مريم محمد غلوم:
بين الإبرة والخيط قضى الحاج أحمد حسن عبدالله نحو 65 عاماً من عمره، كان في العاشرة حينما تعلم من والده أن الخياطة فن لا يقل براعة وإبداعاً عن فنون الرسم والنحت والتشكيل وهي أيضاً علم يحتاج للدراسة والتعلم والورقة والقلم.. ومن سوق المنامة بدأ الحاج أحمد مشواره الطويل مع الخياطة وكانت أولى خطواته عام 1967 حينما عمل لمدة 6 أشهر على متن باخرة تابعة لإحدى الشركات الأمريكية لتنقيب البترول وكان عمره لا يتجاوز آنذاك 25 سنة..
الحاج أحمد هو خير من تسأله عن الفارق بين تنوع الأذواق في الثوب، فهناك من يريد تفصيل الثوب القطري "بو كلر" أو الثوب البحريني الذي لا تظهر فيه الأزرار أو الكويتي "بو جفستين" أو الحجازي "بو زرارين" أو الإماراتي "دون كلر".
من اليابان كان يأتي الحاج أحمد بأقمشته، إلا أنه الآن يستورد من عدة بلدان كالهند وباكستان وتايلند والفيتنام وكوريا الجنوبية وإندونيسيا وماليزيا... تفاصيل كثيرة يحكيها الحاج أحمد أقدم خياطي سوق المنامة لـ"الوطن" حول مشواره الطويل مع الإبرة والخيط ....
= متى بدأت الخياطة؟
-بدأت العمل في الخياطة منذ الصغر عام 1952، كنت في العاشرة من عمري عندما أمسكت الخيط والإبرة لأول مرة وتعلمتها بسرعة، وعمل والدي خياطاً وكان يصطحبني معه إلى دكانه في سوق المنامة وعلمني الخياطة وجعلني أمارسها بشكل يومي حتى أتقنتها. شاركت والدي العمل حتى وفاته عام 1975 ولا أزال أعمل إلى يومنا هذا.
=هل عمل والدك في نفس المحل الذي تعمل به اليوم؟
-نعم عمل والدي قبلي بثلاثين سنة في نفس هذا المكان، لم يتغير مكان المحل منذ تلك الفترة فقط قمت بتجديد بنيان المحل ليصبح على شكله اليوم، وأعتبر الخياطة بداية حياتي المهنية فهي أول عمل مارسته. في سنة 1967 عملت لمدة 6 أشهر على متن باخرة تابعة لإحدى الشركات الأمريكية لتنقيب البترول، كان عمري آنذاك 25 سنة.
=من هم زبائنك؟
- يتردد الزبائن من مختلف المناطق في البحرين وتحديداً المحرق ومدينة عيسى والرفاع، وقد قل الزبائن من المنامة مقارنةً بالسابق. كما يأتيني زبائن من بعض دول الخليج العربي من كل الأعمار.
=ما الفرق بين الأذواق في السابق واليوم؟
-في السابق كان الزبون يفضل الثوب الجاهز ولا يطلب مني أخذ قياساته لتفصيل الثوب بحيث يناسبه تماماً. والآن تتنوع الأذواق فهناك من يريد تفصيل الثوب القطري (بو كلر) أو الثوب البحريني الذي لا تظهر فيه الأزرار أو الكويتي (بو جفستين) أو الحجازي (بو زرارين) أو الإماراتي (بدون كلر). الثياب الحجازية والإماراتية هي أكثر ما يطلبه زبائني.
=زيارات لم تتوقعها لتفصيل الملابس الرجالية؟
-زيارة صاحب فندق أرادوس بشارع التجار في السبعينات لم تكن في الحسبان فقد تفاجأت بزيارته وفرحت عندما أثنى على الثياب التي خيطتها له وزياراته المتكررة بعد ذلك. ذهب هذا الرجل إلى رحمة الله ولكن مازال أبناؤه يتذكرونني ويلقون التحية عندما أراهم. ولا أنسى أيضاً ذلك السائح الأجنبي الذي زار المحل واشترى ثوباً جاهزاً كذكرى من البحرين، كنت متعجباً وسعيداً!
=ذكريات لا تنساها خلال عملك خياطاً؟.
-لن أنسى "قاسم" العامل الوفي الذي عاد إلى بلده سنة 2009 بعد أن عمل معي لمدة 35 سنة، كان يأخذ مكاني عندما أمرض أو أسافر ويقوم بعمله على أتم وجه. لا أنسى المناسبات السعيدة كالأعياد نظراً لكثرة تردد الزبائن على السوق والمحل. اليوم لم يعد السوق نشيطاً كالسابق عندما كان المركز الرئيس للتسوق وكان مكاناً لأفضل الخياطين. لذا تعيد لي هذه المناسبات الذكريات الجميلة لهذا السوق.
