فاطمة عبدالله خليل:
يتردد الحديث عن إخفاقات الإعلام الخليجي حيناً، وعن التحديات التي تواجه الخليج العربي ومحيطه الإقليمي حيناً آخر، ولكن أغلب تلك الأحاديث تدور في فلك الانتقاد والبحث عن سبل للخروج من متاهة تكاد أغلب الطرق فيها مسدودة، أو أعميت الأبصار جزئياً عن رؤية تلك السبل. لقاء هذا الأسبوع مع الدكتور سلطان النعيمي، الخبير في الشؤون الإيرانية، قدّم فيه تشخيصاً دقيقاً لمشكلات الإعلام الخليجي والعربي في تعاطيه مع القضايا الإيرانية وطرق معالجتها، كما أضاء بعض الطرق مقدماً للإعلاميين بعض مفاتيح النجاح في تحقيق الهدف الخليجي العام ومواجهة الإعلام الإيراني المغرض.
الإعلام الخليجي وإدارة الأزمات
لقد كانت البداية نظرة شاملة على مصطلحات حديثة باتت تتداولها وسائل الإعلام وقاعات المؤتمرات والندوات، كالإعلام المضاد وإدارة الأزمات، إلى جانب تقييم أداء الإعلام الخليجي فيما يتعلق بالشأن الإيراني، وقد استهل النعيمي حديثه الشيق بقوله إن "إدارة الأزمات تبدو وكأنها تخصص جديد في دول الخليج، وقد أصبحت تتردد الملاحظات من أطراف متعددة بتقصير الإعلام الخليجي، وهو ما يؤكد أن هناك نوع من الخلل وضرورة إعادة قراءة الإعلام الخليجي والتعامل مع مخرجاته وخصوصاً في الأزمات، لكن إعلام الأزمات يعني إعلام ردة فعل وهو ما لا نحتاجه فنحن؛ نحتاج إلى إعلام ذي بعد وديمومة واستمرارية ويتعامل مع الأزمات ووقت السلم أيضاً مع ما يحدث، وأن يقوم على الاستعداد السابق للأزمة والتعامل معها في حينها على سبيل تخفيف وطأتها ونحتاج لاستراتيجية إعلامية ممتدة لا تتوقع فقط على ردة الفعل لبعض الأحداث ولا بد أن تكون هناك خطوات سابقة ومتوقعة لمثل هذه الأزمات".
وأضاف النعيمي "لا نحتاج إلى إعلام انفعالي يأتي حين وقوع الأزمة من دون تخطيط أو استراتيجية، لأن ردة الفعل هذه تأتي قوية ثم تتلاشى، في حين أن آثار التدخلات الإيرانية ممتدة، ولا يمكن النظر للإعلام كإعلام أزمات أو ردة فعل مؤقتة، وإنما خطة استراتيجية واضحة، تحتم علينا أولاً أن نفهم النظام الإيراني فهم عميق، ما يمكننا من بناء استراتيجية واضحة لإعلامنا، ومنها وضع خطط في إدارة الأزمات بحيوية وديناميكية".
قصور الفهم الخليجي للنظام الإيراني
وفي هذا السياق أشار إلى أنه "يبدو أن هناك نوعاً من عدم فهم الصورة الواضحة لدى الإعلام الخليجي للنظام الإيراني، هناك من يجد بعض التصريحات الإيجابية من النظام الإيراني ويبني عليها، وفي الحقيقة نحتاج إلى مزيد من عمق الفهم للنظام الإيراني، مع الأخذ بالاعتبار أنه ليس في صورة الأنظمة المتعارف عليها، فمنظومة النظام الإيراني تختلف ولذلك نجد هناك تصريحات متضاربة بينها. ولا بد من تفهم الأخطار والتحديات والفرص لبناء استراتيجية واضحة، وإلاَّ ستأتي المخرجات في بعض الأحيان على نحو مغاير لما يجب أن تكون عليه".
