قررت السلطات المصرية اليوم الثلاثاء توحيد موضوع خطبة الجمعة في كافة مساجد البلاد، في اجراء يعد الاخير في سلسلة قرارات تهدف الى محاولة السيطرة على الخطاب الديني في المساجد التي تشكل ساحة صراع جديدة مع مؤيدي جماعة الاخوان المسلمين. ويستخدم مؤيدو الرئيس الاسلامي المعزول محمد مرسي المنتمي للاخوان المسلمين المساجد للتنديد بقمع الدولة لهم وايصال صوتهم للناس خاصة من خلال خطبة الجمعة، كما تعد مركزا رئيسيا لانطلاق عدد كبير من تظاهراتهم.واستخدم الاسلاميون المساجد بكثافة للترويج لمرشحيهم ومواقفهم السياسية خلال مختلف الاستحقاقات الانتخابية التي تلت ثورة يناير 2011. ويقول معارضو الاخوان انهم نشروا خطابا تحريضيا من خلال المساجد.وقررت وزارة الاوقاف، المسؤولة عن ادارة المساجد في مصر، نهاية يناير توحيد خطبة الجمعة على كافة مساجد البلاد، وذلك لخلق خطاب ديني "يخدم قضايا المجتمع وينبذ العنف".ولا تعطي وزارة الاوقاف نصا موحدا للخطبة لكنها تحدد موضوعا عاما وعناصر محددة لها ويجرى ابلاغ الائمة بها عن طريق ادارات الاوقاف التي يتبعوها.ويوجد في مصر قرابة 130 الف مسجد، بحسب ما قال وكيل وزارة الاوقاف صبري عبادة لوكالة فرانس برس مؤكدا ان نحو 120 منها خاضعة لوزارة الاوقاف بينما يظل 10 الاف مسجد خارج سيطرة الوزارة تماما.وبينما يقول عبادة ان قرارات الوزارة تهدف الى "تجنيب المساجد الصراعات السياسية والحزبية"، يعتقد محللون ان الصراع بين السلطة والاسلاميين على المساجد يرجع الى محاولة كل منهما السيطرة على الخطاب الديني في البلاد.ويعتقد جورج فهمي، الباحث المتخصص في شؤون المؤسسات الدينية في منتدى البدائل العربي بالقاهرة ان هناك منافسة على التحدث باسم الاسلام "بين الاخوان المسلمين والمؤسسات الدينية التابعة للدولة وهي الازهر والاوقاف".ويقول الباحث عمرو عزت مسؤول ملف الحريات الدينية في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية "ستظل المساجد ساحة معركة مستعرة بين السلطة التي تحاول تأكيد تماشي سياساتها مع الاسلام وتيار الاسلام السياسي الذي يحاول نزع المشروعية الدينية عن تلك السلطة".ويوضح فهمي اسباب هذا الصراع مشيرا الى ان "المساجد في مصر من الساحات التى يمكن من خلالها ممارسة تأثير على افكار المصريين وارائهم، هي احدى ادوات تشكيل الرأي العام خصوصا خارج القاهرة في محافظات الصعيد والدلتا"، حيث يزيد ارتباط السكان واكثرهم من الاقل تعليما بالمساجد.ويعتقد عزت ان قرارات وزارة الاوقاف "تهدف للسيطرة على التيار الاسلامي المؤيد للاخوان والمعارض للسلطة الحالية"، ويؤكد ان "هناك تعاطفا كبيرا لدى كثير من ائمة المساجد مع الاخوان ومرسي. وهو ما تحاول السلطة السيطرة عليه".وتكتسب المساجد اهمية كبيرة الان بالنسبة للاسلاميين المعارضين للسلطة للتواصل مع الناس خاصة مع اغلاق الحكومة نحو اربع قنوات تابعة لهم بعد ساعات من الاطاحة بمرسي الذي اطاح به الجيش مطلع يوليو الفائت.وتشن السلطات المصرية حملة واسعة على انصار مرسي خلفت نحو 1400 قتيل معظمهم من الاسلاميين، بحسب منظمة العفو الدولية.ويعتقد جورج فهمي ان "اهمية المساجد تضاعفت بالنسبة للاسلاميين مع ضعفهم الراهن في مجال الاعلام". وشهدت المساجد صدامات مرارا بين مؤيدي مرسي ومعارضيه خاصة اثناء حكم مرسي الذي استمر لعام واحد.