د. عادل محمد عايش الأسطلخرج رئيس حكومة إسرائيل "بنيامين نتانياهو" بعد اجتماعه الوزاري بشأن التوافق على تسمية أسرى الدفعة الثالثة المنوي إطلاق سراحهم، شاحب الوجه ومقطّب الجبين وما زال يعض على شفتيه ندماً وحسرة، في ضوء عدم قناعته هو ذاته، وازدياد حِدة المعارضة الوزارية والشعبية، إزاء استحقاق هذا المطلب وفق التفاهمات التي جرت برعاية وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري"، وفي ضوء عدم حصول تقدّم في المفاوضات مع الفلسطينيين، حيث كانوا يحلمون بالحصول على أثمان جيّدة ومناسبة، سواء من قِبل الأمريكيين أو من قِبل الفلسطينيين بشكلٍ خاص.إذ كيف دحرجته الأمور إلى هذه الدرجة ليوافق على إطلاق سراح أسرى فلسطينيين قتلوا بأيديهم إسرائيليين؟ وكيف وصل إلى الحال التي وافق خلالها على تحديد أعداد، بعد أن كان مطلق اليدين في ذلك وتحت بند - حسن نوايا – لا تتعلق بأسرى قدامى، ثم إقدامهِ إلى تحديد عدد معيّن وهو 82 أسيراً، ثمّ انتقاله إلى مسألة الارتفاع إلى الرقم 104؟ وهو مجموع أولئك الأسرى الذين تم اعتقالهم - ما قبل أوسلو -.قاتل الله "كيري" هذا، هكذا دائماً يتمتم "نتانياهو"، بسبب أنه هو الذي وضع الحجر الثقيل على صدره، للحصول على موافقته في قبول الصفقة، بدواعي أن تحسين وضع القائمة، يعني المساعدة في جلب الفلسطينيين بدرجةٍ أسرع إلى الطاولة، وستعمل على تليين مواقفهم في قضابا مهمّة، وستتوقف تهديداتهم بالذهاب إلى الأمم المتحدة وهيئاتها المختلفة، في ضوء تهديداتهم كعادتهم بألاّ يستجيبوا لأيّة مطالبات بشأن العودة إلى المفاوضات، حتى يشمل الإفراج جميع الأسرى القدامى، ومن ناحيةٍ أخرى فإن على إسرائيل أن تنظر إلى أن تجديد المحادثات هو مهم جداً لها وخاصةً في هذه المرحلة الحساسة أو لترميم صورتها على الأقل أمام المجتمع الدولي وخاصةً مجموعة دول الاتحاد الأوروبي.إن قرار أن يتولى "نتانياهو" مهمّة الإقدام على عملٍ يضطرّه إلى أن يحسم أمر صفقة كهذه، مخالفاً لرأيه ورأي أكثر الإسرائيليين، لم يقلل من صعوبة تقبّله للموافقة عليها، وما جعل الأمر أصعب بأضعاف المرات، هو الذي شكى منه على مدار يومه وغدِه، بل وحكومته والإسرائيليين بشكلٍ عام. هو أن من ضمن المشترط في إطلاق سراحهم، هم أسرى من فلسطينيي الداخل 48، لا سيما وأن السلطة الفلسطينية لم تهدد بإفشال جهود "كيري" بشأن العودة للمحادثات المباشرة للإفراج عن أسرى فقط، ولكن بالتأكيد بصورة واضحة على أن تشمل الصفقة أسرى من 48. حيث كان "نتانياهو" يخشى أن إعلان الموافقة على هكذا شرط، يعني الموافقة على إطلاق سراح أسرى يعتبرهم من مواطني إسرائيل، حيث لا يُعترف في كل إسرائيل بأنهم سجناء أمنيون فلسطينيون، ومن ناحيةٍ أخرى فإن موافقة "نتانياهو" على تنفيذها، معناها في نظر الإسرائيليين أو الكثيرين منهم، أنه يحطّم كل الخطوط الحمراء التي تقف إسرائيل دوماً دونها بمسافات طويلة، حيث ستكون هذه أول مرة تفرج فيها إسرائيل عن سجناء عرب من مواطني 48 – قتلوا إسرائيليين أو يهوداً – بغض النظر عن الموافقة التي تمت بشأن ستة أسرى منهم في صفقة الجندي الإسرائيلي "غلعاد شاليط" التي تم الاتفاق عليها أكتوبر/تشرين أول 