وفي إطار هذا الطرح طلبت "الوطن" الاستزادة بحثاً عن مفاتيح الفهم العميق للنظام الإيراني ومواجهته في الإعلام الخليجي، ما دعا النعيمي للاستفاضة في خطابه الموجه للإعلاميين بقوله "لا بد أن ننظر لأمرين، الأول ما يجب علينا عندما نمسك القلم ونكتب، وأعني بالقلم الكتابة الإلكترونية وغيرها، أما الأمر الآخر أن الإعلام الإيراني الحالي مبني على أيديولوجية النظام الإيراني، فما تراه الآن أن النظام الإيراني بعد عام 1979 جاء بفكر الثورة الإسلامية المتحولة إلى جمهورية إسلامية، فبدأ يعمل بمنطلقات إسلامية ويحاول أن يستمر في تحقيق نفوذه في المنطقة بناءً على هذا البعد، إلى جانب أنه قام بتوظيف المذهب الشيعي توظيفاً سياسياً، فدفع بالبعض من هنا باستخدام هذه الطائفية والتباين بين المذاهب والتركيز عليها دون إدراك أن النظام الإيراني يسعى للتحدث عن الطائفية وهو الأمر الذي لم نكن عليه في سنوات ماضية إذا ما عدنا لمعالجاتنا السابقة للقضايا ولم نكن نتعرض للطائفية أو المذاهب، والنقطة الرئيسية التي لا بد أن يدركها الإعلامي أن الإسلامية والمذهبية في إيران مجرد أدوات توظف لتحقيق النفوذ في المنطقة، ومن هذا المنطلق يبدأ باستخدام تلك المصطلحات التي يتلقفها البعض تلقفاً عاطفياً ويعتقد أنها تلامس جميع المسلمين في حين أنه يستخدمها فقط لخدمة مصالحه، لندرك تماماً أن كل ما تقدم هو مجرد غطاء لما يسعى له النظام الإيراني وهو غير ظاهر وأعني البعد القومي لتحقيق النفوذ، ولا يستطيع النظام الإيراني الآن المرتكز على البعد الديني أن يتحدث عن البعد القومي ولكن في قرارة نفسه ما يحققه الآن هو بعد قومي".
وطرح النعيمي بعض الأمثلة المعززة لما ذهب إليه مستعرضاً موقف علي يونسي وهو وزير الاستخبارات السابق ومساعد حسن روحاني، إذ يقول يونسي "إن بغداد عادت عاصمة إيرانية من جديد"، وهو رجل دين، فوزير الاستخبارات في إيران لا يجب أن يصل إلى هذا المنصب إلا إذا كان رجل دين، إلا أن ما قاله جاء من مكنون شخصية البعد القومي ولم يتحدث عن البعد الديني، وإذا فهمنا هذه الأبعاد سندرك تماماً كيف نتعامل معها.
البروباغندا الإيرانية
ووقف النعيمي على لغة الإعلام الإيراني من خلال الدعم الإعلامي لانقلابيي اليمن من قبل إيران وقنواتها الإعلامية، مشيراً إلى أن الإعلام الإيراني كان قد حقق بهذا الدعم استراتيجية النظام الإيراني، لمحاولة التأثير على التحالف العربي الذي دفع وجوده الحالي إلى الحيلولة دون تحقيق أحلام إيران ونفوذه في اليمن. مشيراً إلى أن كثيراً من العناصر إذا عرضناها بطريقة صحيحة ستثبت تدخلات النظام الإيراني في المنطقة وفي اليمن، والتصريحات التي استخدمها الحوثيين والإعلام الإيراني ووصفهم السلطة الشرعية بقولهم إن "عبدربه منصور هادي الهارب من اليمن" أو "المستقيل" كلها مصطلحات توظف لتحقيق غاياتهم، ولا شك أنها تؤثر، فإذا تركت المساحة لهذا الإعلام دون وجود مساحة لإعلام عربي يعرض الحقائق سيكون التأثير كبيراً، لكننا نتوقع أن الإعلام العربي مدرك لذلك ويسعى لمحاولة عرض الحقيقة وعدم ترك المساحة لهذا الإعلام المغرض لكي لا يتحول من مغرض إلى حقائق يتشربها المتلقي حينما لا يجد في المقابل حقائق تشرح وتفند تدخلات النظام الإيراني وسياسته لتحقيقها في المنطقة.
