في ظل الاضطرابات الدولية والإقليمية المحيطة بالخليج العربي، برز الاتصال كضرورة من الضرورات الملحة لمواكبة المرحلة وتخطي أزماتها بسلام أو بأقل الأضرار على أقل تقدير، وقد شكلت تلك الضرورات عوامل انتخاب لبعض من المصطلحات الإعلامية والاتصالية المتخصصة كـ«الاتصال السياسي، التحشيد الإعلامي، البروباغندا، الإعلام المضاد» وغيرها كثير. ولم يقتصر الأمر على صعود تلك المفاهيم إلى الواجهة وحسب، بل إلى تحميل الإعلام مسؤوليات جساماً في العملية الاتصالية السياسية، ما دعا «الوطن» لأن تتخذ نظرة فاحصة على الإعلام الخليجي في ظل ما تشهده المنطقة من منحنيات خطرة وتحولات بالغة الأهمية. ولهذا كان اللقاء مع د.خالد الجابر، المتخصص في الاتصال الدولي، وهو مدير مركز الشرق للأبحاث والدراسات.
ومن مفهوم الاتصال السياسي وتطبيقاته في دول الخليج العربي انطلق الحوار، ليحدثنا الجابر بقوله «مصطلح الاتصال السياسي إذا أردنا تطبيقه كمفهوم غربي على دول الخليج فهو مازال في بدايته ولم يتشكل بالمفهوم الذي نطمح لأن نضعه على طاولة البحث ونحاول أن نطبق عليه المنهج الدراسي كما هو مطبق في المجال الغربي»، وأردف «يجب أن ننظر للاتصال السياسي في الخليج من خلال المتغيرات والتحولات التي حدثت خلال الخمسين سنة الماضية وتداعياتها ومدى تأثيرها على الجانب السياسي والاجتماعي والمؤسسي».
الإعلام الخليجي
واختار الجابر في مستهل حديثه عن الإعلام الخليجي أن يقف على جدلية التسمية، مشيراً إلى أن مصطلح الإعلام الخليجي فــــيه شمولية كبيرة، ما اضطره لطرح جملة من الأسئلة من بينها «هل يوجد إعلام خليجي؟ ما هي وسائل الإعلام الخليجي؟ هل الصحافة تمثل الإعلام الخليـــجي؟»، واستدرك أسئلته بالحديث عن الإعــلام الخليجي نظرياً معرفاً له بأنه «الإعلام التابع لمنظومة الأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي»، وهذا الإعلام كانت مخرجاته ومازالت متواضعة، ولعل استثمارهم الناجح اقتصر على بعض الجوانب مثل برنامج (افتح يا سمسم) أو بعض القضايا الصحية والبيئية، ربما حاول أن يواجه بعض التحديات، ولكن العاملين في هذه المؤسسة أيضاً يشتكون من بعض العراقيل والتحديات، وعدم وجـود رؤية واضحة أو استراتيجية، ولذلك لا أعتقد أن «الإعلام في الخليج»، في كل دول مجلس التعاون، كل دولة على حدة باختلاف الأجندات، لا أعتقد أنه قادر على عرض رؤية مشتركة يدفعها أو يدافع عنها في القضايا الخليجية، وغالباً هو محكوم بأجندات معينة سياسية، إعلامية، إعلانية، تفرض بدورها مستوى ونوع المعالجة.
وقد مهد الجابر بما سبق لقوله «لا يمكننا التعويل على طموح اليوم حول وجود إعلام باستطاعته تبني قضايا خليجية ولو على المستوى العام، فواقع الحال للأسف لا يشي بوجود طرح من هذا القبيل، وحتى وسائل التواصل الاجتماعي لم تستطع أن تصل لهذه المرحلة ولا حتى قليل منها، فالقضايا المطروحة أغلبها قضايا شخصية، أو تهم كل مجتمع خليجي على حدة، أما في التصور العام لإقليم يتجرع المر وسط الصراعات التي حدثت منذ خمس سنوات حتى اليوم، ويواجه التحديات مــــن قبل جار معادٍ سواء إيران أو غيرها من الدول، مازالت هذه الصيغة لم تتبلور بعد، لا من قبل القيادة السياسية، ولا من قبل القيادة الإعلامية أو الثقافية، أو حتى من قيادات المجتمع المدني أو مؤسساته».
