^ إذا كانت الفوضى الخلاقة التي أطلقها المحافظون الجدد منذ سنوات من الولايات المتحدة الأمريكية إلى مختلف أنحاء العالم قد ساهمت في إحداث التغيير في أرجاء المعمورة، فهل الخليج العربي بحاجة الآن إلى مزيد من الفوضى؟ الفوضى في الخليج العربي بدأت بشكل تدريجي وناعم عندما غزا العراق الكويت في أغسطس من العام 1990، واستمرت طوال حكم الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون خلال تسعينات القرن العشرين عندما فرضت عقوبات دولية على بغداد، وانتهت هذه العقوبات بغزو الأراضي العراقية إثر أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001. بالمقابل كانت هناك تصعيدات مستمرة حتى الآن بشأن الملف النووي الإيراني لدرجة أن المتابع لهذه القضية الدولية يعتقد في أحايين كثيرة أن واشنطن والغرب وكذلك إسرائيل على شفا حرب إقليمية ضد طهران بسبب طموحاتها النووية، ولكن هذا الاعتقاد سرعان ما يتبخر لأسباب معروفة وأخرى غير معروفة. هذا هو المشهد الإقليمي عندما نتحدث عن الفوضى، ولكن هناك مشهد آخر يتعلق بالفوضى التي اندلعت في دول الخليج العربي، وهي فوضى داخلية بعكس المشهد الأول الذي كانت فيه الفوضى خارجية. الفوضى الداخلية بدأت بظهور الجماعات الدينية المتطرفة مطلع التسعينات بعد انتهاء الغزو السوفييتي لأفغانستان ووصول القوات العسكرية الأجنبية إلى شبه الجزيرة العربية، وسرعان ما تطورت لتكون جماعات إرهابية تستهدف المصالح الغربية في بلدان مجلس التعاون وصارت بعدها تنظيماً إرهابياً دولياً ممثلاً في تنظيم القاعدة. تزامن مع ذلك ظهور حركات احتجاج سياسي في بلدان مجلس التعاون الخليجي بعد تحرير الكويت في فبراير 1991 تطالب بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية شاملة بعد أن سادت قناعة بأن الشرعية التي كانت تتمتع بها النخب الخليجية الحاكمة انتهت بعد بيان عجزها في الدفاع عن أراضيها واستعانتها بالغرب. في مطلع الألفية الجديدة كان هناك حماس كبير لدى حكومات دول الخليج العربي بالتحول الديمقراطي بطرق مختلفة، ولكن هذا الحماس لم يؤدِ إلى مزيد من الاستقرار السياسي والأمني. فما هي المشكلة هنا بعد هذا المشوار الطويل من الفوضى الداخلية والخارجية؟ الفوضى في الخليج العربي لها أبعاد ثانية، لأنها صارت من الثوابت التي تحكم السياسة الخليجية فمنذ استقلال بلدان مجلس التعاون الخليجي في ستينات وسبعينات القرن العشرين لم تشهد المنطقة مرحلة من الاستقرار السياسي والأمني، بل كانت تعيش في فوضى كبيرة قد تكون هادئة أحياناً ومزعجة في أحايين أخرى. ولكن الأهم في هذا السياق أن بلدان المجلس رغم خبراتها المحدودة وأهميتها الاستراتيجية أثبتت قدرتها الهائلة على التكيّف مع معطيات الفوضى في المنطقة، وهي حقيقة ينبغي عدم تجاهلها في سياق تحليل السياسة الخليجية للبحرين أو لبلدان المجلس الأخرى.
حاجة الخليج للفوضى
١٥ أبريل ٢٠١٢