د. عادل محمد عايش الأسطلمنذ اندلاع ثورة يناير2011، تكونت حالة دينيّة، تعلّقت باستخراج التشريعات والفتاوى الدينية الغريبة والمتباينة، سواء من حيث قيمها الروحيّة أو مضامينها التشريعية، وصلت إلى حد تسميتها (ظاهرة)، لكثرتها ومن غير سبب أو داعٍ يوجبها، حيث فاقت بمئات المرّات عن التي كانت تُستخرج في الفترات السابقة، والتي كانت تصدر في العادة للجمهور في شأن بيان حكم ديني أو فيما يتعلق بالأمور الحياتية العامة فقط وبهدوءٍ. وأيضاً بسبب أنها تميّزت بخلط الدين بالسياسة، وتغليب إحداهما على الأخرى في حالات كثيرة ومختلفة وتبعاً لتطورات الظرف والحال. كانت اشتدت هذه الحالة أو هذه الظاهرة بشكلٍ لافت، منذ تدخل الجيش المصري في الثالث من يوليو 2013، بقيادة الفريق أول "عبد الفتاح السيسي" في عملية عزل الرئيس "محمد مرسي" وجماعة الإخوان عن الحكم، ورأيناها بكل وضوح، من خلال إنتاج واستصدار كمّاً هائلاً منها وفي عملية تفريخ وتنمية المروجين لها، إمّا بطريق الوظائف وإمّا بطريق التطوّع، أو بطرقٍ أخرى، ولكلٍ أغراضه وأهدافه، الأمر الذي جعل أغلبية وربما جميع التيارات والحركات السياسية المختلفة تقع في تجاذبات سياسية واجتماعية ودينية مختلفة، توالدت عنها انعكاسات ولا شك سيئة جداّ على عموم المصريين، وخاصة فيما يتعلق بالقضايا الدينية، بسبب أن المسألة الدينية تأتي في المرتبة الأولى للسواد الأعظم منهم، لوقوعها في مركز شعورهم ووجدانهم، وليست كالمسألة السياسية التي لا تعني إلاّ العاملين بها والقادرين عليها. وتتضح جلياً تلك الانعكاسات، من خلال أن جعلت ليس المواطن المصري العادي أن يتأثّر بها وحده وحسب، بل أن هناك شرائح مختلفة تضم أعلاماً ومثقّفين وفقهاء ومشايخ وآخرين، كانوا سواء بسواء مع ذلك المواطن العادي، في مسألة وقوعهم في صميم الحيرة حيناً والتشكك والاختلاف حيناً آخر، بسبب تباين وتناقض الخطاب الديني بين أقطابه الدينيين وعلى اختلافهم في درجة العلم والرؤى الخاصة بهم، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالقضايا السياسية، وخاصةً التي تقترب من نطام الحكم.لقد برزت مدارس دينية كثيرة جعلت مهمّتها بالدرجة الأولى استخراج الفتاوى والأحكام- ليس جميعها- سعياً في إثبات ذاتها وترسيخ مفاهيمها وللدفع في معاونة جهات أخرى حاكمة أو متنفّذة وتحتاج لفتاوي دينيّة مُساندة. ويمكن هنا الإشارة إلى مدرستين رئيستين على المستوي المصري، أخذت كل مدرسة منهما بالتصدي للأخرى لتثبيت صحة اجتهاداتها وفتاويها الصادرة عنها، وخاصة في الشأن السياسي وضمن إطار التطورات والأحداث القائمة والمتوقع حدوثها أيضاً. حيث مثّل الأزهر الشريف إحدى هاتين المدرستين من خلال شيخه الدكتور "أحمد الطيب" ويدور في فلكه حزب النور السلفي وجماعات صوفية أخرى. ويمثل المدرسة الثانية عضو هيئة كبار علماء بالأزهر سابقاً ورئيس اتحاد علماء المسلمين الشيخ الدكتور "يوسف القرضاري" ويدور في فلكه جماعة الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية وتيارات دينية أخرى.ويمكن في هذا المقام، ذكر حالة واحدة - للمثال فقط- من جملة ما ورد من فتاوى وأحكام كانت حصلت على أقصى درجات التباين والتناقض فيما بين المدرستين، وذلك حول ما يتعلق بالدستور الجديد (لجنة الخمسين) وعملية الاستفتاء عليه والمقررّة في منتصف يناير/كانون ثاني المقبل، أي بعد أقل من شهرٍ واحد من الآن. فبينما أكّد الدكتور "القرضاوي" بأن الاستفتاء على الدستور المصري (الجديد) على أنه عبث، بسبب أن هناك دستور مستفتى عليه منذ العام الفائت 2012، وكون هذا الدستور تخلو مضامينه من روح الشريعة الإسلامية، حيث أصبحت الأحكام الشرعية ضمن إطاره كلمة لا معنى لها".وساندت ذلك الموقف فتاوى لأقطاب تيارات دينية أخرى، وكان من بينهم شخصيات دينية سلفية بارزة، أمثال "أبوإسحاق الحويني" و"مصطفى العدوي" و"فوزي السعيد"، حيث أفتى "الحويني" وهو عضو كبير في مجلس شورى العلماء السلفي- باعتباره منشق- بضرورة مقاطعة التصويت على الدستور، وبأن الإقدام على الاستفتاء (مُحرّم) بسبب أنه يخالف الشريعة وبه عوارٌ كبير. وبينما حرّمت جهات دينية أخرى مسألة الاستفتاء، كان هناك تأكيد واضح من الأزهر، على أن الخروج للاستفتاء على مشروع الدستور هو واجب وطني، بسبب أنه يصب في مصلحة الوطن وهو يُعد من مقاصد الشريعة. وعلل تأكيده بالوجوب، بأن لا حرمة لدماء، ولا حفظ لعقل، ولا صون لعرض، ولا أمن على مال، دون وطن آمِن مستقر يجمع الشمل، ويوحِّد الصف، ويزيل الفرقة، ويبعث على الأمل. ومن ناحيةٍ أخرى أكّد على رفضه لدعاوى تحريم الخروج للاستفتاء أو الحكم على مشروع الدستور بأنه ضد الدين أو ضد الشريعة الإسلامية، معتبراً بكل وضوح إلى أن هذه كلها فتاوى شاذة ومجافية للشرع والدين. وناصره في موقفه هذا وزير الأوقاف بالحكومة الجديدة "محمد مختار" حيث أكّد بأن المشاركة في الاستفتاء هي واجب ديني. وتوّج ذلك كلّه مفتى مصر السابق الشيخ "على جمعة" حين وصف من يوافق على الدستور بأنّه مؤيّد من الله.خانيونس/فلسطين23/12/2013