وفند النعيمي تأثير الإعلام على المجتمع الدولي وكيف أنه أداة لتغيير المواقف الدولية تجاه دولة ما إذا ما استخدم بطريقة صحيحة، مستعرضاً البروباغندا الإعلامية الإيرانية التي ترسل رسائل للغرب فيتلقفونها، إذ كنا نشهد هجوم الغرب متهماً إيران بدعم الإرهاب وكونها الراعية الأولى للإرهاب، لكن عندما جاء التنظيم الداعشي إلى شمال العراق وبدأ الحرس الثوري وفيلق القدس بالتدخل في العراق وبدأ قاسم سليماني يظهر إلى الملأ، حدثت تحولات جذرية في الموقف من إيران، ففي الوقت الذي تتهم الولايات المتحدة إيران بمساعدة مرور الإرهابيين وتتهمها بإمدادهم للسلاح، يأتي وزير الخارجية الإيرانية السابق بقوله "إننا نرحب بالمساهمة الإيرانية في محاربة الإرهاب"، فنجح الإعلام الإيراني، ولكن أين الإعلام العربي من ذلك؟!!
إعلام حر وإعلام مضر
وحول السياسة الإعلامية الخليجية المشتركة يتساءل النعيمي في بادئ الأمر إن كنا مدركين ولدينا فهم مشترك لطبيعة التهديدات في المنطقة من النظام الإيراني وغيره، مشيراً إلى أنه "صحيح أن هناك بعض الاختلافات الخليجية في القراءات، ولكن لا بد من وجود قراءة مشتركة إلى أن هناك ثمة مهددات تهدد الكيان الخليجي ككل، إذ لا يوجد دولة بمعزل عن الأخرى، وإذا كانت هذه الصورة واضحة ستتضح صورة الإعلام أكثر"، ثم أشار إلى بعض الأصوات من شذاذ الآفاق في الخليج العربي والتي تنعق في الإعلام باسم الحرية بينما تغرس في كبد الخليج العربي ألف خنجر، فإذا ما منعت قيل بتقويض الحريات الإعلامية وتدني سقف حرية التعبير عن الرأي، بقوله إن "توحيد السياسات الإعلامية الخليجية أو وضع الاستراتيجيات الإعلامية لا يعني أن سيكون هناك كبت للحريات، لكن إذا كان هناك إعلام يضر بدولة ما فلا يمكن الحديث أن هذا الإعلام إعلام حر وإنما إعلام مضر، فإذا كانت هناك بعض الأقلام والآراء ممن تضر دول الخليج وأمنها، فأنا لا أعتقد أن أي عاقل يعتبر إيقافها كبتاً للحريات، فمن الخطوط العريضة التي نتفق عليها جميعاً أن أمن الأوطان وأمن الشعوب الخليجية خط أحمر، وإذا كانت حريتي تقف عند حدود حرية الآخرين، فكيف إذا كان الآخرين هم الوطن والشعوب الخليجية؟!".
مواجهة القوى الناعمة الإيرانية
ولأننا لطالما تلقينا في إعلامنا وفي ندواتنا الكبرى أو المغلقة إشكاليات القوة الناعمة الإيرانية وتأثيراتها على دول الخليج العربية، كان لهذا الموضوع نصيب من حديث "ضفاف الخليج" مع النعيمي، باعتبار أن القوة الناعمة الإيرانية لا تقف عند حدود الإعلام وحده وإنما تمتد للمدارس الدينية والطائفية والأيديولوجيا وغيرها كثير، ولهذا أفادنا بقوله إنه "لكي نتمكن من التغلب على القوة الناعمة الإيرانية أول ما علينا الانتباه له ألا نكون أدوات للنظام الإيراني، فالنظام الإيراني يسعى لأن يحدث شروخاً في المجتمع الخليجي عن طريق تأجيج الطائفية، يأتي البعض دون وعي وإدراك بحالة من العصبية ويبدأ باستخدام ذات العبارات التي يستخدمها النظام الإيراني وهو لا يدرك أنه يحدث شروخ في المنطقة، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان في لقائه الأخير مع ولي العهد البحريني قال "نحن مستمرون في تحقيق التنمية في المنطقة لما يحقق النفع للحكومات وشعوبها"، قال شعوب الخليج ثم نقطة آخر السطر، ولم يصنف المجتمع الخليجي وهذا ما نحن عليه، شعوب الخليج. وحين يستخدم النظام الإيراني أدواته الناعمة اللفظية ونكرر نحن ما يقوله تستمر تلك القوة الناعمة ونحن من نكون لها للأسف الشديد".
