سألتها باستغراب: «ماما، شو هيدا الصندوق اللي تحت التخت؟!»، ردت قائلة: «هذا صندوق لبعض أوراقك ودفاترك وصور كان يحتفظ بها والدك رحمه الله بعد أن سافرتي. فأنت وحدك تعلمين العلاقة الوطيدة التي تربطك به، كنتي طوال عمره وحيدته المدلله». صمتّ لبرهة مع كسرة قلب جارحة على فراقه. نعم، فكلام والدتي حقيقي لدرجة أنني وجدت في الصندوق صورة أول مقال نزل لي في صحيفة «الوطن» الموقرة بتاريخ 5 يناير 2013.المهم أنني أخذت الصندوق وبدأت أبحث به، وإذ بي أجد مفكرة قديمة جداً. فتحتها وإذ بالصفحة الأولى منها مدونة عبارات كتبت بأسلوب طفلةٍ تحاول أن تثبت ذاتها: «عزيزتي السنة الجديدة، نحن الآن على أعتابك وأتمنى ألا تخذليني مثل كل مرة. عندي من الأمنيات العديدة ومن الأحلام الكثيرة وكلي أمل بالله عز وجل أن يوفقني وأحققها. ولكن قبل كل هذا أتمنى من كل قلبي أن تتوقف الحرب لأنني لم أعد اتحمل سماع أشخاص قريبة من قلبي تقتل أو تصاب بجروح بليغة وتعاني، وسئمت وتمللت من الاستيقاظ من عز النوم في أيام الليل الباردة على أصوات المدافع والرشاشات النارية هرباً للملاجئ. وأيضاً أتمنى أن يرجع والدي من السفر ومعه قائمة الهدايا التي طلبتها منه. أما عني أنا شخصياً فلا بد أن أبدأ بقراءة الكتب وأريد أن أتعلم الموسيقى. وفيما يخص التحاقي في الدفاع المدني فسوف أعمل كل جهدي كي أحرز مراتب قيادية متقدمة». وما أثار ضحكاتي أنني كتبت كلمات أشبه بالطلاسم أنه لا بد من وجود مخبأ سري لألواح الشوكولاتة عن أعين إخواني والذين يسطون عليها أينما كانت. أما على المستوى الصحي، فكتبت أيضاً التالي: «لا بد من عمل مجهود بدني مضاعف كي أتمكن من المشاركة في مسابقة الركض في المدرسة نهاية العام».وأشياء كثيرة كنت قد كتبتها، منها ما أحصي ثماره ومنها ما لا يزال كلمات على الورق. ومع إشراقة شمس السنة الجديدة، عادت إلى ذاكرتي تلك المفكرة وسألت نفسي: «شو يلي تغيّـر؟!». وتأملت أمنيات فتاة الثلاثة عشر عاماً البسيطة والتي تعكس حقيقة شخصيتي أنا الآن. وأخذت القلم وبدأت أكتب ولكن مع تغيير بسيط في اتجاه البوصلة حيث وجهتها نحو أبنائي وأن دوري الآن مساعدتهم في تحقيق أحلامهم وتلبية طلباتهم. وأما والدي فقد رحل بقطار اللاعودة، رحمة الله عليه. ولا يزال الأمل بالله كبيراً أن يعم الأمن والسلام على الأمة جميعاً. فالحياة جهاد والجهاد الأكبر أن يكون لديك قدرة على التكيف وإثبات الذات مهما واجهت من صعوبات وتحديات. فنحن اليوم نتيجة أحلامنا بالأمس، وآمالنا رهينة البيئة التي تربينا بها والظروف اللاإرادية التي تثبط عزيمتنا. وقد صدق الشاعر الراحل أبو القاسم الشابي حين قال:ومن يتهيّب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر