»، بينما تأتي الثانية على الطرف النقيض قائلة أن «ربح طرف لا يساوي خسارة الآخر»، ولعلنا بتطبيق هذه النظرية على الواقع السياسي للخليج العربي يمكن أن نستخلص جملة دوائر التعاون والصراع، والتي يمكن تطبيقها على كافة الكيانات أو المجموعات السياسية الدولية، كالاتحاد الأوروبي وغيرها. إن المراقب الحذق للخليج العربي لا يمكنه أن يستعجل القول بالتعاون والتكامل المثالي، ولكن في الجهة الأخرى لا يمكنه نكران حقيقة ذلك التعاون وعلى أي مستوى بات يحقق نتائج أقرب ما تكون للمأمولة، وقبل الولوج في تفصيلات ميزان العلاقات الخليجية الداخلية والخارجية، يجدر التنويه إلى أن قيام مجلس التعاون جاء نواة تعاونية بين الدول الخليجية الستة الأعضاء، فضلاً عن كونه داعماً لمسيرة التنمية في دول العالم العربي والعمل على تعزيز مفهوم الوحدة العربية. ويمكن القول أن الخليج العربي يعد طرفاً مؤثراً ومتأثراً بتوازنات متباينة تسود العالم أجمع، متأرجحاً بين التعاون والصراع وبين التحالف والخصومة، إذ تسود بعض العلاقات جملة من الثوابت التي لا تتزحزح كعلاقة أغلب العرب وخصوصاً الفلسطينيين مع الكيان الصهيوني، والتي تتسم بـ»ثبات العداء»، وهو ما يمكن تطبيقه على المعادلة الأولى التي تحصر خاصية الربح لطرف دون الآخر بالضرورة، وكذلك الموقف الثابت لدى بعض دول الخليج العربية من إيران والمتمثل في «الخصومة»، بينما يتضح من جانب آخر كيفية «البين بين»، والتي ترتسم فيها ملامح التعاون والصراع في آن، كالعلاقات الإيرانية مع بعض الدول الخليجية التي تتسم بالتعاون الاقتصادي والتبادل التجاري مع الحفاظ على جانب أقل حدة من الصراع السياسي لاسيما في بعض الملفات الخلافية، ولا يختلف الأمر كثيراً مع تركيا فهي في حالة من التعاون مع دول الخليج العربي في الملفات الإسلامية والشرق أوسطية العامة، بينما تعيش في حالة من التنافر والتنافس مع أغلب الدول الخليجية في إطار مشروع العثمنة الجديد وملفات أخرى. يقاس على تلك النماذج، وجهاً آخر للعلاقات تمثله المعادلة الثانية من النظرية، كالتحالفات الخليجية مع بريطانيا وأمريكا، إذ سطرت تاريخ من التحالف يبرهن ربح طرف لا يساوي خسارة الآخر ولكن «بدرجات متفاوتة» قد لا تقوم على الرضا الكامل من قبل الطرفين في بعض الأحيان، ولكنها تحظى بالحد الأدنى من الرضا على سبيل إدارة المصالح وتداول المال والسلطة بدرجة ما، ومن ذلك أيضاً ننطلق إلى القول أن التقارب الأمريكي الإيراني في خواتيم عهد أوباما لا يعني بالضرورة الخسارة الكلية للخليج العربي. * اختلاج النبض:رغم ما ذهب إليه عالم الاجتماع الأمريكي «بارسونز» بشأن إمكانية تحقيق مزيد من الفوائد بالتعاون، أكثر من العمل في جو تنافسي. أرى أنه يمكن تصنيف التنافس لنوعين، سلبي وإيجابي، فالسلبي هو ما يدعو للصراع والتنافر والخصومة لدى البعض، أما الإيجابي - وهو ما أسماه ولي عهد مملكة البحرين في لقاء له مع «العربية» بـ»التنافس الحميد»- فهو ما يجري بين دول مجلس التعاون على سبيل المثال لا الحصر، وهو ما يكون ناجماً عن اختلاف بعض المسارات أو الأهداف الداخلية للدول ورؤيتها لنفسها بعد أجل ما، ما يولد حالة التنافس الحميد التي تقوم على عدم الإضرار بغايات الآخر أو عرقلتها.