^ قلنا بالأمس إن مشكلتنا في هذا البلد هي تحديد الأولويات؟! ووقت كتابة تلك السطور كان الغبار عالياً والقيامة قائمة في بيت السلطة التشريعية، بين النواب ووزيرة الثقافة. لن أخوض في الموضوع هنا لتغليب كفة على كفة، لكنني سأقول إننا مللنا من تحول مجلس النواب إلى “حلبة مصارعة” وبسبب قضايا إن جئنا لنصنفها في سلم الأولويات فلن تكون متصدرة لها. شد وجذب، وكل قال ما قاله، وعلى نفس سيناريو قصة النائبين سوسن تقوي وأسامة مهنا، سندخل الآن في سيناريو بعض النواب مع الشيخة مي بنت محمد، وستتحول المسألة إلى قضية البحرين الأولى. منذ عشر سنوات ونحن ننتظر من هذا البرلمان أن يحدد أولوياته، لا أن يكون برلماناً لـ«ردود فعل”، نريد أفعالاً حقيقية تغير واقع الوطن والمواطن. وقبل التفصيل، لا أريد أن يفهم من كلامي أنني أغلب موقف جهة على أخرى. فالقضية لن تعنينا هنا كون سببها أساليب غير موفقة في الكلام ونعوتاً وأوصافاً وردود فعل، بالتالي “حلوها بينكم”، لجنة تحقيق، طلب إعفاء من رأس السلطات، إلى غير ذلك من الأدوات. ما يهمنا هنا هو الحراك البرلماني الحقيقي، ومن حقي كمواطن أن أقف لأحاسب هذا البرلمان الذي أراه يضيع أوقاتاً كثيرة في مناقشة أمور لن تؤثر في حياة المواطنين تأتي على حساب المناقشات الجادة لقضايا حقيقية. أتذكر كلاماً للنائب الشيخ عادل المعاودة قبل عامين في ندوة بنادي المراسلين حينما قال إن أكبر مشكلة يواجهها البرلمان -وهي التي تمثل تحدياً حقيقياً بالنسبة إلى النواب- هي المشكلة الإسكانية. طبعاً هذه حقيقة معروفة، لكن ما يجعل كلامه مهماً هو وضعه اليد على أساس المعضلة، حينما قال إنه لو كان النواب متفقين فيما بينهم على تحديد الأولوية القصوى وتخصيص كل الوقت لحلها، لما وصلنا إلى عام 2008 أي بعد عمل البرلمان لستة أعوام لنتحدث عن مشكلة مثل الإسكان والتي يفترض أن تكون قد حسمت منذ زمن. لأن برلماننا يفتي وينظِّر على الدولة، وبات كل شخص يصل إليه -إلا من رحم ربي من متخصصين في مجالاتهم ومع احترامي للجميع- يطالعنا بأداء يجعلنا نتصوره “خبير ذرة” أو “خبير تشريع”، ولأنه أخذ يستقوي بأدوات الرقابة والأسئلة النيابة لهدف إعلامي بحت كما نراه، باعتبار أن النتائج التابعة غائبة من خلال تحركات علاجية، فإن مشاكلنا مازالت تراوح مكانها. مازلت أتذكر الوقت المهدور في دور الانعقاد الأول للفصل التشريعي الأول، حينما ضاعت الجلسات وراء الجلسات في تعديل اللائحة الداخلية حتى “تناسب” حضرة السادة النواب، وكيف ضاع الوقت في مناقشة قضايا “حساسة” و«مصيرية” مثل تحريم شم الغراء، نخاطب النائب بـ«سعادة” أو “معالي”، أو منع نانسي عجرم من دخول البحرين! هذا الوقت الذي يضيع على “المعارك” وعلى “التصارع” مع الوزراء في قضايا هي ليست أولويات، وهي لا تهم عموم الشعب، هو وقت من حقنا أن نسائل السلطة التشريعية عليه. إن كان لديكم وقت لفعل كل ذلك، يفترض قبله أنكم أنهيتم حل كل المشكلات التي يعاني منها الشعب. هل حللتم المشكلة