حسن الستري
مررت لجنة الشؤون المالية والاقتصادية بمجلس النواب تشريعاً يلزم ديوان الرقابة المالية والإدارية بإحالة أي مخالفة انطوت على جريمة جنائية إلى النيابة العامة دون الإخلال بالمسؤولية التأديبية، بحيث تصبح الإحالة إلى النيابة العامة بعد التعديل المقترح "وجوبية" بعد أن كانت "جوازية" في النص السابق المطلوب استبداله، وهو ما رأى الديوان عدم جدواه.
ودعا مجلس النواب لأن يمارس صلاحياته الرقابية بفعالية على الجهات الخاضعة للرقابة، والتعامل مع ملاحظات الديوان وتوصياته بجدية، والتحقيق في المخالفات المالية والإدارية بحيادية
ويهدف مشروع قانون بتعديل المادة "11" من المرسوم بقانون رقم "16" لسنة 2002 بشأن ديوان الرقابة المالية والإدارية، لتعزيز دور ديوان الرقابة المالية والإدارية في المساءلة وحماية المال العام، ومعاونة مجلس النواب في مهمة الرقابة والمحاسبة، والمحافظة على وظيفة ديوان الرقابة المالية والإدارية في كونه جهاز تدقيق وليس تحقيقاً، وتكريس مفهوم الحيادية والموضوعية في التعامل مع المخالفات، ومسايرة التشريعات الحديثة التي أوجبت على أجهزة المحاسبة والتدقيق إحالة المخالفات الجنائية إلى النيابة العامة.
وارتأت الحكومة إعادة النظر في مشروع القانون المذكور، لأن اختصاصات ديوان الرقابة المالية والإدارية تتحدد في معاونة الحكومة ومجلس النواب على رقابة تحصيل إيرادات الدولة وإنفاق مصروفاتها في حدود الميزانية، وهي اختصاصات رقابية شاملة يقوم الديوان بمباشرتها عن طريق التدقيق والتفتيش والفحص والمراجعة.
وعليه فإن الديوان ليس جهة اتهام أساساً ولا يختص بالتحقيق في المخالفات المالية والإدارية، ففي حال وجود دلائل جدية على وجود جريمة جنائية فإن دور الديوان يقتصر على إحالة الأمر إلى الجهات المختصة بتحريك الدعوى الجنائية، وهو أمر جوازي للديوان، ولذلك فإن التعديل الوارد بمشروع القانون المذكور لا يتضمن إضافة جوهرية إلى صلاحيات الديوان، إضافة إلى أن الديوان يعمل به حالياً.
وبينت الحكومة أن التحقيق الذي تجريه الجهات الخاضعة لرقابة الديوان يعتبر جهداً مكملاً ولازماً لأعمال الرقابة التي يقوم بها الديوان للتأكد من توافر الأدلة الجدية لوجود جريمة جنائية يكون من شأنها وجوب إحالة المخالفات المالية والإدارية إلى النيابة العامة لتحريك الدعوى الجنائية.
وأكدت التزام الديوان منذ إنشائه بإحالة جميع المخالفات التي توافرت لديه أدلة جدية على أنها تنطوي على جرائم جنائية إلى النيابة العامة، ولذلك لا جدوى من التعديل المقترح، وذلك لأن هذا المنحى سيؤثر سلباً على ثقة المجتمع بمصداقية الديوان ومهنيته، وعلى علاقته مع الجهات الخاضعة لرقابته.
وذكرت الحكومة أن التقيد بتوافر الأدلة الجدية كشرط لإحالة الجرائم الجنائية إلى النيابة العامة جاء من باب حرص المشرع على عدم أخذ الأشخاص "الطبيعيين والاعتباريين" بالشبهات إضافة إلى ضرورة مراعاة مستوى أو قيمة أدلة الإثبات للحد من حفظ البلاغات وإعادة الأوراق إلى الديوان وذلك قبل أن تجري الجهة الخاضعة للرقابة التحقيق فيها.
وبينت أن التعامل بجديه مع ملاحظات الديوان وتوصياته سيؤدي إلى تقليص المخالفات المالية والإدارية ومظاهر الإخلال الوظيفي في الخدمة العامة، إضافة إلى أن استنهاض الجهات الخاضعة للرقابة لإجراء التحقيق في المخالفات المالية والإدارية، واتخاذ الإجراءات اللازمة بشأن المخالفين سيمكن القانون من معاقبة المخالفين وفقاً للقانون دون الحاجة إلى التعديل المقترح.
