القول «إن بلادنا تتعرض إلى محاولات لزعزعة الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي وخلخلة الأسس والثوابت التي يستند إليها المجتمع»، قول للأسف صحيح ويتوفر عليه الكثير من الأدلة والبراهين، فهناك من يسعى إلى فعل كل ذلك، وهناك من يتعاون معه أملاً في تحقيق المكاسب التي وعد بها.

ما جرى في السنوات الست الأخيرة لم يكن الغرض منه سوى زعزعة الاستقرار وخلخلة الأسس والثوابت، فمن دون تحقق هذا الأمر لا يمكن تحقيق الغاية التي لم تعد خافية، وهذا هو بالتحديد جوهر الصراع بين الحكومة التي تبذل كل الجهود كي تمنع ذلك الأمر من التحقق وتحافظ على الوطن وتاريخه ومستقبله وتحفظ الشعب المسؤولة عنه وبين من يسعى إلى تحقيق ذلك المأرب الذي لا يمكن أن يحققه مهما فعل.

ما ينبغي التأكيد عليه هو أن كل ما تقوم به الحكومة منذ سنوات الغرض منه هو منع زعزعة الاستقرار وإفشال كل من يسعى إلى ذلك، وهي في سبيل تحقيق هذا الأمر من الطبيعي أنها تستخدم كل الأدوات المتاحة وأبرزها القانون الذي يعد السلاح الأهم في هذه المعركة، وهو ما تقوم به الحكومة رغم قدرتها على الاستفادة من أدوات أخرى كثيرة لا تتردد الدول عن استخدامها في مثل هكذا ظروف.

في ظروف كالتي تمر بها البحرين يمكن للحكومة أن تتخذ قرارات كثيرة ولا يمكن لأحد أن يلومها، لكنها مع هذا لا تفعل وإنما تلجأ إلى القانون لتؤكد احترامها له وليأخذ مجراه ويكون الفيصل في كل نزاع، فالبحرين دولة مؤسسات ودولة قانون ومن يقول بغير هذا يغالط نفسه.

من السهل أن تتخذ الحكومة قراراً بمنع هذه المؤسسة المجتمعية أو السياسية أو الاقتصادية أو تلك من ممارسة نشاطها أو التضييق عليها، لكنها لا تفعل ذلك وتلجأ بدلاً منه إلى القضاء الذي يطبق القانون فيحكم لها أو لمن رفعت ضده الشكوى. هذا ما حدث مع إحدى الجمعيات السياسية قبل حين والتي حكم القضاء ضدها، وهذا ما يحدث مع جمعية أخرى رفعت وزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف أخيراً ضدها قضية وطالبت بحلها لأسباب أوضحتها في بيان صدر عنها، وبالتأكيد يصعب التنبؤ بما ستقرره المحكمة والذي لن تجد الحكومة معه بداً من قبوله والالتزام به حتى لو كان رفض الشكوى وليس الحكم لصالح الآخر فقط.

المتابع للطرق التي تعالج بها بعض الحكومات مشكلاتها وتتعامل فيها مع «المعارضة» وخصوصاً الحكومة في إيران يسهل عليه تبين أهمية اتخاذ القانون حكماً كما هو الحال في البحرين التي يدهش المراقب من صبر حكومتها وحكمة قادتها رغم أن التطورات التي شهدتها البلاد في السنين الأخيرة توفر الأسباب التي تجعل الدولة تتعامل مع ما يجري بشكل مختلف. كان أحد المثقفين البحرينيين يردد دائماً ما ملخصه لو أن فلاناً أو علاناً مواطن في دولة أخرى غير خليجية لتم شنقه أمام الملأ بسبب ما قاله فقط وليس بسبب ما فعله، منبهاً إلى النعمة التي يعيشها كل من له رأي وموقف مختلف في دول مجلس التعاون الخليجي كافة، والدليل هو ما تقوم به الحكومة هنا حيث توفر للآخر فرصة الدفاع عن نفسه ورأيه وموقفه أمام القضاء الذي لا يركن إلا إلى القانون فيحكم له أو لها، مؤكدة بذلك حرصها على الحفاظ على واحد من أهم الأسس والثوابت التي يستند إليها مجتمع البحرين ودول مجلس التعاون.

ما يسمعه العالم عن حالات اعتقال وتوقيف وأحكام بالسجن وغيره وتعامل الأجهزة الأمنية مع المخربين والإرهابيين تحدث في البحرين كله صحيح، ولكن كل ذلك يتم بالقانون وإنفاذاً له وتأكيداً على هذا النهج الحضاري.