والجمعة، كانت الخطبة الموحدة حول الحفاظ على البيئة، فيما انصبت بعض مواضيع الخطب السابقة على تطوير الاحياء الفقيرة ودور الشباب، وهي موضوعات ابعد ما تكون عن الصراع السياسي وحالة الاستقطاب السياسي في البلاد بين مؤيدي ومعارضي الجيش. وفيما التزم عدد من ائمة المساجد في ضاحية الدقي (غرب القاهرة) بالخطوط العامة للخطبة الموحدة، تجاهل اخرون القرار.ولم يلتزم الامام خلف مسعود في مسجد المنتزة في حي امبابة بغرب القاهرة بالخطبة الموحدة، وخطب عن الصراع بين "الحق والباطل" في القران الكريم مسقطا الامر على الوضع السياسي الراهن في مصر.وقال مسعود لوكالة فرانس برس "انا امام اتبع الدين ولست اماما اتبع السلطة"، واضاف "الدولة تتخذ اجراءات ليكون الخطاب الديني تابعا لها. هذا امر مرفوض".وبعد خطبة الجمعة الاخيرة، احيل اربعة ائمة للتحقيق في الوزارة بتهم "التحريض على العنف والدعوة لتظاهرات ضد الحكومة والاساءة للجيش والشرطة"، بحسب عبادة.ويعتقد عزت ان وزارة الاوقاف "ليس لديها اي اداة تمكنها من بسط سيطرتها على كافة المساجد"، وبعد قرابة شهر من قرار توحيد الخطبة لا يمكن التاكد اذا ما كان القرار يطبق بشكل واسع عبر البلاد.وقبل ثلاثة اشهر، قررت الاوقاف إنهاء التعاقد مع 55 ألف إمام في الوزارة من غير الأزهريين، كما قررت منع إقامة صلاة الجمعة في الزوايا التي تقل مساحتها عن 80 مترا، وهو القرار الذي بدا بعيدا عن التطبيق حتى الان.واتهمت السلطات المصرية الأئمة الذين تم الاستغناء عن خدماتهم بانهم "يدعون للعنف ويستخدمون المساجد لبث التشدد الديني والترويج لجماعات الإسلام السياسي".واكد وكيل وزارة الاوقاف ان "الاجراءات الاخيرة تهدف لمنع التحريض على العنف ونشر الاكاذيب في المساجد التي كانت المكان الانسب للاخوان لنشر فكرهم وتضليل الناس".واضاف "كان هناك فوضى مدمرة في المساجد".وتتبع كثير من المساجد في مصر جمعيات اهلية وتقدم خدمات مجتمعية كما تستضيف انشطة دينية مثل حلقات تحفيظ القران.ويرى محللون ان الحكومة تهدف كذلك من خلال فرض سيطرتها على المساجد تجريد مؤيدي مرسي من احد مصادر قوتهم. ويقول عمرو عزت "الحكومة تحاول تقليل النشاط الديني في المساجد بقدر الامكان عبر تكريس سيطرة الدولة عليها".واثارت القرارات الاخيرة جدلا بين المصلين انفسهم خاصة في ظل احتدام حالة الاستقطاب السياسي بين مؤيدي الجيش ومعارضيه من انصار مرسي ونشطاء سياسيين. وفي مسجد اسد بن الفرات غرب القاهرة الذي كان مركزا لانصار الشيخ حازم ابو اسماعيل القيادي السلفي المؤيد للاخوان، التزم خطيب المسجد بالخطبة المحددة وابتعد تماما عن اي حديث حول الوضع السياسي.وبعد الخطبة، قال المهندس بهاء مروان 23 عاما "انا ضد توحيد الخطبة. الغرض سياسي ويهدف لاسكات معارضي الحكومة"، فيما قال اخر يدعى احمد "القرار هدفه ان يسمع الناس ما تريد الحكومة ان تقوله فقط".لكن الكهربائي محمود حسين (53 عاما) اعتبر ان "القرار صائب" وان "الحكومة تحاول تهدئة الاجواء عبر اسكات المحرضين على العنف".
International
الحكومة المصرية تحاول السيطرة على الخطاب الديني في المساجد
04 مارس 2014