التمثيل الإعلامي لقضايا الخليج
ونوّه الجابر في هذا السياق إلى أن «إحدى الإشكاليات الإعلامية الكبيرة، أن أغلب وسائل الإعلام في الخليج العربي لم تتمكن من تمثيل القضايا المجتمعية بمستوى من الاقتدار والقدرة على التحشيد الإعلامي، أو بما يسهم في صناعة الوعي، وأعتقد أن هناك الكثير من القضايا فيه الكثير من الإسفاف والبروباغندا، أكثر من تحكيم العقل، وطرح حقائق تعتمد على الأرقام والتاريخ والإحصائيات. وربما الإعلام في الخليج أشبه بخط دعائي يستطيع أن يكسب لبعض الوقت وبعض المعارك الصغيرة، أما فيما يتعلق بالمعارك التي نتحدث عنها فهو لا يستطيع الخوض فيها وربما لا يجرؤ حتى أن يدخلها، وإذا دخلها سينكشف، ولهذا فعلى قيادات المجتمع التحرك والمساهمة في إيصال هذه الأصوات عن طريق وسائل الإعلام؛ لإحداث التغيير المطلوب، بما فيها القيادات السياسية والقيادات النخبوية الموجودة بالمجتمع».
الصناعة الإعلامية
وحول مقومات الصناعة الإعلامية، ضحك بينما اعتلى صوته نبرة الأسى ليجيب «للأسف.. طبعاً لا.. لا نملك مقومات الصناعة الإعلامية، والصحف تحديداً تعاني من التراجع وأزمات داخلية، وقلة الإعلانات وقلة الإقبال وهروب المتلقي إلى وسائل الإعلام الأخرى، وأيضاً هناك هروب من التلفزيون الرسمي والإذاعة، إن الهروب الكبير من الأدوات التقليدية يدعو لخطأ التعويل عليها من خلال نفس الأدوات، وإذا كانت هذه الوسائل الإعلامية تريد أن تبقى، عليها أن تغير أسلوبها وتتعاطى مع التحولات والتغيرات، وأن تصبح جزءاً من مواقع التواصل الاجتماعي والعصر التكنولوجي، لإعادة صياغة دورها والمنوط لها القيام به لخدمة قضاياها الكبرى والوصول لمتابعيها».
الحكومات والشعوب
وحاول الجابر عقد مقارنة بين الطموحات الشعبية والحكومية، معبراً عن ذلك بقوله «على المستوى الشعبي هناك طموحات وتطلعات، والقاعدة الشعبية أكبر وأسرع رغبة من القاعدة الهرمية، خاصة في مسألة الاتحاد الخليجي، وفتح الحدود، والتوصل إلى مشتركات في الأمن والاقتصاد والتعاون الأمني وحماية الأوطان، فهناك رغبة شعبية كبيرة لكن مقابلها خطاب سياسي بعيد عن هذه التطلعات إلى حد كبير، ويسير في توجهات رسمية وببطء، مقارنة مع خطاب آخر تشكل منذ فترة وصعد بوضوح، وكل ما نتمناه أن يكون هناك تقارب بين الرؤية الشعبية والرؤية الرسمية؛ لأن إهمالها وعدم الالتفات لها يمكن أن يخلق إشكاليات حقيقية وأزمات».
