^ حين تحدثت في مقالٍ سابقٍ تحت عنوان (حتى لا تُخْتَطَف الرياضة في البحرين)، خاصة فيما يتعلق بأهمية إبعاد الرياضة عن الخطوط الساخنة وربما الملوثة للسياسة، وحين أكدت بأن يجب على شريحة الرياضيين (أن تنأى بنفسها عن دخول المعارك والمواقف السياسية، وذلك حين تقوم بممارسة دورها في الساحات الرياضية، ولكي تُعطي هذه الشريحة المثل الأعلى في الحب والإخلاص والتفاني وإذابة كل الحواجز العرقية والمذهبية والطائفية، ليلتقوا جميعاً على حب الرياضة وقبل كل ذلك يلتقون على حب الوطن، يجب أن يكونوا رياضيين فقط)، لم يعجب القارئ الكريم أبا أحمد، هذا الرأي. حينها علَّق على ذلك قائلا (يمكنك أن تجزم أن الرياضة يجب ألا تكون محطة للتمييز العنصري - أسود وأبيض شيعي- سني مسيحي-مسلم كما ذكرت سلفاً، لكنك لا تستطيع أن تمنع الرياضي من ممارسة السياسة، وهذا حقه، فكم من اللاعبين المشهورين بعد أن أنهي حياته الرياضية اتجه للسياسة أو حتى فرض عليه الاتجاه إلى السياسة فلا تحرم الرياضيين من حقهم)، انتهى الاقتباس. أود أن أوضح للقارئ الكريم (أبا أحمد) ولكل من يتفق معه في الرأي، بأنني لستُ من المعارضين بأن يكون للرياضيين موقفاً وطنياً أو سياسياً من مجريات الأحداث في البحرين، فهم كغيرهم من المواطنين، يمكن لهم أن يتبنوا موقفاً سياسياً معيناً، لكن ما يمكن الاعتراض عليه، هو أن يشتغل المختص الرياضي بالسياسة، فينسى دوره الحقيقي ورسالته الإنسانية الكبيرة. يمكن للمهندس والطبيب والنجار والفلاح والمعلم والرياضي والخباز والميكانيكي وغيرهم الكثير، من تبني مواقف سياسية خالصة، لكن ما ليس يُقبل من كل أولئك، هو أن يشتغلوا بالسياسة، وهي في الأساس ليست من اختصاصاتهم، لأنْ لو كل أولئك اشتغلوا بالسياسة، فما هو دور و(شُغْل) السياسيين والجمعيات السياسية؟، فكما من المعيب أن يشتغل المهندس في مهنة التطبيب أو يشتغل الفلاح في مهنة الهندسة، فإنه لا يمكن لكل أولئك أن يشتغلوا بالسياسة، لأن هنالك فرقاً بين أن تتبنى موقفاً سياسياً معيناً، وبين أن تشتغل وتفتي وتُنَظِّر في الشأن السياسي، إلا في حالتين اثنتين فقط، الأولى هو أن تكون ملماً بتخصصك، سواء كنت طبيباً أو مهندساً وما إلى ذلك، وكذلك في كونك ملماً بالسياسة كعلم من علوم المعرفة، ومحيطاً بكل وقائعها وأحداثها بطريقة تنم عن وعيك السياسي المتقدَّم، وخبرتك الميدانية، أما الحالة الثانية، فهي بالإضافة لإلمام أصحاب تلك التخصصات بالسياسة كعلم وتجربة، لابد من ترك وظيفتهم أو اعتزالها والتفرغ للعمل السياسي. حين تحدثت حول أهمية أن يتجنب الرياضي معارك السياسة، لا يعني ذلك رفضنا في أن يكون له رأي فيها، بل كل ما في الأمر، هو حرصنا الشديد في أن يحافظ الرياضي على أجواء الرياضة النقية والوطنية، كي لا تلوثها أدران يد السياسة فتموت. في الدول المتقدمة، نجد أن الرياضيين هناك، لا يتدخلون في السياسة إلا بعد أن يقرروا اعتزال الرياضة بالكامل، ليفرِّغوا أنفسهم للسياسة. هناك، وفي تلك الدول المرتَّبة في وعيها وتخصصاتها، نجد بأن مهام الإنسان الرياضي، تقتصر على الإبداع والعطاء في مهنته، أو في أن يمارس دوراً إنسانياً شريفاً ليس له علاقة بالسياسة، كأن يكون سفيراً للنوايا الحسنة بين دول العالم، أو يكون رسولاً لجمع الأموال عبر مشاريع خيرية لمكافحة المخدرات والجوع والأمراض، وهذا كله أرقى من أن يحاصر نفسه في مواقف سياسية طارئة، لا تلبث حتى تتبخر بعد انتهاء مدتها!!. هنا نَصرُّ على موقفنا الداعي إلى عزل الرياضة والرياضيين عن السياسة (كمنشغلين ومشتغلين بها)، أما أن يتبنوا موقفاً سياسياً لا يَحْرف مهنتهم الإنسانية والرياضية التي يعشقها الجميع عن مسارها الصحيح، فلا ضير في ذلك، لكن المشكلة في ظل واقعنا المتشنج والمتصلب في البحرين، من يضمن من الرياضيين حين يتحوَّل إلى رجل سياسة أن لا يكون كذلك؟ وألا تتأثر مهنته الرائدة بأوجاع السياسة وغدرها؟.. بكل تأكيد لا أحد يضمن ذلك
أبو أحمد.. الرياضي والسياسي لا يجتمعان
15 أبريل 2012