الإسكانية؟! طبعاً لا، فمشروع البيوت الذكية رغم أنه لم يكن خياراً مثالياً إلا أنه كان أحد الخيارات، وقفتم ضده وأسقطتموه باعتباره لا يناسب معيشة البحرينيين، ولكم الشكر على ذلك، وفي المقابل، ما هي الحلول البديلة؟! هل وضعتم لوزارة الإسكان حلولاً لمعالجة مشكلة تكدس الطلبات وقوائم الانتظار التي لا تنتهي؟! طبعاً موضوع الإسكان كمادة للنقد وإبراز العضلات والاستعراض الإعلامي موضوع خصب، يكفي أن تصرخ “الإسكان” حتى يتفاعل معك الناس، لكن في المقابل أين نتيجة هذا الصراخ؟! هل حللتم المشكلة؟! مشكلة العجز الإكتواري، والخطر المحدق بكل البحرينيين، بأن يأتي يوم يتم فيه فرض زيادة قسرية عليهم في اشتراك صندوق التقاعد، أو إحالة الناس للتقاعد برواتب زهيدة، أو أن يتقاعد الشخص دون أن يجد فلساً تقاعدياً واحداً، باعتبار أن عجز الصندوق بلغ خمسة مليارات. هذه المشكلة أين أنتم منها؟! أين الحلول لها؟! بل ما زاد الطين بلة بالنسبة إليها هو إنشاء صندوق آخر لتقاعد النواب الإلزامي. الفساد المالي والإداري وتقارير ديوان الرقابة المالية التي “عفنت” على الرفوف وفي الأدراج. أين حراككم منها، وأين محاسبتكم للمسؤولين عن هدر هذه المليارات من الدنانير التي لو وفرت لحلت مشكلة الإسكان ومشكلة العجز الإكتواري، ولكفت لزيادة رواتب الناس حتى الضعف وفوقها “بوسة” لكل مواطن على رأسه، أين أنتم منها؟! والله ما تتضمنه تقارير الرقابة المالية من حالات موثقة للفساد والهدر المالي تستوجب عمليات استجواب وتستدعي طرح ثقة ضمن حراك يمتد لفصول تشريعية وليس دور انعقاد واحد، فأين المحاسبة؟! وأين المال العام الذي أرجعتموه؟! وأين المسؤولون الذين تمت إقالتهم والوزراء الذين سحبت منهم الثقة؟! لن أحدد موقفاً هنا كمواطن من قضية النواب ووزيرة الثقافة، لأن هذا للأسف ما تريده كل الأطراف، تريد تحديد مواقف وبيان من هو “الصح” ومن هو المخطئ، لن أحدد موقفاً لأن ما حصل تم على حساب الناس الذين شهدوا تعطيلاً جديداً للجلسة، والذين تهمهم قضايا ومواضيع تم تأجيلها لجلسات قادمة، باعتبار أن “السيناريو تكرر” وعاد مجلس النواب ليتحول إلى ساحة حرب تنهيها مطرقة الرئيس الذي عجز في محاولاته للتهدئة. لسنا نتفق مع الأسلوب الخاطئ في الكلام، ونرفض التطاول اللفظي والإساءات، ونرفض الانتقاص من قدر الناس، لكن في الوقت نفسه نرفض أن يحصل كل هذا على حساب المواطنين الذين من حقهم اليوم أن يحاسبوا المجلس وممثلي الدولة على كل دقيقة تضيع من وقت المجلس في صراع واقتتال. يا جماعة حلوا مشاكل الشعب أولاً، وعندما تنتهون منها جميعاً وتحولون البحرين إلى “مدينة فاضلة”، بعدها استفيدوا من الوقت المتبقي وحولوا البرلمان إلى “حلبة مصارعة”. بعد المسلسل الطويل السابق لـ«بصقة” سوسن و«شتيمة” أسامة، يأتينا المسلسل القديم المتجدد “ربيع الثقافة بين النواب ومي”، و«هاردلك” يا مواطن.. إن شاء الله تنظر قضاياك “الأقل أهمية” في الجلسة القادمة.
«معركة» النواب ووزيــــرة الثقافـــة
15 أبريل 2012