بدأ الأسلاف القدامى للبشر ببناء البيوت الثابتة قبل 15 ألف عاما، أي قبل ظهور الزراعة التي كان العلماء يظنون أنها السبب في انتقال الإنسان من الترحال إلى الاستقرار، بحسب ما جاء في دراسة حديثة.

واستند العلماء في هذه الدراسة إلى وجود آثار للفئران المنزلية تدل على أنها تكاثرت بحيث صار عددها أكبر من الفئران البرية آنذاك، مستفيدة من مؤن البيوت.

وقالت فيونا مارشال أستاذة الأنتروبولوجيا في جامعة واشنطن والمشرفة على الدراسة المنشورة في مجلة الأكاديمية الأميركية للعلوم "تقدم هذه الدراسة أول أدلة على أنه قبل ما لا يقل عن 15 ألف عام كان البشر يستوطنون أماكن معينة لوقت طويل كاف للتأثير على الأنواع الحية، ونتج عنه وجود طاغ للفئران الرمادية".

وكان الرأي السائد حتى الآن أن ظهور الزراعة قبل 12 ألف عام هو الذي جعل البشر يستقرون وينشؤون تجمعات سكنية، لكن هذه الدراسة أظهرت أن الاستقرار في منازل ثابتة جرى قبل ذلك، حين كان الإنسان ما زال صيادا وجامعا للثمار فقط.

وقالت الباحثة "إقامة المستوطنات البشرية الثابتة كانت لها آثار كبيرة على النظم البيئية المحلية، وتدجين الحيوانات والمجتمعات البشرية". ومن هذه الآثار أن البيوت الثابتة شكلت مأوى ومصدرا للغذاء للحيوانات الصغيرة مثل الفئران.

وعلى المدى الطويل تغيرت هذه الفئران من حيوانات برية إلى حيوانات تحتك بالإنسان وتستفيد منه. وبحسب الباحثين، سيكون لهذا الاكتشاف أثر كبير على فهم مسار تدجين الحيوانات، وأولها الكلاب التي دجنت للحراسة والمساعدة.

أما القطط فقد دجنت مع ظهور الزراعة لحماية مخازن الحبوب من الفئران والجرذان. - توافر الغذاء - ودرس الباحثون التغيرات التي طرأت على أسنان الفئران بتحليل عينات لأنواع عاشت في أزمان مختلفة منها ما يعود إلى 200 ألف عام.

وتمكنوا من فهم التسلسل الزمني لتطور نوعين من أنواع الفئران التي عاشت في غور الأردن خلال مختلف العهود البشرية فيه. وتبين أن ارتفاع نسبة الاستقرار البشري أثر على حجم الفئران الرمادية (فئران المنازل) وفئران الحقل.

وسجل وجود روابط مشابهة بين الفئران في مناطق قبائل ماساي التي تعتاش على تربية الماشية في جنوب كينيا وتعتمد أسلوب حياة يراوح بين الترحال والاستقرار.

وبدأت الفئران الرمادية تعيش في بيوت البشر الصيادين وجامعي الثمار في غور الأردن قبل 15 ألف عام. وتوصل الباحثون إلى أن الفئران المنزلية كانت تتكاثر بوتيرة أكبر بكثير من فئران الحقول حين تشهد المنطقة مرحلة طويلة من الاستقرار البشري تتيح لها توفر الغذاء، الأمر الذي كان يرفع وتيرة تكاثرها.

لكن في أزمنة الجفاف ونقص الغذاء، حين كان البشر الصيادون وجامعو الثمار يضطرون إلى الترحال، كان التوازن يعود بين الفئران الرمادية والفئران البرية.

وسجل الأمر نفسه أيضا في مناطق قبائل ماساي، التي تعتمد وتيرة في التنقل تشبه ما كان عليه الإنسان القديم في غور الأردن، إذ تبقى في مكانها ولا تبارحه إلا حين يصاب بالجفاف أو نقص الموارد.

وقال الباحثون "يظهر ذلك درجة تأثير حركة ترحال البشر على البيئات المحلية، وعلى الأنظمة البيئية، منذ عهود ضاربة في القدم في حقبات ما قبل التاريخ".