لا ندري كم بلغ عدد الخلايا التي قبض عليها منذ أحداث الثمانينات إلى اليوم إذ فقدنا القدرة على العد، فبعد الثمانينات تلتها أحداث التسعينات التي قبض فيها على أكثر من خلية، جاءت الألفية الثانية بعفو عام وقلنا انتهينا، وها نحن في مسلسل متواصل منذ فبراير 2011 إلى اليوم والأجهزة الأمنية مازالت تقبض على الخلايا الواحدة تلو الأخرى وآخرها أمس الأول.

نحن نتحدث عن مئات من الشباب نجحت إيران في تجنيدهم، مئات منهم بل الآلاف منخرط في تنظيمات مسلحة، نحن نتحدث عن تجنيد وتدريب وتمويل، نحن نتحدث عن عنف وإرهاب، نحن نتحدث عن تهريب أسلحة وتخزينها، نحن نتحدث عن تفجيرات وعمليات اغتيال، نحن نتحدث عن سفر وتنقل بعلم الأهل وبعلم الأسر وبعلم العديد من الأفراد من تستر عليهم، سبعة وثلاثون عاماً أليست كافية للإقرار بأن هناك مشكلة؟

إقامة دولة العدل الإسلامية سنية كانت أو شيعية هو الذي يقف وراء تجنيد الشباب ودفعهم للانخراط في أعمال إرهابية، إيران تحمل راية الدولة الشيعية وتنظيم الدولة «داعش» يحمل راية الدولة السنية.

بالنسبة للشباب السنة الذين انضموا للقاعدة سابقاً أو لداعش حالياً فهم مدانون من جميع أبناء السنة بلا استثناء، فلا تجد لهم حاضنة اجتماعية تزيد من أعدادهم، بل لا تجد لهم منبراً واحداً يدعمهم في أي من دور العبادة أو في الصحافة أو في وسائل التواصل الاجتماعي، بل لا تجد لهم حاضنة اجتماعية حتى عوائلهم تتبرأ منهم، والجميع بلا استثناء يحث الدولة على ملاحقتهم وغلق أوكار تجنيدهم، إنما هؤلاء أعداد محدودة جداً ولا يشكلون جزءاً من ألف ممن تجندهم إيران لإقامة الدولة الإسلامية الشيعية، بل لا يشكلون جزءاً من عشرة آلاف ممن تجندهم إيران أو العراق أو لبنان وسوريا، لذلك مشكلتهم سهلة والقضاء على بؤر تجنيدهم سهل، إنما أبناء القرى هم الذين يضيعون وهم الخسارة الكبرى لأن أعدادهم بالآلاف ولأن هناك حاضنة اجتماعية تتستر عليهم، ولأن وهذا هو المهم هناك ماكنة إنكار تساعد على إخفاء أعراض المشكلة.

إيران تقضي على مستقبلهم، تسلخهم من هويتهم ومن انتمائهم، والقضية لن تنتهي ليس لأن إيران ستظل تسعى لتجنيدهم، بل لن تنتهي لأن الإنكار بوجود المشكلة هو سيد الموقف، توجد ماكينة إنكار تعمل على ترسيخه بين أبناء الطائفة، وتشجع على دفن الرأس في الرمال، ورمي كرة الاتهامات على الآخرين والنتيجة المزيد من الضياع للأسر وللأبناء وتضخم المشكلة وتفاقمها.

لم تنقص أعداد الذين تجندهم إيران، بل تزيد بعد الإنكار، لم تحل مشكلة الاندماج لدى شباب القرى في نسيج الدولة، بل زادت العزلة، تستطيعون الإنكار إلى سنوات قادمة، إنما ذلك لن ينفع ولن يفيد بل سيزيد من التفاقم والتضخم والعزلة وسيزيد من آلام الأمهات والآباء والأسر ويزيد من الخسارة للوطن.

من يساعدكم على الإنكار ويقنعكم أن همه هو «إسعادكم» بالنفي أو «إسعادكم» بمهاجمة أي صوت يفتح لكم الصندوق الأسود، فإنه عدو لكم لا يساعدكم بل يزيد من المشكلة ولا يحلها، من يساعدكم على الإنكار ويحارب ويهاجم ويقصي أي فرد منكم يجرؤ على المواجهة الذاتية ويجرؤ على الإقرار أن هناك مشكلة في ذواتكم، يزيد من فرص تجنيد أبنائكم وضياع مستقبلهم ومزيد من الخسارة.

المنابر المستمرة في ماكينة الإنكار ورد التهم هي عدوكم الأول، الذي يدفع بمزيد من أبنائكم لحضن إيران ويساعدها على اختطافهم، في حين يدرس أبناؤهم في مدارس خاصة ويرسلونهم للابتعاث في الخارج وأبناء القرى يأكلون الحصرم.

التجنيد لم يعد قاصراً على الأطفال أو المراهقين أو العاطلين عن العمل، بل طال أطباء ومهندسين ومدرسين وموظفين أصيبوا بهوس الدولة الإسلامية الشيعية، يتخرجون من أرقى الجامعات الأوروبية ويتمتعون بكل حقوقهم في البحرين ونالوا جميع حقوقهم في وطنهم ودولتهم، لكنهم غارقون في هوس هدمها وإقامة الدولة الإسلامية البديلة، كيف يمكن إنكار كل تلك الوقائع والحقائق الدامغة؟ إلى متى كل تلك الوقائع هي مسرحيات وفبركات وبقية قائمة الإنكار؟ هناك مشكلة تدفعون أنتم خسارتها وثمنها، سبعة وثلاثون عاماً أليست كافية؟ آلاف الشباب ضاع مستقبلهم أزمة حقيقية في أسر وعوائل أليست كافية؟ أنتم بحاجة إلى وقف عجلة الإنكار فوراً، وإسكات الأبواق التي تساعدكم على الإنكار، والبدء فوراً بطلب المساعدة وفتح الباب لشركائكم وللدولة بأجهزتها لمد يد العون.

أنقذوا أبناءكم، ساعدوهم على العودة لجذورهم الوطنية، ساعدوهم على الاندماج والانخراط في بناء دولتهم ووطنهم، إن فاتكم القطار فلا تدعوه يفوت أبناءكم!