هل تنتصر إيران للشيعة؟
لم يكن هذا سؤالاً اعتباطياً عندما تحدثت "الوطن" مع النعيمي، الذي لطالما أكد في لقائه على قومية المشروع الإيراني لا إسلاميته ولا شيعيته، وعندما يؤكد على ما تسعى له إيران من شروخ في النسيج الوطني الخليجي، ولعل من حق شيعة الخليج إجمالاً أن يطلعوا على تلك الآراء حول موقف إيران منهم، ما دعا النعيمي لتفنيد الأمر على نحو موسع في جولة دفاع حامية ومنصفة لشيعة الخليج العربي من المواطنين المخلصين، إذ تمثلت إجابته بالقول "نحن شعوب عربية وخليجية بعيدة عن مسألة الطائفية واستخدامها، وما نقوم بالحديث عنه تصنيف المجتمع بين شيعة وسنة هو ما يسعى له النظام الإيراني تماماً، ولكن إذ أردنا الأخذ بالأمر في السياق التاريخي، فإن الحديث الإيراني عن التشيع إنما هو استخدام وتوظيف مذهبي سياسي، هو لا يتحدث عن المظلومية أو يحمل راية الشيعة إنما يستخدم تلك الأمور كأدوات سياسية".
وعلل النعيمي ما ذهب إليه مستطرداً بقوله "لو كانت منطلقات النظام الإيراني منطلقات عقائدية سليمة فإنه لم يكن ليفرق بين الشيعة في مناطق متفرقة، فبينما هو يدعم شيعة الخليج العربي، هناك شيعة أرمينيا وأذربيجان، فهناك إشكالية منطقة "قربّا"، ورغم أن أرمينيا دولة مسيحية، في حين أن أذربيجان 85% منها شيعة، إلا أن النظام الإيراني وقف مع أرمينيا!! فأين منطلقات نصرة المستضعفين والشيعة؟! إذاً هو يستخدم ويوظف المذهب الشيعي توظيفاً سياسياً والمذهب الشيعي بريءٌ منه، ومن ينتمي إلى هذا المذهب بريء من النظام الإيراني، أما من يأتي من هذا المذهب وينطلق في حضن النظام الإيراني، لا يمكن اتهامه أنه ليس من هذا المذهب وإنما يعمل على توظيفه توظيفاً سياسياً كذلك. وهي دعوة صادقة للكف عن مصطلحات شيعة وسنة والتحدث بمصطلحات صحيحة، والإشارة إلى أن من يقوم بتوظيف المذهب سياسياً للوصول لمآربه هو ما يقوم به النظام الإيراني ومن يدور في فلكه، ومع الإشارة أيضاً أن النظام الإيراني لن يكترث بالتنازل عن من يسير في فلكه إذا تعارض هذا مع بعده القومي وغاية تحقيق النفوذ في المنطقة".
وألقينا مراسينا..
بعد أن وصلنا والنعيمي إلى الطريق نحو خارطة طريق إعلامية تدعو للعمل الجاد نحو الاستراتيجية الإعلامية لمواجهة إيران وكافة الأخطار والمهددات المحدقة بالمنطقة، وقد كان د.سلطان النعيمي سخياً جداً مع "الوطن" في تقديم رؤاه حول الإعلام الإيراني وسبل مواجهته، داعياً بإخلاص نحو التحرك الخليجي إعلامياً كخط موازٍ هام لكثير من التحركات الخليجية المشرفة، وهو ما جعلنا نرسو على ضفة آمنة، تنشد الأمن الإعلامي وصناعة إعلامية مؤثرة موجهة للخارج.
