مؤسف أن يُمنح قاطع طريق تأشيرة عبور عالمية، لينفذ لبلداننا وعقولنا وممارساتنا، متمثلاً بسلوكيات منحرفة، أو مناسبات سيئة الصيت، أو خبرات لا تمت لقيم الإنسان بصلة. فهذه التي تسمى بكذبة أبريل مجرد عينة صغيرة -وربما محدودة- ترينا كيف تعولم الممارسات السيئة لتتجاوز حدود منشئها، لتنتشر في غرب الأرض وشرقها. عوضاً عن أن يتم عزلها وحصارها لتموت وتندثر في ذات المنطقة التي برزت فيها. في المقابل، كم لدى الشعوب الأخرى من عادات حسنة وممارسات جميلة وسلوكيات مثمرة ونافعة، لم تخرج من حدود دولها لتصبح عالمية وتنتشر في أماكن أخرى ومختلفة على الرغم من صلاحيتها لذلك، وحاجة شعوب أخرى إليها وافتقار بشر آخرين لجني ثمارها، ولَكَم ستشكل إضافة قيّمة وستعين لو طُبقت وفعّلت أو استنسخت منها أفكار ومشاريع تطور من إنساننا وترفع من بلداننا وأوطاننا. فنظرة عابرة تحصي بها عدد المناسبات النافعة والمفيدة في البلدان المختلفة وحجم الممارسات الحميدة والمثمرة فيها تجعلنا نصاب بالذهول، كيف لم تشتهر ويذاع صيتها وتعبر خارج حدودها لتلقي منافعها على جميع سكان الأرض؟!، على الرغم من أهميتها وفائدتها للجميع، فشهر أبريل على سبيل المثال والذي يشتهر لدى الكثيرين للأسف بممارسة سيئة وهي “كذبة أبريل”، هو لدى أقوام وشعوب أخرى مناسبة كذلك لممارسات مجتمعية نافعة، فهو يعتبر شهر تفعيل لحملات مناصرة لقضايا متعددة، فمثلاً وليس حصراً؛ هو شهر منع سوء الاستخدام للأطفال في بعض الدول، وشهر التحكم بمرض السرطان في دول أخرى، وكذلك يعتبر شهر التوعية بأخطار الكحوليات في مناطق متعددة، وأيضاً هو شهر الأطفال الصغار وشهر الأعمال الخشبية وشهر تعلم الرياضيات...إلخ. ولكن من المؤسف، أن كل تلك المناسبات الجميلة في أبريل لم تنتشر وتلاقي ذات الصيت الذي لاقته “كذبة أبريل”، على رغم القيمة العالية لتلك المناسبات، قبالة المستوى الهابط للكذب ودونية أي مناسبة تشرّع وتبيح استخدامه ولو على سبيل الضحك والمزاح. إنه التزام ومسؤولية تتقاسمها أطراف متعددة في مجتمعاتنا وبلداننا. فإضافةً إلى نبذ وإقصاء أي سلوك سلبي أو ممارسة سيئة دخيلة أو خلق دوني -وكذبة أبريل مجرد مثال صغير عليها-، علينا بالمضي قدماً في عملية عولمة القيم الفاضلة والسلوكيات الإنسانية النافعة والنقية، وإخراج أجمل الممارسات وأروع السلوكيات في الشعوب المختلفة من إطارها المحلي والداخلي والقومي، لتصبح عالمية وتلقي ثمارها وجواهرها على جميع سكان المعمورة، لتغدو سمة وسلوكاً عالميين وليس ممارسة منفردة أو سلوكاً خاصاً لشعب دون آخر. حتماً، إن هذا التوجه وهذه المهمة ليست بالأمر السهل والهيّن، وهي تتطلب قدراً عالياً من الوعي والدراية، وحساً من الأخلاق واسعاً وكبيراً، وكذلك شعوراً بالمسؤولية تجاه مجتمعاتنا وشعوبنا وحتى تجاه قضايانا وتحدياتنا. وهي بطبيعة الحال تستلزم تضافر شتى الجهود من مختلف الأطراف، فالجهات الإعلامية والتربوية والتعليمية لها الدور الأكبر في هذا السعي، وكذلك جهود الأكاديميين والمثقفين والنخب أساسية وضرورية، وذلك في اتجاه عولمة هذه القيم الفاضلة والممارسات النقية والنافعة، سواء تلك التي نملكها نحن -وهي كثيرة وثرية- أو التي تملكها الشعوب والحضارات الأخرى. نتمنى أن نرى اليوم الذي تعولم فيه كل قيمة إنسانية نقية وكل ممارسة إيجابية بين بني البشر، بغض النظر عن أين ولدت تلك الجوهرة ومن تلقّفها، لتغدو قيمتها وفائدتها ونفعها لإنساننا هي تأشيرة العبور العالمية لها وليس لشيءٍ آخر.