أكدت الباحثة القانونية بالمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان شيخة العليوي أنه تم تعديل دستور البحرين الصادر عام 1973 بإضافة البند (ح) إلى المادة الـ(9) ليكون من آثار هذا التعديل إلزام الدولة باتخاذ التدابير اللازمة لصيانة البيئة والحفاظ على الحياة الفطرية، مما يمكن القول معه إن الدستور البحريني أولى اهتماما بموضوع البيئة، ما جعله ينص عليها في الدستور.
وأشارت، في سطور أطروحتها بعنوان "حق الإنسان في بيئة سليمة في النظام الدستوري البحريني والمقارن" والتي نالت بها درجة الماجستير في القانون العام من جامعة البحرين بدرجة الامتياز، والتي تعد الأولى من نوعها في الوطن العربي، إلي أنه يعد حق الإنسان في بيئة سليمة موضوعاً جديداً أثار نوعاً من الشكوك حول إمكانية الربط بين مدى ارتباط البيئة بحقوق الإنسان باعتبارهما حقوقاً تصب في قالب واحد وعدمه؛ فالبيئة علم جديد، أثار ضجة دولية في وقت قياسي، لمناداة المجتمع بمنظومته الدولية كافة بضرورة المحافظة على بيئة سليمة، وبناء عليه، تم عقد الاتفاقات والمعاهدات من أجل وضع القيود والالتزامات وفرض العقوبات لتحقيق ذلك الهدف، وعلى إثر ذلك، تسعى جميع الدول لتنفيذ حقوق البيئة بشكل فعال لتحقيق المنظومة البيئية الخضراء والتنمية المستدامة للحد من التأثير السلبي لنتائج التلوث المترتبة -سواءً على المدى القريب أو البعيد- على بيئة الوطن التي تحتضنه.
وقالت إنه من ناحية أخرى، فإن تبلور موضوعات حقوق الإنسان بعد الحرب العالمية الثانية أسهم في عقد الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تلزم كل دولة بضمان حقوق وحريات أفرادها، ترغيبًا في حياة كريمة آمنة، وفرض العقوبات اللازمة لمن يسعى إلى انتهاكها، وبناءً على ذلك، أصبحت ثقافة حقوق الإنسان جزءاً لا يتجزأ من سيادة كل دولة تسعى فيها بشكل سبّاق لتطبيقها بشكل فعال من أجل بناء منظومة حقوقية قانونية مثالية، وأن التكريس الدستوري للحق في بيئة سليمة يعني ارتقاء هذا الحق إلى مرتبة الحقوق الأساسية الأخرى المكفولة دستورياً، مثل الحق في المساواة والحق في الحرية والحق في ضمانات المحاكمة العادلة والحق في الانتخاب وغيرها، وبهذا التكريس يصبح للحق في بيئة أساس دستوري مستقل ومتميز وغير مستمد من وثائق أخرى غير ملزمة مثل (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان) الصادر عن مؤتمر استوكهولم في عام 1972 وإعلان ريو بشأن البيئة والتنمية الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية في ريو دي جانيرو عام 1992، وتقدم النصوص الدستورية في عدد من الدول أدوات واسعة وقوية لحماية الحق في بيئة سليمة، وتختلف فاعلية هذه الأدوات من دولة إلى أخرى، وقد أضيف البند (ح) إلى المادة الـ(9) من دستور مملكة البحرين، وذلك بموجب التعديلات الدستورية لعام 2002، حيث إنه لم يكن موجوداً سابقاً في دستور عام 1973، والذي ينص على أن: "تأخذ الدولة التدابير اللازمة لصيانة البيئة والحفاظ على الحياة الفطرية".