يتردد الحديث عن إخفاقات الإعلام الخليجي حيناً، وعن التحديات التي تواجه الخليج العربي ومحيطه الإقليمي حيناً آخر، ولكن أغلب تلك الأحاديث تدور في فلك الانتقاد والبحث عن سبل للخروج من متاهة تكاد أغلب الطرق فيها مسدودة، أو أعميت الأبصار جزئياً عن رؤية تلك السبل. لقاء هذا الأسبوع مع الدكتور سلطان النعيمي، الخبير في الشؤون الإيرانية، قدّم فيه تشخيصاً دقيقاً لمشكلات الإعلام الخليجي والعربي في تعاطيه مع القضايا الإيرانية وطرق معالجتها، كما أضاء بعض الطرق مقدماً للإعلاميين بعض مفاتيح النجاح في تحقيق الهدف الخليجي العام ومواجهة الإعلام الإيراني المغرض.
الإعلام الخليجي وإدارة الأزمات
لقد كانت البداية نظرة شاملة على مصطلحات حديثة باتت تتداولها وسائل الإعلام وقاعات المؤتمرات والندوات، كالإعلام المضاد وإدارة الأزمات، إلى جانب تقييم أداء الإعلام الخليجي فيما يتعلق بالشأن الإيراني، وقد استهل النعيمي حديثه الشيق بقوله إن "إدارة الأزمات تبدو وكأنها تخصص جديد في دول الخليج، وقد أصبحت تتردد الملاحظات من أطراف متعددة بتقصير الإعلام الخليجي، وهو ما يؤكد أن هناك نوع من الخلل وضرورة إعادة قراءة الإعلام الخليجي والتعامل مع مخرجاته وخصوصاً في الأزمات، لكن إعلام الأزمات يعني إعلام ردة فعل وهو ما لا نحتاجه فنحن؛ نحتاج إلى إعلام ذي بعد وديمومة واستمرارية ويتعامل مع الأزمات ووقت السلم أيضاً مع ما يحدث، وأن يقوم على الاستعداد السابق للأزمة والتعامل معها في حينها على سبيل تخفيف وطأتها ونحتاج لاستراتيجية إعلامية ممتدة لا تتوقع فقط على ردة الفعل لبعض الأحداث ولا بد أن تكون هناك خطوات سابقة ومتوقعة لمثل هذه الأزمات".
وأضاف النعيمي "لا نحتاج إلى إعلام انفعالي يأتي حين وقوع الأزمة من دون تخطيط أو استراتيجية، لأن ردة الفعل هذه تأتي قوية ثم تتلاشى، في حين أن آثار التدخلات الإيرانية ممتدة، ولا يمكن النظر للإعلام كإعلام أزمات أو ردة فعل مؤقتة، وإنما خطة استراتيجية واضحة، تحتم علينا أولاً أن نفهم النظام الإيراني فهم عميق، ما يمكننا من بناء استراتيجية واضحة لإعلامنا، ومنها وضع خطط في إدارة الأزمات بحيوية وديناميكية".
قصور الفهم الخليجي للنظام الإيراني
وفي هذا السياق أشار إلى أنه "يبدو أن هناك نوعاً من عدم فهم الصورة الواضحة لدى الإعلام الخليجي للنظام الإيراني، هناك من يجد بعض التصريحات الإيجابية من النظام الإيراني ويبني عليها، وفي الحقيقة نحتاج إلى مزيد من عمق الفهم للنظام الإيراني، مع الأخذ بالاعتبار أنه ليس في صورة الأنظمة المتعارف عليها، فمنظومة النظام الإيراني تختلف ولذلك نجد هناك تصريحات متضاربة بينها. ولا بد من تفهم الأخطار والتحديات والفرص لبناء استراتيجية واضحة، وإلاَّ ستأتي المخرجات في بعض الأحيان على نحو مغاير لما يجب أن تكون عليه".
