^   استجابة للمقترح الذي تقدمت به هيئة الصحة في دبي، دعا ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، القطاعين العام والخاص في إمارة دبي إلى “ضرورة تصعيد آفاق العمل المشترك نحو الإسراع بتطبيق مبادرة السياحة العلاجية في دبي”. لم تأت المبادرة ومن بعدها الدعوة عشوائياً، فهي تستند إلى أرقام متنامية حقيقية تكشفها المدير التنفيذي لقطاع السياسات والاستراتيجيات الصحي في هيئة الصحة بدبي ليلى الجسمي في تصريح خصت به صحيفة “الخليج” الإماراتية، أكدت فيه أن “أسواق دول الخليج القريبة كفيل بتحقيقها لإيرادات عالية من المتوقع أن ترتفع بما لا يقل عن عشرة مليارات سنوياً، بعد أن ارتفعت بمقدار ستة مليارات عام 2011”. وعلى نحو مواز تقول البيانات الصادرة عن “بيزنس مونيتور إنترناشيونال” بأنه “من المتوقع أن يصل حجم الإنفاق على القطاع الصحي في الإمارات إلى 11 مليار دولار بحلول العام 2015”. وتكشف مصادر مسؤولة عن وجود -في مدينة دبي التي ستستقبل في أكتوبر 2012 المؤتمر الدولي للسياحة العلاجية- “90 عيادة ومركزاً طبياً ونحو 1700 من كبار الأطباء ومحترفي الرعاية الطبية”. وتدرك الإمارات ضخامة حجم الموازنات الخليجية المرصودة لهذا النوع من السياحة، حيث قدرت مصادر رسمية “أن إنفاق دول الخليج على السياحة العلاجية سنوياً يتزايد بشكل مستمر حتى وصلت تقديراته إلى ما يزيد على الـ10 مليارات دولار سنوياً بالنظر إلى التكاليف المرتفعة لهذا النوع من السياحة في الدول التي يتوجه إليها السائح الخليجي”. ما تنبغي الإشارة له هنا، أن الإمارات ليست هي الدولة الآسيوية الوحيدة التي بدأت تولي السياحة العلاجية اليوم المزيد من الاهتمام، وترى فيها مصدراً من مصادر الدخل القومي الرئيسة، فهناك دول آسيوية أخرى، وعلى وجه الهند وتايلند وسنغافورة وماليزيا والفلبين، تنحو المنحى ذاته، وفي العام 2007، حققت هذه الدول، وفقاً لمصادر رسمية “عائدات تقّدر 3.4 مليار دولار أمريكي، أي ما يقارب 12.7% من السوق العالمي”. أما في كوريا الجنوبية، فقد كشف البنك المركزي الكوري عن “أن السائحين الأجانب الذين جاؤوا إلى كوريا من أجل الحصول على العلاج الطبي قد أنفقوا 116 مليون دولار خلال العام 2011، وفي المقابل، بلغت نفقات الكوريين الجنوبيين العام نفسه في السياحة المرتبطة بالعلاج في الخارج حوالي 106 ملايين دولار للمرة الأولى أيضاً”. ويقدر الباحث في الشؤون الآسيوية عبدالله المدني ما سوف تنفقه الحكومة التايلندية على تطوير السياحة العلاجية خلال السنوات العشر القادمة بما بين 21 – 25 بليوناً ستخصص من أجل “الحرص الشديد على النظافة، وتحديث الأجهزة المستعملة بصفة دورية، وإخضاع العاملين في القطاع لدورات تدريبية مكثفة في حسن التعامل مع المرضى، واختيار مواصفات هندسية وبيئية مرهفة عند تصميم مباني الاستشفاء والعلاج الجديدة”. ويشكل العرب نسبة عالية، تقدر، من بين جميع المرضى الأجانب في أحد المستشفيات بأكثر من 30 في المائة. ويرجع البعض، من أمثال مؤسس مستشفى في بانكوك برا سيرت، هذا التحول نحو الشرق الأقصى كنتيجة للتغير السلبي “الذي بات يسيطر على المؤسسات الغربية التي توفر مثل هذه الخدمات السياحية بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر”. وعلى المستوى العربي، هناك الأردن، التي صنفت، حسب التقرير الصادر عن البنك الدولي، في العام 2011، على أنها من بين “أفضل خمس دول في إطار أفضل الدول في مجال السياحة العلاجية وفقاً لمعايير محددة منها الأمن والاستقرار، نظافة البلد، مستوى شهادات الأطباء وغيرها من المعايير”. وجنت أرباحاً فاقت المليار دولار. وقد خطت الأردن خطوات ملموسة على طريق تطوير هذا القطاع، فبادرت إلى إصدار دليل خاص حول السياحة العلاجية في الأردن، تم إعداده، كما قال المدير التنفيذي لجمعية المستشفيات الخاصة عبدالله الهنداوي “من قبل الجمعية بالتعاون مع منظمة السياحة العلاجية في الولايات المتحدة الأمريكية”. وفي الاتجاه ذاته تولي دول أوروبية متقدمة اقتصادياً مثل سويسرا أهمية متزايدة للسياحة العلاجية التي باتت تشكل، كما تقول مصادر رسمية هناك “أحد أبرز موارد الدخل لهذا القطاع الذي يشكل 10% من الناتج القومي لسويسرا والبالغ نحو 800 مليار فرنك سنوياً، حيث يقدر إنفاق السياح الخليجيين والأجانب، أكثر من عشرة مليارات فرنك سويسري سنوياً على السياحة العلاجية في سويسرا”. ويؤكد مدير عام شركة “شركات نيرفانا للسفريات” علاء العلي أن “حجم السياحة العلاجية في العالم يشهد نمواً متسارعاً يتجاوز 15% سنوياً”. وعلى المستوى الدولي العام، يجمع العديد من المصادر على أن “حجم السياحة العلاجية في العالم يبلغ 100 مليار دولار سنوياً وأن هذا الرقم مرشح للزيادة خلال السنوات المقبلة”. المهم من كل ذلك، ومن المنظور الاقتصادي المحض، أن السياحة العلاجية، كما يؤكد، مستشار السياحة العلاجية والرئيس التنفيذي لشركة إكس هيلث في مدينة دبي الطبية بريم جاغياسي، “خلافاً لقطاعات السياحة الأخرى، فإن السياحة العلاجية قد شهدت نمواً خلال فترة الانكماش الاقتصادي في مختلف بلدان العالم”. ربما آن الأوان أن تزيل الدول العربية، وعلى وجه الخصوص الخليجية منها هذا القطاع السياحي، كي تحوله من عامل نزيف مالي مستمر، يمتص نسبة لا بأس من دخولها الوطنية، إلى مصدر دخل متنام يعزز من رسوخ خططها التنموية الآنية والمستقبلية.