وأشارت إلي أنه ووفقاً لذلك أشارت المذكرة التفسيرية لدستور مملكة البحرين المعدل الصادر في سنة 2002 إلى أنه: قد "أعطى الدستور عناية خاصة لصيانة البيئة، وطالب بوضع إستراتيجية وطنية لحمايتها واتخاذ جميع الإجراءات والتدابير التشريعية المناسبة للحد من التلوث"، ولذلك فقد تم تعديل دستور مملكة البحرين الصادر عام 1973 بإضافة البند (ح) إلى المادة الـ(9) ليكون من آثار هذا التعديل إلزام الدولة باتخاذ التدابير اللازمة لصيانة البيئة والحفاظ على الحياة الفطرية. مما يمكن القول معه إن الدستور البحريني أولى اهتماما بموضوع البيئة، ما جعله ينص عليها في الدستور، ويطرح حق الإنسان في بيئة سليمة إشكالاً حول مدى تكريسه في النظام الدستوري البحريني. هل هو نوع من الترف القانوني والفكري أم ضرورة معيشية فرضتها المستجدات. وهل ارتقى العيش في بيئة سليمة فعليا إلى مرتبة الحق الذي يرتب لصاحبه امتيازات وواجبات تفرض عليه؟، كما تثير الدراسة إشكاليات حول ما إذا كان الدستور البحريني موفقاً في صياغة نص فعال لحماية حق الإنسان في بيئة سليمة، وأثر إدراج النص على الحق في بيئة سليمة ضمن المقومات الأساسية للمجتمع في الباب الثاني من الدستور، وهل كان من الأولى إدراجه ضمن الباب الثالث من الدستور لضمان فاعلية أكبر لحماية حق الإنسان في بيئة سليمة؟، وهل وُفق البحريني في إدماج الاتفاقات الدولية الخاصة بحق الإنسان في بيئة سليمة كحق من حقوق الإنسان ضمن النظام القانوني؟ وما مدى توافق التشريعات الوطنية مع الاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها مملكة البحرين لحماية هذا الحق؟ وهل يؤثر ذلك الانضمام في حماية الدستور لهذا الحق؟، هذه الأسئلة جميعها تدعو إلى الإقرار بمحاولة تكريس الحق في بيئة سليمة كحق إنساني، والتي وضحت الأطروحة أجوبتها، من خلال اتباع المنهج التحليلي الذي ينقل فيه التفكير الذهني من حكم كلي إلى حكم خاص، وتنتقل فيه خطوات البحث من الحقائق الكلية الثابتة إلى التطبيق على الحقائق الجزئية العارضة للاستدلال عليها من الحقائق الكلية.
وشددت على أنه هدفت الرسالة إلى تحديد أهم حقوق الإنسان غير الواضحة أو الغامضة، ألا وهي حق الإنسان في بيئة سليمة، وتوضيح مدى حمايته دستوريًّا في الأنظمة الدستورية المقارنة، والإقرار بوجود الحق في بيئة سليمة وضمان كفالة القضاء له، سواء في الدساتير التي تنص صراحة على هذا الحق أو في الدساتير التي تأتي خلوًا من أي تكريس دستوري لهذا الحق. إلى جانب التوصل إلى معرفة الخيارات المتاحة على مستوى النصوص الدستورية وعلى مستوى النصوص التشريعية في كفالة حماية فعّالة للحق في بيئة سليمة، ومعرفة النصوص أو البنود الدستورية التي يستند إليها القضاء في كفالة حماية الحق في بيئة سليمة، ومعرفة مدى حماية مملكة البحرين للحق في بيئة سليمة دستوريا مقارنة بالتشريعات العربية والدولية في هذا المجال، ويحكم موضوع الدراسة دستور مملكة البحرين، مع إعمال المقارنة بعدة دساتير عربية وأجنبية، إلى جانب التطرق إلى الأسانيد والبراهين الدولية من خلال وثائق الأمم المتحدة، ومن خلال التشريعات المقارنة في الدساتير العربية والإقليمية والدولية، وأحكام المحاكم الدستورية التي تبين تناولها هذا الحق وحقيقته وأسس حمايته التي باتت لضيق فجوة التركيز عليها غامضة وغير واضحة للعيان أمام العامة.
