في حياة الإنسان أصواتٌ لا يمكنه نسيانها أو محوها من ذاكرته، تشعره برتم الحياة وإيقاعها، وتنقله إلى عوالم الفرح، لتبقى بصمة للأمل والحب والحنان كصوت الأم، الذي يخترق حاجز الصمت ويصل إلى أعماقنا وإن فقدنا القدرة على السمع. وهذا ما أثبتته لنا بدور سعيد الرقباني، مديرة ومؤسسة مركز «كلماتي» للنطق والتواصل، في تجربتها مع طفلتها نورة التي شخصت بالصمم الكلي، كم هي أم وامرأة إماراتية عظيمة، واجهت العديد من التحديات في سبيل توفير  بيئة ملائمة لابنتها وللأطفال الصم تمهد لدمجهم في المجتمع

شكّل تشخيص ابنتك نورة بالصمم الكلي نقطة تحول في حياتك متى شعرت بأنها بحاجة إلى زيارة الطبيب؟في عمر 6 شهور، شعرت بأن طفلتي بحاجة إلى زيارة الطبيب، قد تكون غريزة الأمومة هي التي قادتني لذلك لأبدأ معها المرحلة الأولى من العلاج، حيث تم تشخيصها بأنها تعاني من مشاكل في الأعصاب وأنها بحاجة للخضوع لعلاج مكثف، لم أقتنع بذلك وكانت تدور برأسي العديد من التساؤلات، بحثت كثيراً وقررت الذهاب بها لأمريكا وبالتحديد ولاية بوسطن حيث تتوفر فيها أفضل المستشفيات في العالم لعلاج مشاكل الأعصاب عند الأطفال، وهناك اكتشفت أن نورة مصابة بالصمم الكلي.

كيف استطعت التغلب على المشاعر السلبية التي انتابتك لحظة معرفتك حقيقة تشخيص حالة ابنتك؟شكّل الأمر بالنسبة لي صدمة كبيرة وشعور بالإحباط واليأس، ولكن ما ساعدني على تجاوز هذه المحنة هي الطريقة التي تتعامل بها المستشفيات في الخارج مع وضع كحالة نورة حيث يهتم بها فريق عمل متكامل بداية بالطبيب الذي أخبرنا بطبيعة التشخيص وأعطانا المعلومات الكافية، ومن ثم تحويلنا إلى قسم الخدمات المساندة وهو القسم الذي يقدم للأهل الدعم الذي يحتاجونه لمساعدتهم على تقبل الأمر وتجاوزه بأسرع وقت ممكن.

ما أهم ما اكتسبته من قسم الخدمات المساندة وتنصحين به العائلات التي تضم بين أفرادها طفل أصم؟الوعي بأن الطفل الأصم له مستقبل، حيث تم اصطحابنا في زيارة لمدارس الصم، كما تعرفنا على أشخاص صم ناجحين في حياتهم العملية وحققوا انجازات تخدم المجتمع ومتزوجين ولديهم أبناء.  كما أنهم وضحوا لنا المراحل التي قد يمر بها أي إنسان يتعرض لمشكلة كبيرة أو محنة كوضعي كأم لنورة بداية بالصدمة، ومن ثم عدم تقبل الأمر، وبعدها اللوم كأن أسأل نفسي عدة تساؤلات على سبيل المثال: «هل هو عقاب من رب العالمين؟ هل تناولت دواء أو تعرضت لإجراء أثناء الحمل أثر عليها؟» والمرحلة الأخيرة العمل، أن نبحث عن طريقة نساعد بها أبناءنا وكلما وصل الأهل إلى المرحلة الأخيرة بسرعة كلما ساعد هذا أبناءهم بصورة أكبر.

كيف كانت بداية تواصلك مع ابنتك ودخولك لعالمها الصامت؟قبل أن يتجاوز عمر نورة السنة بدأت أتعلم معها لغة الإشارة المحلية في مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية، حيث أن لكل دولة لغة إشارية مختلفة عن الدول الأخرى، فلغة الإشارة تنبع من ثقافة المجتمع، وكون هذه اللغة غير موثقة كان يصعب علي العثور على مصادر تسمح لنورة بالتطور الفكري، محاولةً أن أجد لها لغة إشارية أخرى كالإنجليزية تساعدها في ذلك.

