بقلم – عادل الحلبي كم منا شيد منزله أو قصره على أبهى صورةِ وأجمل موقع وحفة بزروع وأعنابِ ونخيل لها طلع نضيد ليباهي بها أقرانه أو يتفرد بها دون غيره ليقيم فيه مابقى له من عمره وهو يعلم أنه لن يعمر غير بضع سنين .. لكن تُرى هل حرص أحدنا على بناء دار سيسكن بها أبد الدهر حتى يأذن الله لنا بالقيام من الأجداث سِراعا لنقف بين يديه ليوفَ كل منا ماعمل من عملٍ في هذه الحياة الدنيا ؟ سبحان الله .. زُرناها كُرهاً .. وبنيناها كُرهاً .. كأنها فأل أسود .. جميعنا نزورها ونقف على شفيرها حين نودع عزيز علينا نبكي وننفطر ألماً وحَزَناً على فِراقه، وغفلنا أسفاً أن نبكِ على أنفسنا .. ولم نعي أننا .. ربما يشيعنا الأهل والصحاب غداً الى نفس المكان .. فانشغلنا بموتانا عن موتتنا الكُبرى .. وانتهينا من مراسم تشييع العزاء، وطوينا صفحة الفراق واللقاء، ومضى كل إلى حال سبيله .. التاجر لتجارته بشطارته، والعامل لعمله بأمله، والقبور خلف ظهورنا بمن فيها لا نعيها .. غير زيارة الأعياد أو المناسبات وللأموات في رقابنا فاتحة الكتاب نتلوها عليهم والسلام على ساكنيها. سبحانك يارب .. إنّا مدركون أننا لا محالة راحلون .. تاركين خلف ظهورنا ماجمعنا لغيرنا وإنّا لمحاسبون فيه حساباً عسيرا .. إنّا إلى ربنا لراحلون فُرادى .. لا شهادة ولا قِلادة .. لنُحاسب في كتاب ماغادر صغيرة ولا كبيرة .. وما من شفيعِ ولا حميمِ .. راحلون إلى بيت الوحشة والظُلمة .. لافِراش فيه ولا متاع ولا أنيس ولا جليس .. ما أصعب ليلته وما أقسى ضمته وما أوحش ظُلمته وما أشد برودته وما أبشع أفعته وما أطول إقامته .. أبدان محشورة هنا وهناك تُعذب تحت الأرض وأهوال بعضها فوق بعض .. وإنّا لفي سَكرةٍ غافلون.سبحان الله .. هذه القبور التي حوت الملايين وماضجت .. خِيام مُسدلة .. ظاهرها فيه الرحمة وفي باطنها أشد العذاب .. اللهم إن صلحت فما بعدها هين وإن كانت غير ذلك والعياذ بالله فما بعدها أعسر .. سبحان من علم الإنسان مالم يعلم وأجهل عنه القبر بأهواله وعذابه وأمر بغلق بابه على من ولجه ولم يخُص ساكنه بسِماتِ أو كراماتِ أو علاماتِ ليستر من مات .. إلا سيدنا الحبيب وآله وصحبته .. سبحانه وقد وقف العلم عاجزاً عن اختراق القبر .. ليبق بمن فيه لغزاً محيراً .. هذا ‘‘القبو’’ القابع بالمكان الرطب لنقل أخباره وأسراره .. وفشل وزل كل من كابر وأضطرب كل من اقترب. القبر ياسادة سنقيم فيه حياة أخرى مِلؤها العدم ربما العشرات أو ألاف أو ملايين السنين مجندلين تحت الثرى .. لاحُجة لنا فيما أخطأنا .. سنرى فيه مُحصلة مازرعت أيدينا وما سعت أقدامنا، وسيرى كل منا مِقعده من الجنة أو النار نُصبَ عينيه .. مشهد مهول وكرب وضيق وتمضِ السنون على أجساد بالية وعِظام نَخِرة .. لايدرى بها الأسلاف فيما هي فيه .. وقد يركموها بعضها فوق بعض وقد تتلاشى عِهنُ منفوش، ولكن الله سبحانه وتعالى أعلم بها لا يختلط عليه عَجَبُها ولا ذَنَبُها .. وإنه على جمعها لقادر. اللهم رُدنا إليك رداً جميلا .. ولا تجعل لغيرك علينا سبيلا .. اللهم لا تخزنا ولا تفضحنا بين خلقك .. وأجعل مابيننا وبينك فيما تبق من أيام خير بضاعة .. وحببنا اللهم في صلاة الجماعة وذكرنا بالموت كل ساعة .. اللهم هون علينا قبورنا .. اللهم هون علينا قبورنا .. اللهم هون علينا قبورنا .. ويسر حسابنا ويمِن كتابنا وأنطقنا الشهادة في سعادة .. ولا تحرمنا من دعاء الصالحين إذا وُسِدنا في قبورنا ونسونا أهلنا .. اللهم أنت ولينا وحسِيبنا ونعم الوكيل.
International
ويبقَ ‘‘القبر’’ لغزاً
01 أبريل 2014