وبينت أنه كانت أبرز توصيات الأطروحة التوصية بالمشرِّع الدستوري البحريني:تعديل صياغة النص الدستوري المتعلق بحق الإنسان في بيئة سليمة، بأن ينص على الآتي: "البيئة السليمة حق من حقوق الإنسان، والحفاظ على البيئة البحرينية مسؤولية مجتمعية، وتعمل الدولة على حماية البيئة وتوازنها تحقيقًا للتنمية الشاملة والمستدامة لكل الأجيال"..أن النص الدستوري الذي يشير إلى حق الإنسان في بيئة سليمة ضمن المقومات الأساسية للمجتمع يعبر عن الحقوق بمعنى شكلي فقط، أو هو مجرد مبادئ تُحتذي، وخاصة أن هذه النصوص -وإن لم تنطو على حكم قانوني محدد- تعد توجيهات سياسية عامة فقط تُعين على تفسير سائر النصوص التي تعالج موضوعات ذات صلة بالنظام الاجتماعي أو الاقتصادي، وبناءً عليه، نوصي بأن يتم نقل هذا الحق من الباب الثاني من الدستور المتعلق بالمقومات الأساسية للمجتمع ليندرج ضمن الباب الثالث من الدستور المتعلق بالحقوق والحريات الأساسية، باعتبار أن البنود الدستورية التي تضمنها تهدف إلى حماية الفرد في مواجهة السلطة العامة، وخاصة أن أثر إدراج هذا الحق ضمن الحقوق والحريات الأساسية سيوسع دائرة المصلحة لتشمل كلا من الأفراد والأشخاص المعنوية العامة والخاصة بدلاً من اقتصارها على الأفراد فقط، ونوصي بأن يقوم المُشرِّع بتعديل قانون المحكمة الدستورية البحرينية لتشمل اختصاص تفسير النصوص الدستورية، إذ إنه لا بد للمحكمة الدستورية أن تفسر النصوص الدستورية المعروضة عليها، وهي بصدد ممارسة اختصاصها بالرقابة على دستورية القوانين والأنظمة لتحديد مدى دستورية نص من عدمه، وبما يمكنها من إضفاء حماية أكثر فاعلية لكل الحقوق والحريات بشكل عام ولحق الإنسان في بيئة سليمة بشكل خاص، كما أن أحكام المحكمة الدستورية البحرينية لم تشر إطلاقاً بشكل صريح إلى حق الإنسان في بيئة سليمة، وبالتالي نوصى بتفعيل نظر المحكمة الدستورية للحق لارتباطه الوثيق بحقوق دستورية أخرى كالحق في الحياة والحق في الصحة ومبدأ المساواة، الأمر الذي يقتضي ضرورة الإشارة إليه في متون الأحكام لضمان حماية دستورية أكثر فاعلية له.
ولفتت إلي أنه نوصي بالنظر في إنشاء قضاء متخصص في القضايا البيئية وحدها من دون سواها؛ إذ إن إنشاءه سيكون له عظيم الأثر في حماية حق الإنسان في بيئة سليمة، ولا سيما إذا دعمه جهاز شرطة متخصص لحماية البيئة في مملكة البحرين، مع إيجاد نوع من التعاون والتنسيق بينهما، لما يمكن أن تسببه تلك الجرائم من أضرار لا تلحق بفرد في المجتمع بعينه، ولا يتوقف تأثيرها على مجموعة أفراد من المجتمع، بل قد تمتد تأثيراتها الخطرة لتشمل معظم الطوائف الاجتماعية في المجتمع، وأن طبيعة ومضمون الاتفاقات الدولية الخاصة بحق الإنسان في بيئة سليمة تتطلب أن تتمتع بقيمة قانونية أعلى من القيمة القانونية للقانون العادي، وذلك باعتبار أن منح هذه المعاهدات قيمة قانونية مساوية لقيمة القانون يسهل إمكانية تحلل الدول من الالتزام بنصوصها بكل سهولة من خلال إصدار قوانين لاحقة تنسخ كل ما تضمنته المعاهدات والاتفاقيات الدولية من بنود استناداً إلى قاعدة "التشريع اللاحق ينسخ التشريع السابق"، بما