الاتصال السياسي
وبين في خضم الحديث عن أدوات الاتصال السياسي «دور البرلمانات والمجتمع المدني والصحافة ووسائل الإعلام الأخرى المرئية والمسموعة» مشيراً إلى تفوق الطفرة التكنولوجية، إذ «إن وسائل التواصل الاجتماعي هي التي تلعب الدور الكبير في ذلك، وأنها أصبحت مجالاً عاماً يجتمع فيه أشخاص وجماعات ونخب، منها النخب السياسية، فإننا نرى ملوك، وأمراء، ورؤساء وزراء، ووزراء خارجية، يطرحون قضايا ويستمعون إلى الرأي الآخر حولها»، مبيناً أنه بهذا قد تحقق لدينا «ارتجاع المعلومة والفكرة ووجهة النظر، وهذا النمط لم يكن متواجداً من قبل، نظراً للحواجز التي وضعتها وسائل الإعلام التقليدية، بينما لم يعد الأمر كذلك على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ لا يوجد حواجز وصانع القرار يستطيع أن يعرف بسهولة ما يدور في الشارع»، وفي هذا السياق لفت الجابر أن صناعة القرار السياسي اختلفت عن ذي قبل، مشيراً إلى «أن صانع القرار السياسي كان يبني قراراته بدون الأخذ بالاعتبار مدى تأثيرها وانعكاسها على الشارع، ولكننا شهدنا في الخليج على مدى خمس سنوات مضت الكثير من الوزراء غادروا مناصبهم جراء تغريدة أطلقوها على مواقع التواصل الاجتماعي، والعديد من المسؤولين كانت لهم مواقف في التعامل مع الجمهور والقيادات والمؤسسات، وهو نمط جديد من التعامل خلقته وسائل التواصل في إيجاد فضاء عام، مازال يتشكل ويبشر بتقرب أكثر ما بين رأس الهرم وما بين القاعدة الشعبية، وهو ما نعول عليه في إحداث التغيير».
السلطة الرابعة والتكنولوجيا
وفي انتصار لمواقع التواصل الاجتماعي دوناً عن الإعلام التقليدي، نوّه إلى أن «السلطة الرابعة تأتي مكملة للسلطات الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية، لكي تشرف وتراقب وتحاسب وتنتقد، وفي ظل ضآلة وتآكل السلطات الرئيسة الثلاث التي تشكل محور تقدم عمل أي مجتمع أو دولة، تحد السلطة الرابعة أو تقوض أو تغيب في كثير من الأحيان. وبالنسبة للعالم العربي والخليج تحديداً، أغلب السلطات تتمثل بسلطة واحدة، فالسلطة التنفيذية تفرض سلطتها بشكل كبير على بقية السلطات، وخصوصاً التشريعية وربما بشكل أقل القضائية، وهناك رغبة عارمة في التحكم بأدوات الاتصال، ولذلك كانت وسائل الإعلام خلال السنوات الماضية دائماً بطريقة مباشرة أو غير مباشرة يسهل توجيهها إلى قضية معينة أو مسار محدد»، ومن هنا يسوغ الجابر مبررات انتصاره لمواقع التواصل مستطرداً «خلافاً لوسائل التواصل الاجتماعي التي يصعب توجيهها، وكل ما باستطاعتنا فعله طرح وجهة نظر أو إقامة حملة، ولكن ليس التوجيه كما كان سابقاً. وميزتها أننا أصبحنا نسمع رأي آخر لطالما كان مغيباً، وخصوصاً من الفئة الأكبر بالمجتمع ألا وهي فئة الشباب فهم الذين يشكلون الغالبية في الخليج وهم الجيل الجديد، كما أصبحنا نطلع على رأي وموقف المرأة التي كانت مغيبة بشكل كبير في وسائل الإعلام التقليدية، وكان تواجدها نخبوياً أو محدوداً دون المساس بقضايا المرأة الحقيقية، لحسابات دينية واجتماعية وتقليدية وقبلية وما شابه».
التأثير في القرار السياسي
واستطرد بقوله «وسائل التواصل الاجتماعي بنموها ودخول الفئات المهمشة في المجتمع بالتواصل بين صانع القرار وبين النشطاء على الإنترنت، والنخب السياسية والفاعلين على مواقع التواصل الاجتماعي، ستؤثر في صناعة القرار السياسي؛ فالقرار السياسي لم يعد يؤخذ في الغرف المغلقة أو في لحظة زمنية معينة كردود فعل، بل أصبح القرار السياسي يتطلب الاستماع إلى الآخرين والتفكير في اليوم الآخر ما الذي سيحدث وكيف ستكون ردود فعل الناس وهو ما قامت به وسائل التواصل الاجتماعي، ولم يكن موجوداً من قبل، ولذلك نستطيع تأريخ مرحلة ما قبل وسائل التواصل وما بعد وسائل التواصل».