وفي إطار هذا الطرح طلبت "الوطن" الاستزادة بحثاً عن مفاتيح الفهم العميق للنظام الإيراني ومواجهته في الإعلام الخليجي، ما دعا النعيمي للاستفاضة في خطابه الموجه للإعلاميين بقوله "لا بد أن ننظر لأمرين، الأول ما يجب علينا عندما نمسك القلم ونكتب، وأعني بالقلم الكتابة الإلكترونية وغيرها، أما الأمر الآخر أن الإعلام الإيراني الحالي مبني على أيديولوجية النظام الإيراني، فما تراه الآن أن النظام الإيراني بعد عام 1979 جاء بفكر الثورة الإسلامية المتحولة إلى جمهورية إسلامية، فبدأ يعمل بمنطلقات إسلامية ويحاول أن يستمر في تحقيق نفوذه في المنطقة بناءً على هذا البعد، إلى جانب أنه قام بتوظيف المذهب الشيعي توظيفاً سياسياً، فدفع بالبعض من هنا باستخدام هذه الطائفية والتباين بين المذاهب والتركيز عليها دون إدراك أن النظام الإيراني يسعى للتحدث عن الطائفية وهو الأمر الذي لم نكن عليه في سنوات ماضية إذا ما عدنا لمعالجاتنا السابقة للقضايا ولم نكن نتعرض للطائفية أو المذاهب، والنقطة الرئيسية التي لا بد أن يدركها الإعلامي أن الإسلامية والمذهبية في إيران مجرد أدوات توظف لتحقيق النفوذ في المنطقة، ومن هذا المنطلق يبدأ باستخدام تلك المصطلحات التي يتلقفها البعض تلقفاً عاطفياً ويعتقد أنها تلامس جميع المسلمين في حين أنه يستخدمها فقط لخدمة مصالحه، لندرك تماماً أن كل ما تقدم هو مجرد غطاء لما يسعى له النظام الإيراني وهو غير ظاهر وأعني البعد القومي لتحقيق النفوذ، ولا يستطيع النظام الإيراني الآن المرتكز على البعد الديني أن يتحدث عن البعد القومي ولكن في قرارة نفسه ما يحققه الآن هو بعد قومي".
وطرح النعيمي بعض الأمثلة المعززة لما ذهب إليه مستعرضاً موقف علي يونسي وهو وزير الاستخبارات السابق ومساعد حسن روحاني، إذ يقول يونسي "إن بغداد عادت عاصمة إيرانية من جديد"، وهو رجل دين، فوزير الاستخبارات في إيران لا يجب أن يصل إلى هذا المنصب إلا إذا كان رجل دين، إلا أن ما قاله جاء من مكنون شخصية البعد القومي ولم يتحدث عن البعد الديني، وإذا فهمنا هذه الأبعاد سندرك تماماً كيف نتعامل معها.
البروباغندا الإيرانية
ووقف النعيمي على لغة الإعلام الإيراني من خلال الدعم الإعلامي لانقلابيي اليمن من قبل إيران وقنواتها الإعلامية، مشيراً إلى أن الإعلام الإيراني كان قد حقق بهذا الدعم استراتيجية النظام الإيراني، لمحاولة التأثير على التحالف العربي الذي دفع وجوده الحالي إلى الحيلولة دون تحقيق أحلام إيران ونفوذه في اليمن. مشيراً إلى أن كثيراً من العناصر إذا عرضناها بطريقة صحيحة ستثبت تدخلات النظام الإيراني في المنطقة وفي اليمن، والتصريحات التي استخدمها الحوثيين والإعلام الإيراني ووصفهم السلطة الشرعية بقولهم إن "عبدربه منصور هادي الهارب من اليمن" أو "المستقيل" كلها مصطلحات توظف لتحقيق غاياتهم، ولا شك أنها تؤثر، فإذا تركت المساحة لهذا الإعلام دون وجود مساحة لإعلام عربي يعرض الحقائق سيكون التأثير كبيراً، لكننا نتوقع أن الإعلام العربي مدرك لذلك ويسعى لمحاولة عرض الحقيقة وعدم ترك المساحة لهذا الإعلام المغرض لكي لا يتحول من مغرض إلى حقائق يتشربها المتلقي حينما لا يجد في المقابل حقائق تشرح وتفند تدخلات النظام الإيراني وسياسته لتحقيقها في المنطقة.
