كتب ـ حذيفة إبراهيم:فيما التزم خطباء بدعوات وزارة العدل لتحريم سفك الدماء، والإدانة الصريحة لأعمال العنف والإرهاب، تنكر آخرون اعتلوا منبر الجمعة أمس ـ بينهم عيسى قاسم ـ هذه الدعوة، وآثروا خطاباً مغايراً يوفر غطاء دينياً لأفعال إرهابية محرمة شرعاً وقانوناً.وبينما حرّم عدد من الخطباء حسب ما رصدت «الوطن»، التعامل مع الجماعات الإرهابية أو دعمها أو تحريضها، أمثال الشيخ جاسم السعيدي، وفريد مفتاح، اكتفى الشيخ عبدالله الغريفي بإدانة تفجير الديه وتحريم سفك الدم من مختلف الأطراف، بينما ذهب قاسم أبعد من ذلك، ونحا باتجاه تبرير أعمال الإجرام، وإلقاء اللوم على السلطة باعتبارها المتسسب فيها.وتفاوتت نسب الاستجابة لدعوات وزارة العدل في تأكيد حرمة سفك الدماء، والتحريم المباشر والصريح لأعمال الجماعات الإرهابية، وحرمة توفير بيئة حاضنة أو غطاء سياسي أو ديني لها ولكل من يتعامل أو يتكامل معها، إلى جانب احترام سيادة القانون، وخصوصاً من قبل جماعات إرهابية محظورة، سمتها بالاسم «ائتلاف 14 فبراير وسرايا الأشتر وسرايا المقاومة»، وأي جماعات أخرى ترتبط بها أو تتحالف أو تتكامل معها.وجاء طلب «العدل» واضحاً إلى الوقفين السني والجعفري، بأنه أي تحريم أو إدانة لا توصف وتحدد الأفعال «لا تحوز صفة الإدانة المسؤولة والحقيقية».قاسم على جري العادةوخالف عيسى قاسم طلب وزارة العدل بتحريم أعمال الجماعات الإرهابية، وتحريم التعامل مع الجماعات بالاسم كما ورد في التعميم للوقفين السني والجعفري.ورغم أن سقف الخطاب لدى قاسم كان أقل من المعتاد في التحريض، إلا أنه راح يبرر هذه المرة وكعادته الأفعال الإجرامية وحادث الديه الذي راح ضحيته 3 من رجال الشرطة، ملقياً باللائمة على السلطة.وبرر قاسم ما أسماه بـ»تدهور الأوضاع جميعها»، بأنه ناجم عن «غياب الإصلاح» وأن «ما يحصل من مستجدات مؤلمة كتفجيرٍ أو غيره لا يعالجه شيء كالإصلاح وجديته وكفايته والتسريع به وصدقه وتطبيقه.وفي منافاة للواقع وأصول التحقيقات الجنائية، قال قاسم إن «الجانب الرسمي وحالما يحدث تفجير أو ما يشبهه لا يتوجه بنظره واتهامه وقبل مضي وقت على الحادث وقبل أي تحقيق، إلا إلى جهة أو أخرى من جهات المعارضة والمطالبين بالإصلاح»، ويأتي كلامه رغم تبني ما يسمى بـ»سرايا الأشتر» التفجير، وهي ليست الجريمة الأولى التي تتبناها تلك المجموعة الإرهابية، فيما وصف المتهمين بأنهم «مطالبين بالإصلاح»، ما يعني تشجيعاً لهم بصورة أو أخرى.وبدلاً من إدانة التفجير ومرتكبيه، والتبرؤ منهم، اتهم قاسم بشكل مبطن السلطة بأنها هي من تحرض من خلال «الإعلام الرسمي المرئي والمسموع والمقروء، على طائفة بأكملها».ووصف قاسم التوجيهات الأخيرة للقيادة بالقبض على الجناة وتقديمهم للعدالة، وفرض القانون وحفظ الأمن بأنها «تهديدات علنية تهدد مؤسسات أهلية بعينها وشخوص معينين ممن يدعون للإصلاح».