^ لوهلة شعرت مع حادث مجلس النواب أمس أن المسألة تحتاج إلى مساحة تفكير أكبر من الحدث ذاته. مرت بخاطري عدة أمور، هل الحادث عابر؟ هل هو من أجل إلهاء الساحة بحدث يشغل الناس ويزداد حوله اللغط إلى أن يخبو بفعل الزمن ومن ثم ينشغل الناس بقضايا جانبية؟ لا أعرف لكني وجدت أن المسألة اليوم هي أكبر من خطأ الوزيرة تجاه النواب وتجاه أهل المحرق، لا يمكن تجميل ما قالته الوزيرة، كان الخطأ من أي جهة لا نقبله، وأنا أزعجني الحديث عن أهل المحرق أكثر مما قيل بحق النواب، ذلك أن المجلس برئاسته وأعضاء السلطة التشريعية يملكون الرد المناسب ولا يحتاجون لمن يتحدث عنهم ويملكون أدوات دستورية للمحاسبة، وهذا حقهم. غير أن أهل المحرق لا يملكون ما يملكه النواب من أسباب الدفاع عن أنفسهم ورد الإساءة، لذلك شعرت أن الكلمة تجاه أطفال المحرق مؤلمة جداً، ولا ينبغي الإساءة إلى أهل المحرق بهذه المقولة، فمشاريع الثقافة جلها في المحرق (لا لشيء إلا لأن المدينة مدينة شعب وتاريخ وأصالة)، وبعضها في مناطق أخرى خارج المحرق لكن الوزيرة لا تستطيع الوصول إليها اليوم، ولا تستطيع أن تقيم فيها حفلاً في الهواء الطلق كما المحرق، ولم تقل عمن يمنعها عن إقامة فعاليات هناك أنهم مرتزقة..! بقدر رفضي للإساءة إلى النواب والمجلس ووزير المجلسين وأهل المحرق، بقدر رفضي للإساءة باللفظ أو الفعل فالخطأ لا يجمل من أي اتجاه كان، لكن السادة النواب شعروا أن خطأ الكلمة كبير جداً ولا يغتفر حتى باعتذار، لأن الكلمة شملت المجلس والرئاسة ووزير المجلسين، ولم تقال إلى نائب بذاته أنه ليس رجلاً. الاعتذار من شيم الكبار، وأهل المحرق تحديداً يستحقون اعتذاراً علنياً بقدر الإساءة العلنية، ولا أدري هل يطيب خاطرهم أم لا. أشعر أن البحرين في هذا التوقيت تحديداً تحتاج إلى موقف وطني صلب تجاه القضايا الوطنية، قضايا الفساد، قضايا وتشريعات تدعم أمن البحرين الداخلي، قضايا محاسبة المال العام، قضايا الإسكان، قضايا فساد الشركات الوطنية الكبيرة، ملفات كثيرة معطلة، فلا يجب أن تترك لحادث، صحيح أنه مؤسف لكنه ليس قضية أمة، قضيتنا الأولى هي محاربة الفساد من داخل المجلس وألا نترك فرصة لم يريد أن يرتدي قميص المعارضة الوطنية ويتبنى قضايا من أجل نوازع إما طائفية أو فئوية أو لأغراض أخرى. نريد من المجلس أن يكون قوياً في هذا الاتجاه فترك ساحة المحاسبة والرقابة والتشريع لقضايا هامشية لا يخدم الظرف الآني للبحرين. لا أعرف أين ذهب تقرير ديوان الرقابة المالية للعام 2011، يبدو أنه لبس (طاقية الإخفاء) ولا أريد من النواب تجاهل التقرير هذه المرة كما يحدث في كل مرة، على الأقل خصصوا جلسة إضافية في الأسبوع لمناقشة الرقابة المالية، فالناس تقول لنا دائماً إن المجلس عاجز تماماً عن تبني تقرير جاهز، فكيف تريدهم أن يبحثوا بأنفسهم عن ملفات فساد، بينما الجاهز لا يستطيعون تفعيله. قبل يومين حدثني مسؤول من شركة طيران الخليج يعاتبني على مقال راتب السكرتيرة، وقال: “إن هذا الكلام غير صحيح، ولا توجد لدينا سكرتيرة تتقاضى هذا المبلغ، وإن ما يطرحه النواب جله غير صحيح”. وقال بالحرف الواحد “لا يوجد فساد في طيران الخليج” هكذا قال وأنا أنقل ما قاله حرفياً، رغم أنه لم يطلب مني أن أنشر، لكني أكتب ذلك من واقع مهني يوضح وجهة نظر الطرفين والقارئ يحكم. لكني قلت للمسؤول في طيران الخليج إن مقال السكرتيرة كان مقالاً بسيطاً وساخراً ليس إلا.. لكنه عاد وقال (أي بسيط إلا مطرقة على الراس)..! في جزئية السكرتيرة قلت له إن الكلام لنائب في السلطة التشريعية ولا يعقل أن يتحدث نائب من دون إثبات أو دليل، كما إن الشركة لم ترد على النائب، قال لي المسؤول لا توجد سكرتيرة تتقاضى 7000 دينار، فقلت له (يمكن 6000 دينار) ضحك.. وقال لا يوجد، هكذا قال..! انتهى حديثي معه، وأنا أقول (صحيح هذي أرزاق)..!! تعريجي على موضوع طيران الخليج هو من ضمن ما يطالب به أهل البحرين من حقيقة، هل طيران الخليج فعلا ستجر علينا تبعات الدين العام، وهل مشهد اليونان يظهر لنا في مشهد طيران الخليج، لا أعلم النواب لديهم الكلمة والجواب كسلطة رقابية تشريعية. أتمنى ألا يلهينا حادث الأمس في المجلس عن قضايانا الأكبر، المعارضة الوطنية نراها في مجموعة من أعضاء المجلس النيابي، نريد معارضة وطنية شريفة، وهي التي تقف مع سيادة الدولة وشرعية الحكم، ومع المحاسبة وضد الفساد. هذه هي المعارضة الوطنية، الانقلابيون ليسوا معارضة لا تقعوا في أخطاء المسميات، هؤلاء انقلابيون. لذلك ينبغي على مجلس النواب أن يطلع بدوره الرقابي والتشريعي، حتى لا تتركوا مجالاً لسراق القضايا الوطنية. أجد أن الاعتذار لأهل المحرق واجب، أما السادة النواب فهم يعرفون ماذا يريدون، ولديهم منابرهم، ولديهم أدواتهم الدستورية، لكن أهل المحرق لا نقبل التلفظ عليهم بألفاظ غير سوية لا تليق بأبناء المدينة الشماء ذات التاريخ الوطني العريق، ومهد التعليم والثورات الوطنية الشريفة.
الاعتذار واجب.. لكن قضايانا أكبر من الحادث!
15 أبريل 2012