فوق قارب خشبي صغير، فرّ رجل عراقي بجثمان زوجته الملفوف في كفن أسود، حاملاً إياه برفق، ومتمسكاً به، في حين كان رجل آخر يجدف بالقارب ببطء، لانتشال أطفال الرجل الثلاثة الواقفين على بعد بضعة أمتار.

وفي حذر شديد وحرص صعدت الفتاتان المراهقتان والصبي إلى القارب، محاولين المحافظة على توازنه، حتى لا ينقلب.

هذا الرجل فرّ هو وأولاده من الموصل، بعد فيضان نهر دجلة، وتفكيك آخر جسر عائم كان يربط ضفتيه التي تصل بين شرقي المدينة وغربيها.



وتقاتل في الموصل القوات العراقية، بدعم أمريكي، لطرد تنظيم الدولة الذي سيطر عليها في عام 2014. ودمرت الحملة العسكرية التي بدأت منذ سبعة أشهر تقريباً لاستعادة السيطرة على المدينة، دمرت جسور الموصل الدائمة تدميراً كبيراً.

وبحسب وكالة "رويترز"، تعبر المئات من الأسر المنهكة من الحرب هذا النهر في تلك القوارب الخشبية المتهالكة المخصصة أصلاً للصيد، والتي لا تتسع إلا لخمسة أفراد أو ستة، يحملون على متنها كل شيء؛ بدءاً بالملابس والغذاء، حتى أقاربهم المصابين أو قتلاهم.

وعلى أمل الوصول إلى بر أمان على الضفة الشرقية للنهر، يغادر الكثير ضاحية مشيرفة في غرب الموصل بعد أن سيطرت القوات العراقية المدعومة من الولايات المتحدة عليها من يد تنظيم الدولة، الجمعة.

وقال مشرف محمد (45 عاماً)، وهو عامل في مصنع للثلج من مشيرفة: "عانينا من ظلم الدولة، والآن نحن أحرار، وتلقينا وعوداً بخمسة جسور.. أين الجسور؟ نحن ننتظر منذ يومين".

وتابع قائلاً: "الكثير من جيراني وأصدقائي ماتوا. تحررنا لكننا لسنا سعداء؛ لأننا فقدنا أقرب الأشخاص لنا".

يدفع من يريد العبور في تلك الرحلة القصيرة بين الضفتين ألف دينار عراقي (0.86 دولار) لكل شخص، ويحتاج الكثيرون لقطع الرحلة أكثر من مرة، ومنهم أمهات يحملن صغارهن، ورجال على كراسي متحركة، وأسر مؤلفة من 15 فرداً.

وحتى الجنود الذين يحملون صناديق الجيش الخضراء المملوءة بوثائق عسكرية وسجائر اضطروا إلى استخدام القوارب. وقال الجيش في البداية إنه سينقل الناس باستخدام مراكب بخارية عندما فكك الجسور العائمة، إلا أن الجيش يقول الآن إن الوقود نفد.

وقال محسن، وهو متقاعد من منطقة وادي حجر في غرب الموصل: "أتينا منذ الصباح الباكر في السابعة صباحاً، وننتظر حتى الآن. حلت الظهيرة. المراكب البخارية لا وقود فيها، ألا تستطيع تلك الحكومة توفير الوقود؟".

وفتح الجيش جبهة جديدة في القتال مع محاولة وحدة مدرعة التقدم في المدينة من الشمال يوم الخميس وتمكن من السيطرة على منطقتين يوم الجمعة.

وضيق ذلك الحصار على التنظيم في منطقة شمال غرب الموصل تشمل المدينة القديمة التي تضم جامع النوري الذي أعلن زعيم الدولة أبو بكر البغدادي من على منبره دولة "خلافة" على أجزاء من سوريا والعراق في يونيو/ حزيران 2014.

وقال الجيش العراقي، في الثلاثين من أبريل/ نيسان، إنه يهدف إلى استكمال عملية السيطرة على الموصل هذا الشهر. والموصل هي أكبر مدينة تسقط في يد الدولة في سوريا والعراق.