دونالد ترامب في مأزق، وربما يضطر للاستقالة من منصبه الرئاسي الجديد في وقت قريب.. فاستمرار إشادته بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين وما وصفه بجهود بوتين لرأب الصدع بين الولايات المتحدة وروسيا، قد تقود إلى فضيحة لا تقل عن تلك التي تورط فيها نيكسون عندما تكشفت خفايا «ووتر غيت» التي ثبت فيها التجسس لصالحه على حساب الحزب المنافس، ما قاده إلى تشكيك الشعب الأمريكي في مصداقيته ما اضطره لتقديم استقالته. ولأن آخر ما يبحث عنه ترامب التشكيك الأمريكي في فوزه فعليه لزاماً أن يراجع موقفه غير المدروس من روسيا التي تداول القول بتورطها في اختراق حسابات مؤسسات الحزب الديمقراطي وأعضائه ونشرها دعاية وأخباراً كاذبة استهدفت انتخابات الرئاسة الأمريكية، وبهذا فإن ليست ثمة خيارات أمام ترامب سوى إعلان العداء على روسيا واستعادة سياسة القطب الأوحد التي ضيع «أوباما» بوصلتها. ويبدو أن الهجمات الإلكترونية الأداة السياسية الروسية الجديدة لتحقيق غاياتها، فمن جهة الهجوم الإلكتروني الروسي على شبكة الكهرباء الأوكرانية، ومن أخرى التورط المنكشف مؤخراً حول الانتخابات الأمريكية، ولهذا يمكن القول إن أولى جمرات الحرب الباردة قد رُميت ولكن بحلة جديدة افتراضية تنذر بعودتها من مدخل «سيبيري»، وهو ما يوجب مزيداً من الحذر من الأمريكان وغيرهم ممن يقعون في دائرة المصالح الروسية. ورغم التحديات العصية التي يواجهها ترامب قبيل توليه الرئاسة رسمياً إلا أنه يبدو أنه مطالب أكثر من أي رئيس أمريكي سبقه بإعادة الأمور إلى نصابها بعد الضياع والتضييع اللذين خلفهما أوباما في انتكاسة الحكم الأمريكي وإفلات الزمام على المستوى الدولي، وهو ما يجعل ترامب بمواجهة ملفات «من العيار الثقيل» بينما تتجه إليه أنظار العالم أجمع «ما عساه فاعل بها؟!». إن قرار وقف إطلاق النار في سوريا الذي كانت روسيا لاعباً أساسياً فيه، قد لا يعدو على كونه ضرباً من الحفاظ على شعرة معاوية عقب انكشاف ألاعيبها في العالم «السيبيري» والتي نتج عنها بدايةً طرد 35 دبلوماسياً روسياً من أمريكا. ولكن.. بينما يبدع الروس والأمريكان في حربهم الباردة الجديدة يبدو أن الشرق الأوسط سيكون قبالة تحولات حتمية، ستتمخض عن اتخاذ موقف أمريكي واضح وجاد تجاه الأزمة السورية، والتي قد تجعل من مراجعة خارطة الدول الإرهابية أمراً وارداً، ولكن الأقرب للأكيد أن السياسة الأمريكية الجديدة لا مناص لديها من العمل على حرق ملفات روسيا ومصالحها في المنطقة، وربما تستخدم إيران كبش فداء الصراع الأمريكي الروسي، ولا شك في أن المستفيد من هذا كله الشعب السوري أولاً، والخليج العربي بخط موازٍ لما سيشكله ذلك من استعادة لبعض دعامات الأمان والاستقرار في المنطقة.* اختلاج النبض:في الحرب الباردة التي جاءت على أعقاب الحرب العالمية الثانية حتى العام 1991 الذي شهد تفكك الاتحاد السوفيتي، كان الخليج العربي وإيران مصنفين تحت عقيدة نيكسون المعروفة بـ»الدعامتين»، كون كل منهما يمثل جزءاً من الخندق الشمالي في الحزام الجنوبي الذي وضعته أمريكا لاحتواء الشيوعية. أما في الحرب الباردة التي دقت طبولها مؤخراً أصبحنا أكثر دراية بمصالحنا وخياراتنا، بينما تكمن المشكلة في غياب الفكر الاستشرافي القادر على اللعب بالأوراق الصحيحة لاختيار موقف أفضل نحقق من خلاله أغلب مصالحنا..!!