الإعلام المضاد
وحول «هبة» الحديث عن الإعلام المضاد كان لنا وقفة، عبر عنها الجابر بقوله «مازال الحديث عن هذا متداولاً في مقالات الصحف ووسائل إعلام متفرقة، ولكن القدرة على صناعة الإعلام المضاد مازالت بعيدة، وأعتقد أن الحديث عن هذا الموضوع ربما يأتي في الأولوية الثالثة أو الرابعة؛ فما نريده في هذه المرحلة، الوصول إلى اتفاق أكبر حول القضايا الكبيرة التي تجمعنا في الخليج، كالحديث قبل سنتين أو ثلاث حول الوحدة الخليجية على وجه الخصوص، وفتح الحدود على نحو أكبر، والسوق المشتركة، والعملة النقدية؛ فكلها موضوعات بحاجة للتفعيل أولاً وبالتالي يأتي الإعلام، أما بوضع الإعلام في المقدمة كأننا كمن يضع العربة أمام الحصان، سيبقى الحديث عن هذا النوع من الإعلام أو الوحدة الإعلامية مجرد شعار.
وألقينا مراسينا..
إذ وصلنا والدكتور خالد الجابر إلى ضفة خليجية آمنة، تنشد الأمن الإعلامي على نحو أفضل، وتفتش عن الوصفة السرية للصناعة الإعلامية التي نفتقدها في الخليج العربي. مع الدكتور خالد الحديث يبدو أكثر تشويقاً يكفله تقارب الأعمار، فيعلو الصوت الشبابي المتخصص الواعي، على نحو أعلى من المكاشفة والمصارحة والمصداقية التي تتحلى بها روح الشباب. أخذنا معه في رحلة مرهقة، ولكنها ماتعة ورصينة في آن، تفحصنا من خلالها خبايا الإعلام، ووقفنا على منزلقاته الخطيرة، حتى خشينا على أنفسنا ذات لحظة أن يجرنا إلى متاهاته بما يصنعه من ألق الأضواء، تمعنا في تقييمه الدقيق الفاحص لنستشرف آفاقاً للمستقبل، ونستخرج التوصيات من عميق طرحه. التقيته زميلاً في قاعات المؤتمرات ومجموعات الحوار الاستراتيجي الخليجي، عرفته إنساناً بسيطاً ودوداً، ولكن ما تلبث أن تحادثه لبرهة حتى تكتشف أنه يخفي خلف تلك الملامح الهادئة، عمقاً فريداً في الرؤى الإعلامية الخليجية، وروحاً أكثر انفتاحاً على المتغيرات كانفتاحها على الثقافات الأخرى.
ومن مفهوم الاتصال السياسي وتطبيقاته في دول الخليج العربي انطلق الحوار، ليحدثنا الجابر بقوله «مصطلح الاتصال السياسي إذا أردنا تطبيقه كمفهوم غربي على دول الخليج فهو مازال في بدايته ولم يتشكل بالمفهوم الذي نطمح لأن نضعه على طاولة البحث ونحاول أن نطبق عليه المنهج الدراسي كما هو مطبق في المجال الغربي»، وأردف «يجب أن ننظر للاتصال السياسي في الخليج من خلال المتغيرات والتحولات التي حدثت خلال الخمسين سنة الماضية وتداعياتها ومدى تأثيرها على الجانب السياسي والاجتماعي والمؤسسي».
الإعلام الخليجي
واختار الجابر في مستهل حديثه عن الإعلام الخليجي أن يقف على جدلية التسمية، مشيراً إلى أن مصطلح الإعلام الخليجي فــــيه شمولية كبيرة، ما اضطره لطرح جملة من الأسئلة من بينها «هل يوجد إعلام خليجي؟ ما هي وسائل الإعلام الخليجي؟ هل الصحافة تمثل الإعلام الخليـــجي؟»، واستدرك أسئلته بالحديث عن الإعــلام الخليجي نظرياً معرفاً له بأنه «الإعلام التابع لمنظومة الأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي»، وهذا الإعلام كانت مخرجاته ومازالت متواضعة، ولعل استثمارهم الناجح اقتصر على بعض الجوانب مثل برنامج (افتح يا سمسم) أو بعض القضايا الصحية والبيئية، ربما حاول أن يواجه بعض التحديات، ولكن العاملين في هذه المؤسسة أيضاً يشتكون من بعض العراقيل والتحديات، وعدم وجـود رؤية واضحة أو استراتيجية، ولذلك لا أعتقد أن «الإعلام في الخليج»، في كل دول مجلس التعاون، كل دولة على حدة باختلاف الأجندات، لا أعتقد أنه قادر على عرض رؤية مشتركة يدفعها أو يدافع عنها في القضايا الخليجية، وغالباً هو محكوم بأجندات معينة سياسية، إعلامية، إعلانية، تفرض بدورها مستوى ونوع المعالجة.