ما الأسس التي اعتمدتها في حماية ابنتك من التحديات التي ستواجهها في المستقبل؟هناك عدة أمور تحمي أطفالنا وتحصنهم مما قد يواجهونه في حياتهم المستقبلية، أهمها الحرص على التدخل المبكر، أول خمس سنوات في عمر الطفل الأصم تساعد بشكل كبير في تطوره، نختصر فيها مسافات كبيرة في مرحلة العلاج والتي يجب أن تكون مكثفة في هذه الفترة العمرية، إلى جانب الإحتواء النفسي والتعليم وأشدد هنا على التعليم، وتقديم كل الخدمات المتاحة وتسخيرها لأجله ومحاولة إثرائه فكرياً ونفسياً وفنياً في كل المجالات، وأن نساهم بدمجهم في المجتمع، نصادقهم ونخالطهم.

حدثينا عن شخصية نورة وهواياتها، وهل هي ابنتك الوحيدة؟خليفة ابني البكر يكبر نورة بـ 3 سنوات، هي اليوم في عامها السابع فتاة محبوبة واجتماعية بين زميلاتها، تحب الرياضة وركوب الخيل والباليه، لم أحرمها من أي شي ممكن أن تقوم به طفلة طبيعية في عمرها، حيث أنها تأخذ دروس في الموسيقى على الرغم من فقدانها السمع ولكن الأحاسيس قد تلعب دوراً في ذلك، هي تجارب تغني وتثري حياتها وتساعد في نموها وتطورها.

صرحت بأنك أسست مركز «كلماتي» لعدم رضاك عن جودة الخدمات المقدمة لنورة في مراكز علاج النطق واللغة، فمن أين اكتسبت الوعي بما هو جيد من عدمه؟عندما كنت في أمريكا وعلى الرغم من أنها لم تكن زيارة معمقة للبحث عن الخدمات المقدمة للصم، وقبل أن تكون لدي النية لتأسيس مركز «كلماتي»، اطلعت على مستوى التعليم كيف يتم الدمج بين طفل يسمع وطفل ضعيف السمع، الفرق بين من يستعين بسماعة وبين من هو خاضع لزراعة القوقعة، الجو الحميم والممتع والحيوى الذي تقدم فيه الجلسات للأطفال واهتمامهم بدور الأهل، بعكس ما هو موجود هنا، حيث كان يتم منعي من حضور جلسات العلاج مع نورة واضطر لأن اطلب منهم أن أبقي الباب مفتوحاً بمقدار بسيط لأسترق النظر وأبقى ملمة بمراحل علاجها، وإعطائها الإحساس بالأمان.

ما الذي يميز مركز «كلماتي» للنطق والتواصل عن غيره من المراكز في الدولة؟نحن نستقبل الأطفال من عمر السنة إلى 10 سنوات في أجواء من الألفة والمرح وهذا ماتضفيه ديكورات المركز على الرغم من صغر مساحته، مع الحرص على الدعم والتواصل بين المركز والأهل، حيث نشركهم في خطة علاج أبنائهم فلهم الدور الأكبر في ذلك والعمل على تمكينهم. ولدينا أخصائيون متخصصون في حقل الرعاية الصحية مطلعين على أحدث الإختبارات العالمية. كما ويقدم المركز دروساً في لغة الإشارة الأمريكية، وتقييم وتشخيص ومعالجة حالات متنوعة مثل اضطرابات النطق والتواصل واللغة، وجلسات العلاج الفردية لضعاف السمع والعلاج السمعي اللفظي وتأهيل قبل وما بعد زراعة القوقعة وأيضاً اضطرابات الأصوات اللغوية ومخارج الحروف.

واجهت  العديد من الصعوبات مع بداية تأسيسك لـ «كلماتي» فما أبرزها؟التمويل، وإيجاد جهة تدعمنا مادياً لأن هدفنا غير ربحي، فنحن لا نسعى إلى جني الأموال والأرباح من وراء هذا المركز، فكل ما نحصل عليه هو جزء قليل من نفقات المكان، خاصةً أن لدينا فريقاً علاجياً على أعلى خبرة، حيث تصلنا تبرعات من الأهل والأصدقاء وعضويتنا في مؤسسة محمد بن راشد لدعم مشاريع الشباب تعفينا من رسوم معينة.