وفي عودة إلى التحريض الذي أدى سابقاً إلى مقتل رجال الأمن، من خلال اتهامهم كذباً بتعذيب المعتقلين، رغم الحقائق المفندة لهذه الادعاءات، عاد قاسم ليقول «عند كل حادث سيء يتصاعد أعداد الموقوفين والمطلوبين للأمن بلا انتظار، وما يترتب على ذلك من وجبات تحقيقٍ وتعذيبٍ وتثبيت الاتهام، ومحاكماتٍ معروفة وارتفاعٍ في أعداد السجناء واكتظاظ السجون».ورغم أن إرهاب الجماعات التي عمل على تحريضها لا يقف عند حدود استهداف رجال الأمن والمواطنين، وازداد ليصل إلى استهداف أبناء القرية أنفسهم، وصف قاسم الإجراءات الأمنية لإعادة الاستقرار إلى المناطق الساخنة بأنها «مزيد من القمع والممارسات القاسية»، وهو الذي أثبت سابقاً بأنه من أشد أنواع التحريض، حيث يتم فيه غسل أدمغة المتلقين، وتحريضهم على السلطة ورجال الأمن واستهدافهم بشكل مباشر، ما يعني بشكل أو آخر تفعيل ما يسمى بـ»الدفاع المقدس».وشكك قاسم مجدداً في أن سرايا الأشتر هي من نفذت العملية، رغم اعترافها المباشر وثبوت الأدلة السباقة على المنفذين، حيث قال «ما يقضي به الحق أن لا يصب النظر دائماً على طرف، ويهمل طرفٌ آخر لا تقلّ قرائن احتماله عن قرائن احتمال الطرف الآخر على الأقل خاصة مع هذا الارتباط المتكرر من أي دعوة للحوار، وما يسببه أي حادثٍ مؤلم من قلب الصفحة وإثارة موجة عالية من التوتر والرعب، تحمل الكثير من الآلام والخسائر للمطالبين بالاصلاح، ما يغري الطرف المعادي للإصلاح لأن يستمر في تفجير الأوضاع كلما أطلت بادرة حوارٍ برأسها على الساحة - هذا يستفيد، هذا يستغل، هذا يتعملق، هذا يتسلق من وراء أي حادث تفجيري أو ما ماثله، وهذا يتوقع عقوبة عنيفة جداً للمطالبين بالإصلاح، فلمَ لا يغريه كل ذلك لأن يكرر حادثٍ تفجيري وعمل تخريبي آخر».وعاد قاسم للتشكيك بأسباب موت جعفر الدرازي، الذي شهدت «كسر فاتحة» وفاته تفجير الديه، وكان سببها إصابته بنوبة حادة من السكلر، ووفاته في المستشفى بعد أسبوع من بقائه هناك، ما يعني أن الجهات الرسمية أدت كل واجباتها تجاه المحكومين أو المتهمين والمدانين، وأضاف قاسم «يجب ألا يقل شأن القتيل من أبناء الشعب فيضيع دمه ويختفي ذكره، ولا يستحق أمره تحقيقاً صادقاً عن شأن من يُقتل من الجهة الرسمية - من ينسب إليها-»، وقال أيضاً «تقوم الدنيا ولا تقعد عند قتل شرطي، بينما يقتل القتيل والقتيلان والثلاثة وتذهب العشرات وتذهب المئات ثم لا ذكر ولا تحقيق يصل إلى نتيجة».واستمراراً لادعاءات «المظلومية»، والتحريض والتشكيك في السلطة وإجراءاتها، رغم تبنيها للمبادرات الخاصة بحقوق الإنسان، أدعى قاسم أن هناك «غياب هذه المساواة شكوى مؤلمة من شكاوى هذا الشعب، فكم هُدرت من دماء أبنائه وكم ضاعت واستخف بها».الغريفي يتحفظبدوره، وتطبيقاً لبعض ما جاء في دعوة وزارة العدل، دان الشيخ عبدالله الغريفي حادث الديه، وجرم من يقف وراءه أياً يكن، ولم تكن هذه الإدانة وهذا التجريم مجرد تسجيل موقف أو استجابة لإملاءات، إنما هو «تكليف شرعي فرض علينا أن نرفض أي مساس بالأرواح، لا فرق في ذلك بين أرواح من ينتمي للشعب أو للسلطة، ولا بين أرواح مواطنين أو مقيمين».