يواجه لبنان خطر الفراغ في سدة الرئاسة الاولى، وسط غياب التوافق بين الاطراف السياسيين والقوى الاقليمية المؤثرة، ما سيحول دون توافر النصاب لجلسة انتخاب رئيس جديد للجمهورية خلفا لميشال سليمان.وينقسم المجلس بشكل شبه متساو بين حزب الله حليف دمشق وحلفائه، و"قوى 14 آذار" المعارضة له، وابرز مكوناتها "تيار المستقبل" بزعامة الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري. كما يحظى الزعيم الدرزي وليد جنبلاط الذي يقدم نفسه على انه "وسطي"، بكتلة مرجحة من سبعة نواب.وفشل المجلس في دورة الانتخاب الاولى في ابريل، في اختيار خلف لسليمان الذي تنتهي ولايته في مايو. ونال سمير جعجع، رئيس حزب "القوات اللبنانية" ومرشح "قوى 14 آذار"، 48 صوتا، في مقابل 16 صوتا للمرشح الوسطي هنري حلو.واقترعت "قوى 8 آذار" (حزب الله وحلفاؤه)، بورقة بيضاء. وبينما لم يعلن هذا الفريق اسم مرشحه، يرجح انه ميشال عون، ابرز الحلفاء المسيحيين للحزب.والنصاب المطلوب لعقد جلسة ظهر اليوم هو ثلثا الاعضاء.واكد سياسي بارز لفرانس برس ان الجلسة لن تعقد لان "نواب +8 آذار+ سيحضرون الى البرلمان لكن لن يدخلوا قاعة المجلس، للحؤول دون اكتمال النصاب".واضاف، رافضا كشف اسمه، "بسبب ذلك، لن يكون ثمة انتخاب الاربعاء".وفي حين يفترض بالمرشح نيل ثلثي اصوات اعضاء البرلمان ال 128 لينتخب من الدورة الاولى، يتم بدءا من الجلسة الثانية انتخاب الرئيس بغالبية النصف زائدا واحدا من الاعضاء.ودرجت العادة ان يعود القرار في انتخاب رئيس الجمهورية في لبنان، وهو ماروني، الى القوى الاقليمية، لا سيما النظام السوري الذي فرض وصاية سياسية وامنية على لبنان على مدى نحو 30 عاما.ورغم انسحابها العسكري من لبنان في العام 2005، لا تزال دمشق تحظى بنفوذ سياسي واسع، لا سيما من خلال حزب الله الذي يقاتل الى جانب النظام في النزاع المستمر منذ ثلاثة اعوام.وينقسم لبنان بشدة حول النزاع السوري ودور الحزب فيه. كما ان سلاح الحزب يشكل منذ اعوام، مادة انقسام اساسية في البلد ذي التركيبة السياسية والطائفية الهشة. ويقول الحزب ان سلاحه هدفه "مقاومة" اسرائيل، بينما يتهمه خصومه بفرض ارادته على الحياة السياسية من خلال هذا السلاح.وسط كل ذلك، يرجح محللون الا تتوافق القوى المحلية والاقليمية على رئيس قبل انتهاء ولاية سليمان، في تكرار لسيناريو العامين 1988 و2007.ويقول رئيس دائرة العلوم السياسية في الجامعة الاميركية في بيروت هلال خشان لوكالة فرانس برس "اعتقد انه لن يكون ثمة رئيس جديد من الآن حتى انتهاء المهلة الدستورية في 25 ايار/مايو (...) فريق حزب الله لا يمكن ان يقبل بجعجع، وفريق قوى 14 آذار لا يمكن ان يقبل بعون".واضافة الى تباعدهما السياسي الراهن، يعد جعجع وعون من ألد الخصوم منذ الحرب الاهلية اللبنانية (1975-1990). وخاض عون الذي كان قائدا للجيش، وجعجع على راس القوات اللبنانية معارك ضارية خلال الحرب، أبرزها "حرب الالغاء" مطلع العام 1990.ويرى خشان ان السعودية وايران "لا تبدوان مستعجلتين للتوصل الى اتفاق" في ما خص الرئيس اللبناني المقبل، مشيرا الى ان هذا الشأن "ليس ملفا ساخنا" بالنسبة الى الرياض وطهران، لا سيما في ظل التباين بين الجانبين حول ملفات اقليمية كبرى كالملف النووي والعراق وسوريا واليمن.وكان عدد من النواب، بينهم نواب حزب الله وكتلة ميشال عون، انسحبوا من الجلسة الاولى بمجرد الادلاء باصواتهم، ما حال دون عقد جولة ثانية من التصويت.وقال عون قبل جلسة الاسبوع الماضي انه لم يترشح رسميا، وهو امر غير ملزم دستوريا، لانه يريد ان يكون مرشح "توافقي".وسجلت في الجلسة الاولى سبعة اوراق ملغاة، كتبت فيها اسماء ضحايا قتلوا خلال الحرب الاهلية واتهم جعجع باغتيالهم، بينهم رئيس الحكومة السابق رشيد كرامي (1987)، وطارق شمعون الذي قتل مع والده القيادي المسيحي في عملية دين فيها جعجع واعضاء في حزب القوات.وجعجع هو زعيم الحرب الوحيد الذي دخل السجن وحوكم في ملفات متعلقة بالحرب، مطلع التسعينات من القرن الماضي. ويقول فريقه انه استهدف بسبب رفضه الانصياع لارادة دمشق المهيمنة على لبنان حينها.اما عون، المعارض الشرس لدمشق خلال الحرب، فامضى 15 عاما في المنفى الباريسي، بعد اقتحام القوات السورية "المنطقة الشرقية" (المسيحية) في 13 تشرين الاول/اكتوبر، وسيطرتها على القصر الرئاسي في بعبدا (شرق بيروت) حيث كان يقيم.وبعد عودته في العام 2005، بدل عون من استراتيجيته، ووقع ورقة تفاهم" مع حزب الله حتى بات أبرز حلفائه المحليين.وقبل ساعات من موعد الجلسة، بدت القوى السياسية على مواقفها. واعلنت "كتلة المستقبل" مساء الثلاثاء ان جعجع "هو المرشح الذي اجمعت عليه قوى 14 آذار، والكتلة تدعو النواب للاقتراع له في جلسة الغد".كما اعلنت كتلة عون تمسكها "حتى النهاية" بمواقفها من الاستحقاق.رغم ذلك، يرى خشان ان "السعوديين والايرانيين سيتوصلون في نهاية الامر الى اتفاق اقليمي (...) لكن الامر سيتطلب وقتا".