ما الذي قادك إلى تنظيم المؤتمر الدولي بعنوان «اسمع صوتي تفهم ضعف سمعي»؟رغبة مني في نشر المعرفة وتعزيز التوعية بسبل دمج الصم بالمجتمع، فأنا أصبحت جزء من مجتمع الصم وهو المجتمع الذي تنتمي إليه ابنتي، وذلك بالتعريف بالتدابير البسيطة والعملية الكفيلة بالتغلُّب على المصاعب التي يواجهها الصمّ وضعاف السمع في مجتمعاتهم. واختراق جدار الصمت الذي يعزل الصمّ وضعاف السمع، والتعريف بقدراتهم المذهلة. حيث تمت استضافة  الدكتور آلان هرويتز وهو أصم، ويعمل رئيس لجامعة غالوديت بالعاصمة الأمريكية واشنطن، التي تعد الرائدة عالمياً كجامعة مخصصة للصم وضعاف السمع، وكانت كلمة الإفتتاح بلغة الإشارة مما اضطر السامعين للإستعانة بمترجم إشاري.

هل سيتم تنظيم المؤتمر بصفة سنوية؟نعم، أنا حالياً بصدد التحضير للمؤتمر في دورته الثانية والذي سيعقد بالتزامن مع احتفال الدولة بأسبوع الأصم العربي. وذلك بالتعاون مع جامعة زايد وبرعاية الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير الثقافة والشباب وتنمية المجتمع.

ما الإحساس الذي حمله لك حصولك على جائزة المرأة العربية للعام 2013؟هو إحساس بالفرحة والفخر كوني إماراتية وأم لطفلة صماء صوتي هو صوتها، استطعت أن أحقق الأهداف المرجوة من تأسيسي لمركز «كلماتي». وستبقى قضية الأصم وحقوقه على رأس أولوياتي.

كيف تقيمين مستوى دمج الصم في المجتمع الإماراتي وبالتحديد في مجال التعليم؟يجب أن نكون فاعلين ونشطاء أكثر في هذا الجانب، وبالتحديد وسائل الإعلام على أنواعها، حيث تلعب وسائل الإعلام دوراً مهماً في تسليط الضوء على قضايا الصم وحقوقهم. أما فيما يتعلق بالتعليم فهناك سياسة دمج تنتهجها الدولة، ولكن الدمج يبقى سلاح ذو حدين في تأثيره على الطفل المدموج، يؤثر عليه سلباً إذا كان بطريقة عشوائية، أما إذا تم بطريقة مدروسة بإيجاد المدرسين المؤهلين سيخدم ذلك الطفل وأقرانه أيضاً.

ما الحلم الذي تتمنين تحقيقه؟أن يحصل الصم على حقوقهم في جميع المجالات.

القاموس الإشاريكشفت لنا بدور الرقباني، مديرة ومؤسسة مركز «كلماتي» للنطق والتواصل، عن عضويتها في لجنة إصدار قاموس إشاري إماراتي موحد للصم، بدعم من «مؤسسة زايد العليا للرعاية الإنسانية» و«جمعية الإمارات للصم» في العين.

* السيرة الذاتية - خريجة الاتصال البصري من الجامعة الأمريكية بالشارقة بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف الأولى.- حاصلة على جائزة الشيخ راشد للتفوق العلمي.- أنشأت مركز «كلماتي» للنطق والتواصل في العام 2010.- حصدت جائزة المرأة العربية للعام 2013 عن فئة التعليم.- نالت شهادة فارس عن رعاية ذوي الاجتياجات الخاصة من جامعة الدول العربية.- حصدت جائزة الأم المثالية من دائرة الصحة في دبي ومستشفى «لطيفة» للعام 2009.

تابع المزيد من المقابلات الحصرية على ليالينا:

ألبير بوياجيان: أعتبر الكويت بلدي الثاني

رشا الظنحاني: «باباروتي كافيه» ستواكب «إكسبو 2020»