د. عادل محمد عايش الأسطلاعتدنا على أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة وعلى اختلافها يسارية كانت أو يمينية، تتفق فكراً ومنهجاً ويداً بيد، في أن مسألة الإفراج عن أسرى فلسطينيين وخاصةً ممن تصفهم بالخطرين على حياة اليهود وعلى أمن الدولة بشكلٍ عام، هي من المسائل التي تقع في دائرة الأشد احمراراً من الخطوط الحمراء ذاتها، ويساعدها في ذلك اليمين المتطرف وغلاة المتشددين اليهود وفئات مختلفة من المجتمع اليهودي سواء المتواجدين في إسرائيل أو في مناطق أخرى من العالم. بسبب أنها لا تجد لنفسها الحق في الإفراج عمّن تسميهم (مخربين وقتلة) قبل الأوان وتحت أيّة ظرف، وقبل أن يتلقّوا كامل المعاناة أو أن يموتوا داخل السجون والمعتقلات الإسرائيلية، وأن مجرّد الحديث أمامها في هذا الشأن، لهو من الأمور المستفزّة، ويثير لديها الاستهجان والغضب معاً في ذات الوقت.فمنذ الماضي واجهت تلك الحكومات هذه المشكلة، وكانت كلها مصممة على الامتناع عن الإقدام على تنفيذ عملية إطلاق أسرى فلسطينيين أو عرب أو معادين لها، وحتى في ظروف قاسية. حيث كانت تفضّل اللجوء إلى استخدام القوة العسكرية في الإفراج عن جنودها ومواطنيها، وحتى في حالة أن تؤدّي تلك القوة إلى سقوط المزيد من القتلى الإسرائيليين، كما حدث في العديد من عملياتها العسكرية لتحرير رهائن يهود – عنتيبي/ كينيا عام 1976 - على سبيل المثال. لكن كل حكومة في حين ضيقها الأقصى، كانت تجد لنفسها مخرجاً في شأن مسألة الخضوع والإذعان عندما تجد نفسها في الزاوية الأضيق، للتحلل من تصميمها الظاهر ولكل المعايير المتشددة التي وضعتها بشأن ضرورة إدامة حجز الأسرى في سجونها وإلى ما لا نهاية، لتمتد إياديها نفسها نحو أقفال السجون لتحرير أسرى، وإن كانت في وضعٍ كشاربة السمّ بسبب أنها واجهت واقعاً ألزمها بأن تفرج عن أسرى فلسطينيين (أمنيين).هذا الواقع تمثّل في الإفراج عن أسرى إسرائيليين، أو لأن ذلك كان جزء من اتفاقٍ ما، بشأن مسيرة سياسية أرادتها تلك الحكومة وجاءت على هواها، أو بقصد إبداء حسن النيّة أمام المجتمع الدولي ولحيازة مكاسب جديدة.إذاً ليس هناك خطوط حمراء وإن كان يوجد، فهي قابلة لأن تبهت إلى درجات متدنيةً جداً وتبعاً للظرف والضرورة لذلك، ورأينا منذ السابق كم بهتت وتفتحت وإن بصعوبة لكنها بهتت وتفتحت إلى درجة أن الرائي لها لا يعتقد أنها كانت خطوطاً حمراء.وإن دلّت تلك على شيء، فإنما تدل على أن هناك إمكانية ميسّرة ومعقولة لدى الفلسطينيين لتحرير أسرى فلسطينيين جدد من سجون الاحتلال، وهذه الإمكانية تتمثّل في الضغط على الولايات المتحدة لإطلاق سراح الجاسوس الأمريكي "جوناثان بولارد" مقابل إطلاق أسرى فلسطينيين، ولا يستغرب أحدُ في ذلك لأنه يمكن إخضاع الولايات المتحدة ومطالبتها بإطلاق "بولارد"، فعلى الرغم من صعوبة ذلك، لكن الولايات المتحدة لا يضرّها كثيراً إطلاق سراحه الآن، وإقدامها على فعل ذلك له مكاسب وأرباح متبادلة، وليس له أيّة أضرار جانبية.