2011، باعتبارها صفقة تبادلية وتحت الإرغام، بسبب أنها كانت جزءاً من الاتفاق الذي حصل مع فصائل المقاومة الفلسطينية بزعامة حماس، وتختلف عنها أيضاً في أنه لا أحد يتعقبهم بشأنها، خاصةً و أن موافقة كهذه، تعني اعترافاً بالسلطة الفلسطينية بأنها ممثلة شرعية لمواطنين عرب إسرائيليين، ويعني أيضاً أن إسرائيل تتخلى عن سيادتها، في ضوء أنه لا توجد سابقة أن تخلّت إسرائيل عن أي شيء يقع تحت سيادتها، باعتبارها تمارس حقّها كأيّة دولة في العالم. ومن جهةٍ أخرى فإن الصعوبة تكمن في قضية الردع لأولئك الأسرى التي تحوز على أهمية حاسمة داخل كافة المؤسسات السياسية والأمنية والقضائية الإسرائيلية، لأن الحديث عن مواطنين يعيشون في مركز وأنحاء إسرائيل مع بطاقات هوية إسرائيلية ويسكنون ويتعاملون مع إسرائيليين. وإسرائيل فقط هي المسؤولة كما المعتاد عنهم وليس جهةٍ أخرى، ولذلك فليس من حق السلطة التّدخل في العمل على إطلاقهم أو الاهتمام بشؤونهم. وعلى الرغم من إبداء "نتانياهو" غضبه وندمه الشديدين على حصول الصفقة منذ البداية، إلاّ أنه وجد ما يتعلّق به لإفشالها وإفراغ الجوف الفلسطيني من الشعور بالانتصار كما ينبغي أن يكون، ولو إلى ساعةٍ مقبلة. فعلاوةً على إلقائه بكل التفاهمات التي تم التوصّل إليها مع "كيري" بشأن العودة إلى المفاوضات إلى سلة المهملات، وعلى رأسها عدم تبنّي مشاريع استيطانية أو أن تكون في صمت وبعيداً عن الإعلام، فقد أعلن عن رفضه منذ البداية عن موافقته صراحةً بوقف النشاطات الاستيطانية خلال الشهور التسعة التي تم اعتمادها لإنهاء المفاوضات، حيث واصل البناء كالمعتاد، وأيضاً رفضه المطلق عن تجديد التفاوض على أساس نيّة انشاء دولة فلسطينية في حدود العام 67، إلى جانب رفضه المطلق لمسألة تجديد المحادثات من النقطة التي توقفت عندها في عهد رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق "إيهود أولمرت" 2008- 2009.علاوةً على ما سبق، فقد استطاع "نتانياهو" وائتلافه الحكومي هضم أجزاء كبيرة ومهمّة من كل الشروط الفلسطينية، التي ما فتئوا يداومون على المطالبة بها كثوابت ومبادئ. ومن جهةٍ أخرى فقد داوموا على ممارسة الابتزاز السياسي في قضية الأسرى، من حيث المماطلة في عملية تحرير الأسرى، أو في مسألة تسميتهم، كما استطاع ومن معه، برغم الاحتجاج الفلسطيني أن يفرغ القائمة من أي أسير فلسطيني من مناطق 48، تماماً كما حصل في شأن الدفعتين الماضيتين، ولم يكتفٍ "نتانياهو" عند هذا الحد، بل أكّد بأنه إذا عاد الأسرى المفرج عنهم إلى القيام بعمليات عدائية ضد الدولة، فإنه ستجري ملاحقتهم وإعادتهم إلى السجن، وكأنّه تفضّل عليهم بالإفراج عنهم. كيفما كان "نتانياهو" وأعضاء حكومته بشأن القضايا الفلسطينية وعلى رأسها قضية الأسرى، فإن على الفلسطينيين عموماً الوقوف صفّاً واحداً، بغية التصدّي لأيّة نوايا إسرائيليّة، سابقة كانت أو لاحقة، ودون التخلّي عن الثوابت الفلسطينية مهما تعاظمت الضغوطات والمضايقات، وعلى رأسها تحرير الأسرى بمن فيهم أسرى 48، بسبب أنهم جزء أصيل من الشعب الفلسطيني، الذين قدّموا الكثير من الشهداء والأسرى والجرحى في سبيل الحرية والكرامة.خانيونس/فلسطين29/12/2013