وقد مهد الجابر بما سبق لقوله «لا يمكننا التعويل على طموح اليوم حول وجود إعلام باستطاعته تبني قضايا خليجية ولو على المستوى العام، فواقع الحال للأسف لا يشي بوجود طرح من هذا القبيل، وحتى وسائل التواصل الاجتماعي لم تستطع أن تصل لهذه المرحلة ولا حتى قليل منها، فالقضايا المطروحة أغلبها قضايا شخصية، أو تهم كل مجتمع خليجي على حدة، أما في التصور العام لإقليم يتجرع المر وسط الصراعات التي حدثت منذ خمس سنوات حتى اليوم، ويواجه التحديات مــــن قبل جار معادٍ سواء إيران أو غيرها من الدول، مازالت هذه الصيغة لم تتبلور بعد، لا من قبل القيادة السياسية، ولا من قبل القيادة الإعلامية أو الثقافية، أو حتى من قيادات المجتمع المدني أو مؤسساته».
التمثيل الإعلامي لقضايا الخليج
ونوّه الجابر في هذا السياق إلى أن «إحدى الإشكاليات الإعلامية الكبيرة، أن أغلب وسائل الإعلام في الخليج العربي لم تتمكن من تمثيل القضايا المجتمعية بمستوى من الاقتدار والقدرة على التحشيد الإعلامي، أو بما يسهم في صناعة الوعي، وأعتقد أن هناك الكثير من القضايا فيه الكثير من الإسفاف والبروباغندا، أكثر من تحكيم العقل، وطرح حقائق تعتمد على الأرقام والتاريخ والإحصائيات. وربما الإعلام في الخليج أشبه بخط دعائي يستطيع أن يكسب لبعض الوقت وبعض المعارك الصغيرة، أما فيما يتعلق بالمعارك التي نتحدث عنها فهو لا يستطيع الخوض فيها وربما لا يجرؤ حتى أن يدخلها، وإذا دخلها سينكشف، ولهذا فعلى قيادات المجتمع التحرك والمساهمة في إيصال هذه الأصوات عن طريق وسائل الإعلام؛ لإحداث التغيير المطلوب، بما فيها القيادات السياسية والقيادات النخبوية الموجودة بالمجتمع».
الصناعة الإعلامية
وحول مقومات الصناعة الإعلامية، ضحك بينما اعتلى صوته نبرة الأسى ليجيب «للأسف.. طبعاً لا.. لا نملك مقومات الصناعة الإعلامية، والصحف تحديداً تعاني من التراجع وأزمات داخلية، وقلة الإعلانات وقلة الإقبال وهروب المتلقي إلى وسائل الإعلام الأخرى، وأيضاً هناك هروب من التلفزيون الرسمي والإذاعة، إن الهروب الكبير من الأدوات التقليدية يدعو لخطأ التعويل عليها من خلال نفس الأدوات، وإذا كانت هذه الوسائل الإعلامية تريد أن تبقى، عليها أن تغير أسلوبها وتتعاطى مع التحولات والتغيرات، وأن تصبح جزءاً من مواقع التواصل الاجتماعي والعصر التكنولوجي، لإعادة صياغة دورها والمنوط لها القيام به لخدمة قضاياها الكبرى والوصول لمتابعيها».