ليس جديد على الولايات المتحدة أن تُقدم على ذلك الفعل، فهناك سوابق كثيرة في أنها أطلقت سجناء كانوا أشد خطراً من "بولارد"، بسبب أنهم كانوا يخدمون دولاً معادية كالاتحاد السوفياتي سابقاً، وليس دولاً صديقة ولها معها علاقات استراتيجية وتعتبرها الحليف الأهم في المنطقة، كما أن "بولارد" نفسه قد أمضى أكثر من 30 عاماً في السجن وانتهت صلاحياته بجملتها، وقد بلغ من العمر يمكّنه فقط النوم الدائم على السرير. لا سيما إذا كانت الإدارة الأمريكية تسعى بالفعل إلى تقليل الضرر عن الفلسطينيين، وتريد تصديق ادّعاءاتها المختلفة بأنها ذات نوايا جادّة، باتجاه الشعب الفلسطيني، ناهيكم عن أنها في حالة الآن تُمكّنها من السماح لها بفعل ذلك، لتليين الشوكة الإسرائيلية باتجاه المفاوضات الجارية مع الفلسطينيين، ومن ناحيةً أخرى للحفاظ على علاقاتها مع إسرائيل ولوبيّها في أنحاء العالم وتحديداً أولئك المتواجدون في الولايات المتحدة ويحرّكون اقتصادها ليلاً ونهاراً وفي كل اتجاه، ولا تغفل عيونهم لحظة واحدة دون المطالبة بإطلاق سراحه.قبل هذا الأوان كان من الصعب على إسرائيل برمّتها ولا حتى الأصدقاء والموالين لها التفوّه بذلك الطلب، بسبب أن الولايات المتحدة ليست في حاجة إليها، لا سيما فيما يتعلق بالشأن الفلسطيني، علاوةً على أن المؤسسة الأمنية الأمريكية كانت على درجة عالية من السخونة، ولا تعرف سوى كلمة (لا) أمام أيّة مطالبة في مسألة إطلاق سراحه.الآن، الذرائع الأمريكية غير قائمة، وليست بنفس الشدة كما في الماضي، كما أن الطرق التي كانت المؤسسة الأمنية الأمريكية تسلكها للتملص من الطلبات الإسرائيلية، قد انتفت وليس لها وجود، كما أن هناك خفض واضح للرأس الأمريكية أمام المبتغى الإسرائيلي، ألمح إليه مؤخراً وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري" حينما تعهد بالنظر في الإفراج عن "بولارد" مقابل تسهيل عملية تنفيذ إطلاق سراح الدفعة الثالثة والرابعة المنتظر الإفراج عنها أواخر الشهر القادم من الأسرى الفلسطينيين بهدف - إذا جاز القول- إنجاح المفاوضات.التعهّد الذي قدّمه "كيري" ليس معناه بالضرورة الإطلاق الفوري لـ "بولارد"، ولكن يمكن تنميته كي يصبح فورياً وفي التو والحال، إذا ما قامت السلطة الفلسطينية بوضع الولايات المتحدة تحت الاختبار الأهم، من خلال مطالبتها بإطلاق سراح "بولارد" مقابل ليس تنفيذ الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين، وإنما إطلاق المئات الكثيرة منهم، وإسرائيل بالتأكيد لن تكف عن الموافقة على إطلاق سراحهم، لقاء الموافقة الأمريكية على إطلاق "بولارد"، لا سيما وأن رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" تعهد مؤخراً لعددٍ من وزراء حكومته الذين ما فتئوا يضغطون عليه لتفعيل قضية "بولارد" لاستخدامها في العملية السياسية الجارية مع الفلسطينيين، وحثّه على بذل كل جهد ممكن لضمان الإفراج عنه، وهذا يشمل بالطبع قضية الأسرى الفلسطينيين، ومعتمداً على أن نسبة كبيرة من الإسرائيليون يوافقونه على مثل هذا السلوك. وليس هذا وحسب، فهناك إمكانية أيضاً لدى الأمريكيين بشأن تليين "نتانياهو" لموقفه المتشدد من الإفراج عن عرب الداخل - 48- الذي طالما امتنع وما زال ممتنعاً إلى حد الآن، عن تلبية مثل هذا الطلب بسبب أنهم من مواطني الدولة.خانيونس/فلسطين31/12/2013
International
جوناثان بولارد، ورقة رابحة !
01 يناير 2014