وفند النعيمي تأثير الإعلام على المجتمع الدولي وكيف أنه أداة لتغيير المواقف الدولية تجاه دولة ما إذا ما استخدم بطريقة صحيحة، مستعرضاً البروباغندا الإعلامية الإيرانية التي ترسل رسائل للغرب فيتلقفونها، إذ كنا نشهد هجوم الغرب متهماً إيران بدعم الإرهاب وكونها الراعية الأولى للإرهاب، لكن عندما جاء التنظيم الداعشي إلى شمال العراق وبدأ الحرس الثوري وفيلق القدس بالتدخل في العراق وبدأ قاسم سليماني يظهر إلى الملأ، حدثت تحولات جذرية في الموقف من إيران، ففي الوقت الذي تتهم الولايات المتحدة إيران بمساعدة مرور الإرهابيين وتتهمها بإمدادهم للسلاح، يأتي وزير الخارجية الإيرانية السابق بقوله "إننا نرحب بالمساهمة الإيرانية في محاربة الإرهاب"، فنجح الإعلام الإيراني، ولكن أين الإعلام العربي من ذلك؟!!
إعلام حر وإعلام مضر
وحول السياسة الإعلامية الخليجية المشتركة يتساءل النعيمي في بادئ الأمر إن كنا مدركين ولدينا فهم مشترك لطبيعة التهديدات في المنطقة من النظام الإيراني وغيره، مشيراً إلى أنه "صحيح أن هناك بعض الاختلافات الخليجية في القراءات، ولكن لا بد من وجود قراءة مشتركة إلى أن هناك ثمة مهددات تهدد الكيان الخليجي ككل، إذ لا يوجد دولة بمعزل عن الأخرى، وإذا كانت هذه الصورة واضحة ستتضح صورة الإعلام أكثر"، ثم أشار إلى بعض الأصوات من شذاذ الآفاق في الخليج العربي والتي تنعق في الإعلام باسم الحرية بينما تغرس في كبد الخليج العربي ألف خنجر، فإذا ما منعت قيل بتقويض الحريات الإعلامية وتدني سقف حرية التعبير عن الرأي، بقوله إن "توحيد السياسات الإعلامية الخليجية أو وضع الاستراتيجيات الإعلامية لا يعني أن سيكون هناك كبت للحريات، لكن إذا كان هناك إعلام يضر بدولة ما فلا يمكن الحديث أن هذا الإعلام إعلام حر وإنما إعلام مضر، فإذا كانت هناك بعض الأقلام والآراء ممن تضر دول الخليج وأمنها، فأنا لا أعتقد أن أي عاقل يعتبر إيقافها كبتاً للحريات، فمن الخطوط العريضة التي نتفق عليها جميعاً أن أمن الأوطان وأمن الشعوب الخليجية خط أحمر، وإذا كانت حريتي تقف عند حدود حرية الآخرين، فكيف إذا كان الآخرين هم الوطن والشعوب الخليجية؟!".
مواجهة القوى الناعمة الإيرانية
ولأننا لطالما تلقينا في إعلامنا وفي ندواتنا الكبرى أو المغلقة إشكاليات القوة الناعمة الإيرانية وتأثيراتها على دول الخليج العربية، كان لهذا الموضوع نصيب من حديث "ضفاف الخليج" مع النعيمي، باعتبار أن القوة الناعمة الإيرانية لا تقف عند حدود الإعلام وحده وإنما تمتد للمدارس الدينية والطائفية والأيديولوجيا وغيرها كثير، ولهذا أفادنا بقوله إنه "لكي نتمكن من التغلب على القوة الناعمة الإيرانية أول ما علينا الانتباه له ألا نكون أدوات للنظام الإيراني، فالنظام الإيراني يسعى لأن يحدث شروخاً في المجتمع الخليجي عن طريق تأجيج الطائفية، يأتي البعض دون وعي وإدراك بحالة من العصبية ويبدأ باستخدام ذات العبارات التي يستخدمها النظام الإيراني وهو لا يدرك أنه يحدث شروخ في المنطقة، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان في لقائه الأخير مع ولي العهد البحريني قال "نحن مستمرون في تحقيق التنمية في المنطقة لما يحقق النفع للحكومات وشعوبها"، قال شعوب الخليج ثم نقطة آخر السطر، ولم يصنف المجتمع الخليجي وهذا ما نحن عليه، شعوب الخليج. وحين يستخدم النظام الإيراني أدواته الناعمة اللفظية ونكرر نحن ما يقوله تستمر تلك القوة الناعمة ونحن من نكون لها للأسف الشديد".
