«ما أعلنته الحكومة البريطانية في العام 1968 بإعلان انسحابها من شرق السويس كان خطأً تاريخياً، ونحن اليوم هنا لتصحيح هذا الخطأ». بهذا الطرح الجديد فاجأ وزير الخارجية البريطاني حضور حفل العشاء الذي أقامه سمو ولي العهد للمشاركين في حوار المنامة نهاية العام الماضي.دارت حوارات كثيرة حول مستقبل العلاقات الخليجية - البريطانية التي يبدو أنها تشهد تحولاً تاريخياً بعد انسحاب لندن من الاتحاد الأوروبي. وتزامنت هذه الحوارات مع تراجع هائل في النفوذ الأمريكي في منطقة الخليج العربي، وهو النفوذ الذي جاء ليسد الفراغ في المنطقة بعد الانسحاب البريطاني الذي أدى إلى استقلال معظم دول مجلس التعاون مطلع سبعينات القرن العشرين.من الواضح أن هناك جدية كبيرة مشتركة بين لندن والعواصم الخليجية لتطوير العلاقات بعد فقدان الثقة في العلاقات الخليجية - الأمريكية، وهذه الجدية وصلت إلى رأس الهرم في السلطة عندما شاركت رئيسة وزراء بريطانيا في القمة المهمة التي عقدت في المنامة على هامش قمة مجلس التعاون الأخيرة.لندن بحاجة إلى أموال دول مجلس التعاون واستثماراتها التي تشكل السواد الأعظم من الاستثمارات الأجنبية في المملكة المتحدة، ودول المجلس بحاجة إلى الكثير من السلع والخبرات والاستثمارات البريطانية بالمقابل، فضلاً عن أحدث أنواع التكنولوجيا الدفاعية. وهو ما يثير تساؤلاً حول جدوى عودة النفوذ البريطاني إلى المنطقة بعد غياب دام أكثر من 40 عاماً؟قد يكون من المبكر الحديث حول عودة النفوذ البريطاني، لأنها مسألة مرتبطة بالتوازنات الدولية والإقليمية، والتطورات غير المستقرة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط. لكن المسألة الأهم منها، هو تحديد طبيعة الرؤية الخليجية من مستقبل العلاقات الخليجية - البريطانية.قبل أكثر من 200 سنة جاءت بريطانيا وسيطرت على منطقة الخليج العربي، وساهمت في صناعة مستقبل الدول الخليجية المعروفة الآن، وكان لها دور بارز في تفاعلات المنطقة وتاريخها السياسي. حينها لم تكن حكومات وشعوب المجتمعات الخليجية قادرة على فرض أجندات معينة في سياق الهيمنة البريطانية، رغم محاولاتها ومقاوماتها لرفض ما كانت تراه غير مناسب لوضعها وظروفها.لكننا الآن بعد 200 سنة من تلك اللحظة التاريخية، حيث اختلاف التاريخ والشخوص والظروف والقدرات والإمكانيات. تعود بريطانيا من جديد إلى الخليج العربي، ومن واجب حكومات وشعوب دول المنطقة أن يحددوا رؤيتهم ومصالحهم في مستقبل العلاقات الخليجية - البريطانية. فما كان بالأمس ليس ممكناً اليوم، ولكن فرص اليوم أكبر من ظروف الأمس، لأن هناك إرادة ورغبة ومصالح مشتركة.