ولكن خطبة الغريفي يوم الجمعة لم تحرم أو تدين الأفعال الإجرامية بشكل مباشر كاستخدام «المولوتوف» وحرق الإطارات والأسياخ الحديدية والتعرض للمواطنين بالضرب، والتي وصفها بأنها «لا تحوز على صفة الإدانة المسؤولة والحقيقية».إلا أن الغريفي عاد في خطبته ليصف الإجراءات الأمنية المتخذة في المناطق لتأمينها على أنها «عقوبات جماعية»، حيث قال «إذا كان هذا العمل مداناً ومجرماً من قبل كل الغيارى على أمن الوطن، إلا أنه في الوقت ذاته لا يجوز للسلطة أن توظف الحدث لضرب الحراك السلمي كما لا يجوز لها أن تجنح إلى فرض عقوبات جماعية على قرى ومناطق بكاملها، بذريعة البحث عن المتورطين في هذا العمل».ووصف الغريفي الإدانات الرسمية والمطالبات بالقصاص من الجناة وإيقاف المحرضين والتي ظهرت في الإعلام سواء المرئي أو المسموع أو المقروء بأنها «تحريض ممنهج»، حيث قال «إذا كان ما حدث عملاً شائناً وظلماً فاحشاً، فإن توظيفه ضد حراك الشعب المشروع، وضد طائفة أو قرى ومناطق بكاملها أمر أشد شيناً، وأفحش ظلماً، كما أن ممارسة الإعلام الرسمي وشبه الرسمي تحريضاً ممنهجاً ومملوءاً بكلماتٍ مسيئة عملٌ غير مشروع وله تداعياته المضرة والمدمرة».وفي تغيير للمواقف السابقة التي أعلنها مراراً من على المنبر، والتحريض السابق له، اعترف الغريفي أن «الوطن في هذا الظرف محتاج إلى خطابٍ عاقل بصير، لا إلى خطابٍ طائش أهوج، محتاج إلى خطاب يزرع المحبة والتسامح والتآلف، لا إلى خطاب ينتج الكراهية والقسوة والتباعد».استجابة تامةوشدد الشيخ جاسم السعيدي على ما جاء في الشريعة الإسلامية من حث على الوحدة والاعتصام بحبل الله وعدم الشقاق بين المسلمين وضرورة توحيد الجهود والصفوف في الدفاع عن العقيدة الإسلامية والذود عن دول المسلمين من كافة الأخطار التي تحدق بها.ورأى السعيدي ضرورة تطبيق شرع الله باعتباره مطلب الشعب كاملاً، وأن يتم أيضاً القبض على المحرضين مع الإرهابيين المنفذين، حيث يؤدي المحرضين دوراً مباشراً في الإرهاب ويدفعون له ويتعاملون مع الإرهابيين.واستطرد «يقول الله عز وجل ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب، وفجعنا مؤخراً باستشهاد ثلاثة من رجال الأمن نحسبهم شهداء عند الله، وفجع معنا إخواننا في دول الخليج نتيجة السحق الذي تعرض له رجال الأمن على أيدي الإرهابيين المطبقين لفتوى سحق أباحت لهم ذلك وحرضتهم عليه».أما الشيخ فريد مفتاح، فأكد حرمة الدم وعلى ضرورة عدم التعامل مع الجماعات الإرهابية المتطرفة أو الانضمام لها والتحذير منها، وأن الدم حرام ولا يبرره أي أمر، فضلاً عن أن زعزعة السلم والاستقرار بين الدول هي أمور عظيمة يجب الانتباه لها والابتعاد عن الوقوع فيها.