هل تنتصر إيران للشيعة؟
لم يكن هذا سؤالاً اعتباطياً عندما تحدثت "الوطن" مع النعيمي، الذي لطالما أكد في لقائه على قومية المشروع الإيراني لا إسلاميته ولا شيعيته، وعندما يؤكد على ما تسعى له إيران من شروخ في النسيج الوطني الخليجي، ولعل من حق شيعة الخليج إجمالاً أن يطلعوا على تلك الآراء حول موقف إيران منهم، ما دعا النعيمي لتفنيد الأمر على نحو موسع في جولة دفاع حامية ومنصفة لشيعة الخليج العربي من المواطنين المخلصين، إذ تمثلت إجابته بالقول "نحن شعوب عربية وخليجية بعيدة عن مسألة الطائفية واستخدامها، وما نقوم بالحديث عنه تصنيف المجتمع بين شيعة وسنة هو ما يسعى له النظام الإيراني تماماً، ولكن إذ أردنا الأخذ بالأمر في السياق التاريخي، فإن الحديث الإيراني عن التشيع إنما هو استخدام وتوظيف مذهبي سياسي، هو لا يتحدث عن المظلومية أو يحمل راية الشيعة إنما يستخدم تلك الأمور كأدوات سياسية".
وعلل النعيمي ما ذهب إليه مستطرداً بقوله "لو كانت منطلقات النظام الإيراني منطلقات عقائدية سليمة فإنه لم يكن ليفرق بين الشيعة في مناطق متفرقة، فبينما هو يدعم شيعة الخليج العربي، هناك شيعة أرمينيا وأذربيجان، فهناك إشكالية منطقة "قربّا"، ورغم أن أرمينيا دولة مسيحية، في حين أن أذربيجان 85% منها شيعة، إلا أن النظام الإيراني وقف مع أرمينيا!! فأين منطلقات نصرة المستضعفين والشيعة؟! إذاً هو يستخدم ويوظف المذهب الشيعي توظيفاً سياسياً والمذهب الشيعي بريءٌ منه، ومن ينتمي إلى هذا المذهب بريء من النظام الإيراني، أما من يأتي من هذا المذهب وينطلق في حضن النظام الإيراني، لا يمكن اتهامه أنه ليس من هذا المذهب وإنما يعمل على توظيفه توظيفاً سياسياً كذلك. وهي دعوة صادقة للكف عن مصطلحات شيعة وسنة والتحدث بمصطلحات صحيحة، والإشارة إلى أن من يقوم بتوظيف المذهب سياسياً للوصول لمآربه هو ما يقوم به النظام الإيراني ومن يدور في فلكه، ومع الإشارة أيضاً أن النظام الإيراني لن يكترث بالتنازل عن من يسير في فلكه إذا تعارض هذا مع بعده القومي وغاية تحقيق النفوذ في المنطقة".
وألقينا مراسينا..
بعد أن وصلنا والنعيمي إلى الطريق نحو خارطة طريق إعلامية تدعو للعمل الجاد نحو الاستراتيجية الإعلامية لمواجهة إيران وكافة الأخطار والمهددات المحدقة بالمنطقة، وقد كان د.سلطان النعيمي سخياً جداً مع "الوطن" في تقديم رؤاه حول الإعلام الإيراني وسبل مواجهته، داعياً بإخلاص نحو التحرك الخليجي إعلامياً كخط موازٍ هام لكثير من التحركات الخليجية المشرفة، وهو ما جعلنا نرسو على ضفة آمنة، تنشد الأمن الإعلامي وصناعة إعلامية مؤثرة موجهة للخارج.