وبينت هيئة التشريع والإفتاء القانوني أن ديوان الرقابة المالية يباشر اختصاصاته بالتدقيق والتفتيش والفحص والمراجعة، ولا يختص بالتحقيق في المخالفات المالية والإدارية أو المخالفات التي تنطوي على جرائم جنائية، وإذا ما توافرت لديه أدلة جدية على وجود جريمة جنائية، فله إحالة الأمر إلى الجهة المختصة بتحريك الدعوى الجنائية، وإذا لم تتوافر الأدلة المطلوبة فإنه يحيل الأمر إلى الجهة الخاضعة للرقابة ذاتها للتحقيق.
وذكرت الهيئة أن من شأن إحالة الديوان لأي مخالفة انطوت على جريمة جنائية إلى النيابة العامة التسبب في أخذ بعض الأشخاص بالشبهات وإصابتهم بالأضرار، كما إن الإحالة إلى النيابة في حد ذاتها قد تستغل للتشهير ببعض طوائف المجتمع، وعليه تم اقتراح النص الآتي للفقرة الثانية من المادة الأولى: "فإذا تبين للديوان وجود أدلة جدية ظاهرة على أن المخالفة تنطوي على جريمة جنائية أحالها إلى النيابة العامة، وذلك دون الإخلال بالمسؤولية التأديبية".
وأكد ديوان الرقابة المالية والإدارية عدم جدوى تعديل المادة "11" من المرسوم بقانون رقم "16" لسنة 2002 بشأن ديوان الرقابة المالية والإدارية لكون المقترح معمول به منذ إنشاء الديوان، مشيراً إلى أن الأجدى لمجلس النواب أن يمارس صلاحياته الرقابية بفعالية على الجهات الخاضعة للرقابة، والتعامل مع ملاحظات الديوان وتوصياته بجدية، والتحقيق في المخالفات المالية والإدارية بحيادية، واتخاذ الإجراءات اللازمة بشأن المخالفين.
وأفاد الديوان بأنه يتولى إبلاغ الجهات الخاضعة لرقابته بالمخالفات المالية والإدارية التي تكشفت له ومطالبتها باتخاذ الإجراءات اللازمة في الموضوع، بما في ذلك تحصيل المبالغ المستحقة لها وإجراء التحقيق في المخالفات وإحالة المخالفين للتأديب أو النيابة على ضوء نتائج التحقيق، وعليه فإن الجهة الخاضعة للرقابة نفسها هي الجهة المختصة بالتحقيق في المخالفات المالية والإدارية سواءً التي تنكشف لها أو يكتشفها الديوان من خلال أعمال الرقابة التي يضطلع بها.
كما يتولى الديوان اختصاصاته عن طريق التدقيق والتفتيش والفحص والمراجعة، وله -إذا ما توافرت لديه أدلة جدية على وجود جريمة جنائية- إحالة الأمر إلى الجهة المختصة بتحريك الدعوى الجنائية، وإذا لم تتوافر لديه الأدلة الجدية المطلوبة، فإنه يحيل الأمر إلى الجهة الخاضعة للرقابة ذاتها للتحقيق وإحالة الأشخاص المخالفين إلى النيابة العامة إذا ما توصل التحقيق إلى وجود الأدلة الجنائية المطلوبة للإحالة، وذلك دون الإخلال بالمسؤولية المدنية للشخص المعني.
وبين الديوان المطالبة بتوافر أدلة جدية كشرط لإحالة الجرائم الجنائية إلى النيابة العامة، جاءت حرصاً على عدم أخذ الأشخاص -المعنويين والاعتباريين- بالشبهات، إضافة إلى ضرورة مراعاة مستوى أو وزن البينة المطلوبة لإثبات الجرم لتفادي شطب البلاغات وإعادة الأوراق إلى الديوان أو الجهة التي أحالت الأمر إلى النيابة لعدم كفاية الأدلة، حيث إن ذلك يتناقض مع مهنية عمل الديوان، ويؤثر سلباً على علاقته مع الجهات الخاضعة لرقابته.