أطفال سوريون صغار في بلدة عقرب بريف حماة لم يبلغوا الحلم, قسموا أنفسهم لفريقين: "الجيش الحر" يدافع عن بيت خشبي ضد "قوات النظام"، معارك وهمية واشتباكات بأسلحة غير حقيقة، يسقط فيها قتيل من الجيش الحر، يحمله رفاقه الصغار ويشيعونه ويرددون هتافات لإسقاط النظام.محاكاة بريئة، لكنها معبرة عن حال أطفال حرموا من مدارسهم وألعابهم، فنقلوا يومياتهم بكل مشاهد الدماء والقصف والدمار والاشتباكات التي تحتوي عليها إلى ساحات لعبهم التي غابت عنها الورقة والقلم والكتاب، وحلت مكانها "البندقية والدوشكا وقذائف الهاون".الناشط الإعلامي بريف حماة مهند يقول إن الأطفال في المنطقة تأثروا كثيرا بما تشهده البلاد، فنتيجة معاصرتهم المشاهد اليومية التي تحدث أمامهم من مواجهات بين الجيشين النظامي والحر، إضافة إلى القصف وما يخلفه من قتلى وجرحى فإن ألعابهم اليومية تأثرت بشكل كبير حتى غدت تمثل الثورة السورية بكافة تفاصيلها.وحمّل مهند مسؤولية هذا الأمر إلى النظام، لأن الأخير لم يفرق بين الأطفال والكبار في قصفه بالطائرات والدبابات على القرى والمدن السورية، وزج بأطفال سوريا في مشاهد حربه مع الثوار وحاسبهم على الخروج ضده، خصوصا في بعض القرى التي تعرض أطفالها للاعتداءات والذبح بالسكاكين، حسب قوله.نضوج سياسيويبدو أن الثورة السورية أنضجت أطفال البلاد سياسيا وفكريا، ويقول رب عائلة بريف حماة -يدعى أبو هاني- إن أطفاله الثلاثة لم يتجاوزوا الـ12 عاما، ومع ذلك يقومون بشكل يومي بالاستفسار عن الأوضاع في البلاد من الناحيتين السياسية والميدانية، ويتابع أنهم أصبحوا متابعين شغوفين لنشرات الأخبار.ويرى "أبو هاني" أن حرمان الأطفال من المدارس بعدما قصفتها قوات النظام جعل وقت الفراغ عند الأطفال طويلا، ويقوم أغلبهم بملئه في العمل مع الآباء أو في محلات أخرى ليتعلموا مهنة قد تنفعهم في مستقبلهم الغامض, فهاني (12 عاما) يعمل مع أبيه في تقطيع الحطب وبيعه للأهالي لمساعدته على نفقات المنزل بدلا من جلوسه في المنزل.أحد الأطباء النفسيين في حماة -الذي رفض ذكر اسمه- يرى أن الأطفال -الذين عاصروا هذه الأحداث في سوريا خصوصا ممن هم فوق سن الثامنة وتحت 15- قد يحمل مستقبلهم شيئا من العنف، نتيجة لما عاصروه والذي قد يلعب دورا أساسيا في تشكيلهم عصابات سرقة وقتل، ويصبحون خارجين على القانون في المستقبل، خصوصا في ظل العدد الكبير من المشردين ممن فقدوا ذويهم ضمن "الحرب" الدائرة في سوريا.وتابع أن هؤلاء المشردين يجب أن توفر لهم مدارس وجمعيات تأهيلية وتربوية لعلاجهم من الآثار النفسية وتقويم نظرتهم للحياة، كما يجب أن يعاد التأهيل النفسي لجميع الأطفال في المدارس عقب انتهاء النزاع في سوريا.وأضاف الطبيب أن السنوات القادمة تحمل أجيالا غير متعلمة، بسبب تشرد الكثير من الأطفال وحرمانهم من التعليم وعمل البعض الآخر لتأمين نفقات عائلاتهم، وهذا يجب أيضا أن يكون ضمن خطط تأهيل الأطفال من قبل الهيئات والمنظمات الإنسانية الدولية.