رحل عنا نحن موظفي مركز الحورة الصحي من كان والداً وأخاً قبل أن يكون رئيساً وطبيباً .. ترك مرضاه الذين يقصدونه من جميع أرجاء مملكتنا الحبيبة.. ففقدنا برحيله أحد رموز مهنة الطب .. وأحد رموز العطاء .. وأحد رموز الإنسانية في البلاد.. فقدنا طبيباً لم يكن كسائر الأطباء .. كان يبدو مختلفاً بمبادئه الملائكية التي يصعب على الإنسان العادي أن يتمسك بها وشخصيته المتميزة النادرة التي قل للإنسان أن يصادف مثلها في مشوار عمره .. لقد كان الدكتور غازي الزيرة ـ رحمه الله ـ ذو شعبية كبيرة بين المرضى والعاملين في المركز .. ورغم علو رصيده العلمي والمهني، إلا أنه كان مثال الطبيب المتواضع الذي كان يخاطب كل إنسان بلغته، ويعطيه حقه من العلاج بل وأكثر.. كان مدرسة يستقي منها علم أخلاقيات مهنة الطب من غير قلم وكراس.. كان مدرسة بالفطرة دون تكلف أو استرشاد.. كان يقصد غرفته العلاجية أناس من جميع الأصناف والأجناس.. الصغار والكبار والمسنين .. كان يقصده الفقراء والأغنياء وذوي الجاه .. العربي والأجنبي .. و المواطن والمقيم.. كان يعامل الجميع معاملة إنسانية راقية يتعلم منها كل باحث عن مفهوم الأخلاق والإنسانية ..لم يكن يعالج المرضى بالأدوية التي يصفها لهم .. بل كان يعالجهم بإنسانيته التي تمسح العلل والآهات .. كان بلسماً يلطف جرح من يقصده ومتنفساً لكل من ضاقت به الحياة والأيام من الموظفين والمرضى .. فكم من الكلمات يجب أن تُكتب يا دكتور غازي لنفيكم حقكم .. وكم نعجز عن استيفاء خصالكم الكريمة التي تركت وقعاً في نفس كل من عرفكم ليدرك أنه قابل شخصاً استثنائياً لن يجد له نداً في هذه الأيام.. ويدرك ذلك جيداً من عاشركم أو تعامل معكم ليستشعر حظه العظيم معرفتكم .. والفائز من أخذ منكم وتعلم من طيبة أخلاقكم وتتلمذ في مدرستكم واقتبس بعضاً من أخلاقكم الحميدة .. فقد كنتم السند والمرجع لنا في كل الصعاب نستمد منكم القوة ونستشعر في كنفكم الأمان والاطمئنان.. فيا حسرة على من لم تمنن عليه الحياة بمعرفتكم ولقائكم.. فو الله أن الكلمات لن تقدر أن تجسد معدنكم ولن يعرف مقدار أصالتكم إلا من تعامل معكم. ليتكم تعلمون يا "طبيب الإنسانية” ما سببه فراقكم من ألم وحسرة لكل من تعامل معكم .. وليتكم تعلمون الفراغ الذي تركتموه خلفكم.. وليتكم تعلمون بأن صورتكم تترآى أمامنا حتى أصبحنا نراكم في كل أرجاء المركز .. فما أقوى البصمة التي تركتموها ويا عظم حظكم بهذه السيرة التي خلفتموها وراءكم فقد كنتم مدرسة في حياتكم ومدرسة بعد مماتكم .. فقد تعلمنا منكم بأن الثروة الحقيقية التي يتركها الإنسان بعده هي سيرته العطرة .. فهنيئاً لكم نفسكم المطمئنة التي نرجو أن تكون راضية مرضية في فسح الجنان بما حصدتموه في مسيرة حياتكم الحافلة بالبذل والعطاء والحب .. ولتعلم يا من كنت لنا الأخ والصديق والطبيب أنه برحيلك لم يتيتم أبناؤك فقط .. بل يتمتنا جميعاً.. فقد كنتم أباً حنوناً علينا .. وأن صح التعبير كنتم عمادة مركزنا الصغير بحجمه الكبير بحبكم وعطائكم .. فهنيئاً لكم كل هذا الحب.. لكم منا عهداً أن تظلوا في قلوبنا باقون ما بقي من العمر وأن نواصل على نهج مسيرتكم الخيرة نستقي من نصائحكم و مبادئكم .. وأن تكون أخلاقكم مدرسة نتعلم منها مدى الحياة .. ولا نملك إلا أن ندعو لكم بالرحمة وبدار خيراً من الدار التي فارقتموها.. فلا اعتراض على مشيئة الله جل وعلا .. نسأل الله أن يعيننا عن فراقك ويلهمنا ويلهم أهلك ومحبيك الصبر والسلوان.. و إنا لله وإنا إليه راجعون.. موظفو مركز الحورة الصحي