الحكومات والشعوب
وحاول الجابر عقد مقارنة بين الطموحات الشعبية والحكومية، معبراً عن ذلك بقوله «على المستوى الشعبي هناك طموحات وتطلعات، والقاعدة الشعبية أكبر وأسرع رغبة من القاعدة الهرمية، خاصة في مسألة الاتحاد الخليجي، وفتح الحدود، والتوصل إلى مشتركات في الأمن والاقتصاد والتعاون الأمني وحماية الأوطان، فهناك رغبة شعبية كبيرة لكن مقابلها خطاب سياسي بعيد عن هذه التطلعات إلى حد كبير، ويسير في توجهات رسمية وببطء، مقارنة مع خطاب آخر تشكل منذ فترة وصعد بوضوح، وكل ما نتمناه أن يكون هناك تقارب بين الرؤية الشعبية والرؤية الرسمية؛ لأن إهمالها وعدم الالتفات لها يمكن أن يخلق إشكاليات حقيقية وأزمات».
الاتصال السياسي
وبين في خضم الحديث عن أدوات الاتصال السياسي «دور البرلمانات والمجتمع المدني والصحافة ووسائل الإعلام الأخرى المرئية والمسموعة» مشيراً إلى تفوق الطفرة التكنولوجية، إذ «إن وسائل التواصل الاجتماعي هي التي تلعب الدور الكبير في ذلك، وأنها أصبحت مجالاً عاماً يجتمع فيه أشخاص وجماعات ونخب، منها النخب السياسية، فإننا نرى ملوك، وأمراء، ورؤساء وزراء، ووزراء خارجية، يطرحون قضايا ويستمعون إلى الرأي الآخر حولها»، مبيناً أنه بهذا قد تحقق لدينا «ارتجاع المعلومة والفكرة ووجهة النظر، وهذا النمط لم يكن متواجداً من قبل، نظراً للحواجز التي وضعتها وسائل الإعلام التقليدية، بينما لم يعد الأمر كذلك على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ لا يوجد حواجز وصانع القرار يستطيع أن يعرف بسهولة ما يدور في الشارع»، وفي هذا السياق لفت الجابر أن صناعة القرار السياسي اختلفت عن ذي قبل، مشيراً إلى «أن صانع القرار السياسي كان يبني قراراته بدون الأخذ بالاعتبار مدى تأثيرها وانعكاسها على الشارع، ولكننا شهدنا في الخليج على مدى خمس سنوات مضت الكثير من الوزراء غادروا مناصبهم جراء تغريدة أطلقوها على مواقع التواصل الاجتماعي، والعديد من المسؤولين كانت لهم مواقف في التعامل مع الجمهور والقيادات والمؤسسات، وهو نمط جديد من التعامل خلقته وسائل التواصل في إيجاد فضاء عام، مازال يتشكل ويبشر بتقرب أكثر ما بين رأس الهرم وما بين القاعدة الشعبية، وهو ما نعول عليه في إحداث التغيير».
السلطة الرابعة والتكنولوجيا
وفي انتصار لمواقع التواصل الاجتماعي دوناً عن الإعلام التقليدي، نوّه إلى أن «السلطة الرابعة تأتي مكملة للسلطات الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية، لكي تشرف وتراقب وتحاسب وتنتقد، وفي ظل ضآلة وتآكل السلطات الرئيسة الثلاث التي تشكل محور تقدم عمل أي مجتمع أو دولة، تحد السلطة الرابعة أو تقوض أو تغيب في كثير من الأحيان. وبالنسبة للعالم العربي والخليج تحديداً، أغلب السلطات تتمثل بسلطة واحدة، فالسلطة التنفيذية تفرض سلطتها بشكل كبير على بقية السلطات، وخصوصاً التشريعية وربما بشكل أقل القضائية، وهناك رغبة عارمة في التحكم بأدوات الاتصال، ولذلك كانت وسائل الإعلام خلال السنوات الماضية دائماً بطريقة مباشرة أو غير مباشرة يسهل توجيهها إلى قضية معينة أو مسار محدد»، ومن هنا يسوغ الجابر مبررات انتصاره لمواقع التواصل مستطرداً «خلافاً لوسائل التواصل الاجتماعي التي يصعب توجيهها، وكل ما باستطاعتنا فعله طرح وجهة نظر أو إقامة حملة، ولكن ليس التوجيه كما كان سابقاً. وميزتها أننا أصبحنا نسمع رأي آخر لطالما كان مغيباً، وخصوصاً من الفئة الأكبر بالمجتمع ألا وهي فئة الشباب فهم الذين يشكلون الغالبية في الخليج وهم الجيل الجديد، كما أصبحنا نطلع على رأي وموقف المرأة التي كانت مغيبة بشكل كبير في وسائل الإعلام التقليدية، وكان تواجدها نخبوياً أو محدوداً دون المساس بقضايا المرأة الحقيقية، لحسابات دينية واجتماعية وتقليدية وقبلية وما شابه».