=كيف كانت الأسعار بين الماضي والحاضر؟
-تغيرت الأسعار كثيراً، في السابق كان الثوب يباع بحدود 3 إلى 5 دنانير وبالكثير 7 دنانير، أما اليوم نبيعه بين 10 إلى 15 دينار.
=من أين تستوردون الأقمشة؟
-في السابق كنا نستورد من اليابان فقط. الآن صرنا نستورد من عدة بلدان كالهند وباكستان وتايلند والفيتنام وكوريا الجنوبية وإندونيسيا وماليزيا. بالنسبة لي أفضل الأقمشة اليابانية والكورية.
=لماذا يلجأ بعض الزبائن إلى إحضار الأقمشة من الكويت؟
-ليس الكويت فحسب بل من دول الخليج الأخرى، وذلك لرخص الأسعار أو لأنها جاءتهم كهدية من أقاربهم أو أصدقائهم.
=هل تؤيد إضافة التطريز إلى الثياب؟
-بالتأكيد، فلكل شخص ذوقه الخاص وأكثر الشباب الذين يفصلون الثياب عندي يفضلون التطريز بالرغم من كونه متعباً ويأخذ قرابة ساعة لإتمامه. والتطريز جديد نسبياً فقد ظهر في الثمانينات.
=باعتقادك لماذا تنتشر مهنة الخياطة عند الأجانب؟
-الحقيقة أن مهنة الخياطة كانت بيد البحرينيين، كنا نجلب الأجانب لمعاونتنا يتعلم هؤلاء الخياطة أكثر معنا. عند انتهاء مدة العمل يعود العامل إلى بلده أو يبقى هنا ليعمل لدى خياط آخر أو يجلب عمالاً من بلده ليعلمهم ويزاولوا العمل هنا. بعض العمال الذين عملوا عندي لديهم اليوم محلات خياطة ينافسونني فيها. واستمرت العملية حتى زاد عددهم لدرجة سيطرتهم على هذه المهنة كما نرى اليوم.
=هل هناك منافسة بين الخياط البحريني والخياط الأجنبي؟
-نعم توجد منافسة. كما ذكرت الخياط الأجنبي بعد أن ينتهي من العمل معنا قد يبقى ليواصل العمل هنا ويجلب عمالاً من بلده ليعلمهم الخياطة بأقل كلفة. فالخياط الأجنبي مسيطر على الخياطة، ويعمل غالباً لوحده دون الاستعانة بعامل، وإن استعان به فلا يكلفه الكثير نظراً للاتفاق المسبق عكس الخياط البحريني الذي يستعين بعامل فيدفع أكثر من أجل ذلك. ونتيجة لذلك يبيع الأجنبي الثياب بأسعار أقل منا.
= هل هناك داعٍ لإنشاء معهد متخصص لتعليم الشباب خياطة الثياب الرجالية؟
-نعم، ولكن لن يتعلم شباب هذا اليوم الخياطة بسهولة، لأن إتقانها صعب وتحتاج إلى سنة على الأقل من الممارسة المستمرة لتعلمها ولم تعد رغبة للشباب في العمل بالمهن الصعبة كالخياطة، حتى أولادي لا يرغبون في تعلمها.
=هل يجد الخياطون اهتماماً كافياً من وسائل الإعلام؟
-نعم نجد الاهتمام الكافي من وسائل الإعلام، فيأتينا الصحفيون من كل صحف البحرين لإجراء المقابلات أو أخذ آرائنا. لا أرى بأن هناك مشكلات تواجهنا وتحتاج تفاعلاً من الرأي العام.
=برأيك، هل يحتاج الخياطون إلى جمعية تربطهم؟
-لا داعي لذلك، لا يتجاوز عدد الخياطين البحرينيين اليوم في سوق المنامة 8 خياطين. ولا تواجهنا أي مشكلات. من رأيي ممكن أن تكون الجمعية سبباً للمشكلات في حال اتفقنا على سعر موحد أو شركة موحدة نستورد منها. فلكل خياط الحرية في التصرف بتجارته كما يشاء وفقاً لإمكانياته.
=ما هي توقعاتك المستقبلية لبيع الثياب؟
-بالنسبة لبيع الثياب في سوق المنامة أرى أنها ستتراجع. أولاً لزيادة السجلات التجارية وانتشار الخياطة في كل مناطق البحرين. ثانياً لعدم وجود مواقف للسيارات في سوق المنامة. كما يفضل الشباب اليوم البنطلونات والبدلات أكثر لأنها تناسبهم وتريحهم أكثر.