ينعكس سلبًا على الحماية الفاعلة لحماية حق الإنسان في بيئة سليمة، وإن منح المعاهدات الدولية قيمة قانونية مساوية للدستور يُخرجها من دائرة الطعن عليها بعدم دستورية نص من نصوصها أمام المحكمة الدستورية، وبالتالي فإن الرقابة على دستورية القوانين لا تكون بفحص مدى توافق القواعد القانونية الأدنى درجة مع الدستور بل تكون بفحص مدى توافق هذه القواعد مع الكتلة الدستورية، باعتبار أن المعاهدة الدولية تشكل مع الدستور كتلة دستورية متكاملة، فإنه متى صدر قانون يخالف الكتلة الدستورية عدّ هذا القانون قانونا غير دستوري. وبالتالي نوصي المُشرِّع البحريني بالتدخل لرفع القيمة القانونية للمعاهدات، على أن تكون مساوية لقيمة الدستور بما يضفي الحماية الدستورية الفاعلة لحق الإنسان في بيئة سليمة، كذلك لا توجد أي معاهدة دولية تضع قواعد عامة لحماية حق الإنسان في بيئة سليمة بشكل خاص، بل إن الأمر يتعلق من ناحية باتفاقيات نوعية تعالج نوعا معينا من أنواع التلوث البيئي أو الأخطار التي تهدد التوازن الإيكولوجي للبيئة الطبيعة، فضلاً عن أن الاتفاقات الدولية ذات نطاق إقليمي محدد يعنى بجانب من الدول التي تربطها عوامل جغرافية أو ديموغرافية واحدة، بما ينتقص من فاعلية الحماية الكاملة الدولية لحق الإنسان في بيئة سليمة، فحماية هذا الحق لن تتأتى إلا بمزيد من التعاون لتطبيق أدوات قانونية جديدة لكفالة هذا الحق الجديد، من خلال إدراجه حرفيًّا في الوثائق الدولية التي تترجم الأهمية البارزة لهذا الحق في منظومة حقوق الإنسان، وعلى ذلك نوصى بضرورة تكاتف المجتمع الدولي بإصدار وثيقة دولية تتعلق بحق الإنسان في بيئة سليمة لتضمن الحماية الدولية الكافية، الأمر الذي يقر الواجبات والالتزامات الدولية في سبيل الحماية الفاعلة لهذا الحق.
وحول سبب اختيارها لموضوع الأطروحة، أفادت بأنه نظراً إلى حداثة موضوع البيئة كأحد موضوعات القانون الدولي، وندرة المصادر والكتب العربية التي تشير إلى موضوع الدراسة، بالإضافة إلى انعدام وجود مراجع وطنية، بالأخص تلك التي تشير إلى هذا الموضوع من وجهة نظر دستورية، حيث، إنه في الغالب تتم الإشارة إلى موضوع الدراسة من ناحية دولية من خلال ربط موضوع البيئة بحقوق الإنسان ودراسة العلاقة الوثيقة بينهما والقواسم المشتركة، إلى جانب أن الموضوعات الدستورية عادة ما تركز على دراسة التنظيم الدستوري للحقوق والحريات بشكل عام، أو على دراسة التنظيم الدستوري للحق في المساواة أو الحقوق والحريات الاقتصادية أو حق الانتخاب أو الحق في ضمانات المحاكمة العادلة، ولذلك ارتأت الباحثة دراسة هذا الحق الجديد من ناحية دستورية باعتباره جزءاً لا يتجزأ من منظومة حقوق الإنسان، وذلك لإبراز حدوده ومعانيه الخفية للتوصل إلى نتائج وتوصيات مهمة تعود بالنفع على النظام الدستوري البحريني في حال الأخذ بها، إضافة إلى أنه بحكم كونها سفيرة الأمم المتحدة للبيئة منذ العام 2007 وحتى العام 2013 أرادت ترجمة الخبرات الدولية التي تحصلت عليها من أفريقيا والتي هي منبع الموضوعات البيئية، في أطروحتها لتضيف موضوعاً جديدا متكاملا إلى المكتبة القانونية.