التأثير في القرار السياسي
واستطرد بقوله «وسائل التواصل الاجتماعي بنموها ودخول الفئات المهمشة في المجتمع بالتواصل بين صانع القرار وبين النشطاء على الإنترنت، والنخب السياسية والفاعلين على مواقع التواصل الاجتماعي، ستؤثر في صناعة القرار السياسي؛ فالقرار السياسي لم يعد يؤخذ في الغرف المغلقة أو في لحظة زمنية معينة كردود فعل، بل أصبح القرار السياسي يتطلب الاستماع إلى الآخرين والتفكير في اليوم الآخر ما الذي سيحدث وكيف ستكون ردود فعل الناس وهو ما قامت به وسائل التواصل الاجتماعي، ولم يكن موجوداً من قبل، ولذلك نستطيع تأريخ مرحلة ما قبل وسائل التواصل وما بعد وسائل التواصل».
الإعلام المضاد
وحول «هبة» الحديث عن الإعلام المضاد كان لنا وقفة، عبر عنها الجابر بقوله «مازال الحديث عن هذا متداولاً في مقالات الصحف ووسائل إعلام متفرقة، ولكن القدرة على صناعة الإعلام المضاد مازالت بعيدة، وأعتقد أن الحديث عن هذا الموضوع ربما يأتي في الأولوية الثالثة أو الرابعة؛ فما نريده في هذه المرحلة، الوصول إلى اتفاق أكبر حول القضايا الكبيرة التي تجمعنا في الخليج، كالحديث قبل سنتين أو ثلاث حول الوحدة الخليجية على وجه الخصوص، وفتح الحدود على نحو أكبر، والسوق المشتركة، والعملة النقدية؛ فكلها موضوعات بحاجة للتفعيل أولاً وبالتالي يأتي الإعلام، أما بوضع الإعلام في المقدمة كأننا كمن يضع العربة أمام الحصان، سيبقى الحديث عن هذا النوع من الإعلام أو الوحدة الإعلامية مجرد شعار.
وألقينا مراسينا..
إذ وصلنا والدكتور خالد الجابر إلى ضفة خليجية آمنة، تنشد الأمن الإعلامي على نحو أفضل، وتفتش عن الوصفة السرية للصناعة الإعلامية التي نفتقدها في الخليج العربي. مع الدكتور خالد الحديث يبدو أكثر تشويقاً يكفله تقارب الأعمار، فيعلو الصوت الشبابي المتخصص الواعي، على نحو أعلى من المكاشفة والمصارحة والمصداقية التي تتحلى بها روح الشباب. أخذنا معه في رحلة مرهقة، ولكنها ماتعة ورصينة في آن، تفحصنا من خلالها خبايا الإعلام، ووقفنا على منزلقاته الخطيرة، حتى خشينا على أنفسنا ذات لحظة أن يجرنا إلى متاهاته بما يصنعه من ألق الأضواء، تمعنا في تقييمه الدقيق الفاحص لنستشرف آفاقاً للمستقبل، ونستخرج التوصيات من عميق طرحه. التقيته زميلاً في قاعات المؤتمرات ومجموعات الحوار الاستراتيجي الخليجي، عرفته إنساناً بسيطاً ودوداً، ولكن ما تلبث أن تحادثه لبرهة حتى تكتشف أنه يخفي خلف تلك الملامح الهادئة، عمقاً فريداً في الرؤى الإعلامية الخليجية، وروحاً أكثر انفتاحاً على المتغيرات كانفتاحها على الثقافات الأخرى.