لأنه تجاوز ممنوعات الطوائف وتابوهات (العيب)، كان وصول نسختين أو ثلاث من كتاب (الحلة عاصمة السخرية العراقية المرة) كافياً لإثارة المعارك في الحلة، المدينة الصغيرة (95 كيلومتراً جنوب بغداد) التي لا تحتاج لحجة حتى تتحرك ألسنة أهلها المعروفة بسلاطتها، فكيف بهذا الكتاب الذي ذكر الوقائع مثلما هي، بأسمائها وأماكنها وتواريخها، وبما حوت من سخرية طالت السلطة وإشكاليات الدين والطوائف، رافعاً عباءات النساء السوداء عن قصص الغرام والمغامرات النسائية التي أوصلت شاعر العراق الأوحد في زمن صدام حسين (ع.ر.ع.و.) إلى الوقوع في الفخ المنصوب له والمعلمة التي ضبطت معه في موعد غرامي في بستان النخيل، ليوضع معها في سيارة بيك آب في جولة (عار) في طرق المدينة التي انهالت عليه بالشتائم والقبضات.الحليون انقسموا ما بين ضاحك بعمق وغاضب بعمق أيضاً، أحدهم (وهو مدرس متقاعد منذ زمن) توجه إلى المحامي (س.م.ش) ليسأله إذا كان يستطيع رفع دعوى على نوفل الجنابي كاتب الكتاب. المحامي سأله عما إذا كان الحادث الذي ورد ذكره فيها قد حصل فعلاً أم أنه مختلق، أجاب بأنها صحيحة. نصحه المحامي أن (يلم) الموضوع، لأن ما ظهر قد يكون جزءاً من قصة أكبر.الكتاب الذي أصدرته دار المدى، يسجل في نحو 450 صفحة، تفاصيل الروح الساخرة لهذه المدينة الغارقة في النخيل والحياة والنميمة والألسن التي تلسع الظهور صاعدة نازلة. لغة الكتاب يتفاوت إيقاعها، ويتنوّع وقعها بتنوّع المواقف التي ما زال معظم إبطالها موجودين، وما زالت ألسنتهم حادة وتمارس سلاطتها بكفاءة عالية.اعتمد الجنابي في كتابه على ذاكرته بشكل كلي، وتعمد عدم اللجوء إلى أي مصدر، بل ترك ذاكرته تمضي ماسحة البيوت والأزقة والسجون، راصدة سخرية العذاب الإنساني الذي حمّل هذه المدينة ما لا يمكن أن تحتمله المدن من عسف ودم لم يكن لديها غير الضحك لمواجهته.الكتاب لا ترد فيه نكتة مروية، فهذه المدينة تسخر بالخيال واللذاعة التي تقدح شرارتها في أية لحظة، أما النكتة فتعتبرها الحلة بضاعة معلبة قد يبيعها أو يشتريها الجميع، ساخرون أو من أهل النكد.الإشكالات التي أثارها الكتاب، عرضتها إحدى المحطات الفضائية العراقية، الأمر الذي دفعنا للبحث عن نسخة في بغداد، لنتفاجأ بأن الكتاب لم يوزع إلا في بيروت، وأنه لن يصل إلى بغداد قبل عشرة أيام على الأقل.