العالم

قرقوش بلدة أشباح رغم مرور أشهر على طرد الجهاديين

لم تعد الحياة حتى الآن إلى ما كانت عليه في بلدة قرقوش المسيحية في شمال العراق، رغم استعادتها من سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية في أكتوبر الماضي، ومازالت أحياؤها المدمرة تنتظر عودة أهلها.

وتقع قرقوش على طريق رئيس يؤدي إلى مدينة أربيل، مركز إقليم كردستان الشمالي الذي أصبح اليوم ممراً لسيارات تمر بسرعة قرب البلدة من دون أن تتوقف. في حديقة أحد المنازل، تتناثر أوراق شجر تعصف بها رياح تتلاعب كذلك بأغراض مرمية على طرق صامتة وخالية. وقام مراسلون لوكالة فرانس برس بزيارات عدة إلى قرقوش خلال الشهر الحالي والتقوا عدداً محدوداً من سكانها تحدثوا عن بلدتهم في شوارعها المهجورة. وسيطر تنظيم الدولة الإسلامية على قرقوش بعد هجوم شرس في يونيو 2014 تمكن خلاله أيضاً من الاستيلاء على مدينة الموصل، ثاني مدن العراق، ومناطق سهل نينوى التي تتواجد فيها الأقليات المسيحية في البلاد. وتعرضت مناطق كثيرة للتخريب على أيديهم. وحاول الجهاديون إزالة الرموز الدينية في قرقوش، فحطموا الأبراج وأزالوا أجراس الكنائس والصلبان، بينها تلك التي كانت في كنيسة مار بهنام وسارة. كما دمروا وأحرقوا منزلاً بعد الآخر، وامتلأت جدران كنيسة مريم الطاهرة برسوم لأعلام التنظيم وعبارات بينها "بدون دولة الإسلام، لن يكون هناك أمن أو سلام في العراق ولا سوريا". واستخدم الجهاديون الكنسية التي تناثرت فيها مئات أغلفة الطلقات النارية إلى جانب صفحات كتب ترانيم دينية، كموقع للتدرب على إطلاق الرصاص. وبات المشهد اليوم محبطاً بالنسبة إلى آرام سكوت "24 عاماً" الذي تحدث لفرانس برس قائلاً "حياتي كلها كانت هنا، كانت حياة جميلة". وأضاف وهو يتنقل داخل قاعة كنيسة مريم الطاهرة التي تعرضت للحرق، "مشاعري أكثر من حزينة، يمكن القول إنني مدمر". وتابع "بصراحة، أريد أن أبكي، عندما أتذكر الحياة التي كنت عليها وكيف هي الآن، إنه أمر حزين جداً". ــ "لا مكان مثلها " ــ وتعتبر قرقوش التي تعرف كذلك باسم الحمدانية وبخديدة، إحدى أهم البلدات المسيحية في العراق. لكن أغلب المتواجدين في شوارعها اليوم عناصر حماية سهل نينوى الذين يمثلون ميليشيا مسيحية صغيرة تتولى حماية البلدة. والمهام التي تنفذها هذه الميليشيا محدودة: تفتيش السيارات عند الدخول والخروج من البلدة، لأن خطر تنظيم الدولة الإسلامية يتراجع مع تواصل هجوم القوات الأمنية ضد معاقل الجهاديين في الموصل القريبة. لكن حتى مع عودة الأمن إلى قرقوش، يقول السكان إن العودة مازالت مستحيلة مع انعدام الخدمات الأساسية، وعدم قدرتهم على إعادة إعمار منازلهم حالياً. وقالت إماما بهنان التي تعيش مع عائلتها اليوم قرب أربيل بصوت عال "إلى أين يمكن أن نعود؟ يجب أن يكون هناك ماء وصرف صحي وكهرباء وأمان". وتابعت بهنان التي توقعت عند رحيلها عن بيتها عام 2014، أن يكون الأمر قصيراً، "انتظرنا أن يحرروها حتى نتمكن من العودة، الآن هذا هو التحرير!".

وأضافت "نظفت المنزل وأغلقته وغادرت، كنا نعتقد أن ذلك سيكون ليوم أو يومين ونعود، مرت علينا الآن ثلاث سنوات".

واختار العديد من أهالي قرقوش الهجرة إلى أوروبا أو الولايات المتحدة أو أستراليا، فيما رفضت بهنان اللحاق بابنتها في هولندا.

وتتلقى بهنان وآخرون مثلها يتواجدون في أربيل مساعدات من الكنيسة، لكنهم يتشوقون للعودة إلى منازلهم. وقالت وهي تبتسم "لا مكان مثل قرقوش!". ــ "لا يريدوننا أن نعود" ــ وتمثل قرقوش تحدياً للسلطات العراقية، كما هو الحال بالنسبة إلى أغلب المدن والمناطق التي حررت من سيطرة الجهاديين، لعدم توفر الأموال اللازمة لإعادة الخدمات والبنى التحتية للبلدة. لكن سكان قرقوش يقولون إنهم محاصرون وسط صراع سياسي بين إقليم كردستان والحكومة المركزية. ويتهمون حكومة إقليم كردستان بمنعهم من العودة إلى منازلهم لكونها تسعى لتوسيع سيطرتها على البلدة. وقال جميل صلاح الدين الجميل، وهو مواطن من قرقوش وعضو في جهاز حماية سهل نينوى "إنهم لا يريدون عودة المسيحيين إلى هنا، يريدون السيطرة على هذه المناطق".

وأضاف "يريدون أخذ هذه المناطق لأنها تابعة للمسيحيين ولكونها مناطق استراتيجية بين أربيل والموصل". وكرر آخرون الاتهامات ذاتها تجاه القوات الكردية التي منعت حتى دفن الموتى في المقبرة المحلية للبلدة. لكن نائب وزير داخلية حكومة الإقليم جلال كريم نفى هذه الاتهامات، قائلاً "نأمل عودة النازحين إلى ديارهم باسرع وقت ممكن، ولا نضع أي عقبات في طريق عوتهم". وأشار إلى أن بعض النازحين لا يستطيعون العودة لوجود "قنابل وعبوات في المناطق"، مكرراً "أننا نساعد النازحين ونشجعهم على العودة". لكن الشعور السائد بين سكان قرقوش بأن أحداً لا يستطيع العودة.

ويقول جميل إنه قرر بدوره، بعد سنوات من دعم الوجود المسيحي في العراق، الهجرة إلى فرنسا. وقال "كان لدي أمل وأحلام، لكن هذا يكفي...". وتابع "العرب لا يحترمونني والأكراد لا يحترمونني والحكومة لا تحترمني".

وتساءل "لم يجب أن يكون حب الوطن من جانب واحد فقط؟".