الموصل - (أ ف ب): تتوقف عجلة هامفي سوداء تابعة للقوات العراقية قرب هيكل محطم لسيارة مفخخة وحفرة خلفتها قذائف هاون للسماح لمدنيين فارين بالهروب بعيدا عن المعارك ضد تنظيم الدولة "داعش" في غرب الموصل. وتواصل عجلات أخرى تابعة لقوات مكافحة الارهاب، التوجه الى خطوط المواجهات في حي الرفاعي، أحد آخر المناطق التي يفترض بالقوات العراقية استعادتها قبل الهجوم الاخير على المدينة القديمة، المعقل الاخير لتنظيم الدولة في الموصل. في نهاية الشارع، الطريق مغلق تماما بساتر. وتتعالى أصوات مقاتلين يتحدثون الى مدنييين يرافقون أطفالا، "انتبهوا، هناك عبوة.. تقدموا من هناك"، ويمتثل المدنيون، يجر بعضهم أكياسا بلاستيكية ويدفع أحدهم سيدة على كرسي متحرك. وفيما يسير هؤلاء قرب العربة المدرعة، يبتسم البعض منهم ويرفع آخرون اصابعهم بعلامة النصر، ويعبرون عن امتنانهم للجنود، قبل ان يكملوا طريقهم للحاق بحوالى نصف مليون نازح فروا منذ فبراير من مناطق في الموصل. وينظر مقاتلو قوة مكافحة الارهاب الى الجموع بنظرات تتفاوت بين الرحمة حينا والريبة حينا آخر. ويحاول عناصر تنظيم الدولة الهرب من الموت او الاعتقال الذي ينتظرهم بعد دخول القوات العراقية الى مناطقهم، عبر الاختباء بين المدنيين الفارين الذين يتواصل تدفقهم دون توقف. وتجد السلطات الامنية أحيانا صعوبات في التدقيق الامني بسبب هذا العدد الكبير. ويقول جندي "تركَت أمس امرأة كيسا بلاستيكيا في الشارع. عندما فتشناه، وجدنا فيه ملابس لداعش ومسدسا وسكينا". ويتابع "ربما لم تكن امرأة". على مقربة من المكان، يجهز مقاتلون من مكافحة الارهاب يرتدون بزات سوداء أنفسهم للمشاركة في عملية اليوم. يحضرون صناديق ذخيرة ومنصات صورايخ يسندونها الى أحد الجدران. ولا يعرف هؤلاء المقاتلين عدد المتطرفين الذين سيواجهونهم. وتشكل قذائف الهاون التي تطلق بين الحين والآخر المؤشر الوحيد لنشاط "العدو" الذي يتحصن بين المباني. وتتقدم إحدى الوحدات وتدخل الى باحة منزل من خلال ثغرة كبيرة في جدار مبنى. وتمتنع قوات النخبة هذه عادة عن الدخول الى المنازل لانها قد تكون مفخخة، وتسعى الى الاحتماء بها متقدمة من تجمع سكني الى آخر ومن شارع الى آخر ومن منزل الى آخر. فجأة، تنتهي الثقوب في الجدران، وتخسر القوات الغطاء، فيبدأ عناصرها بالجري عبر الشارع في محاولة لتجنب نيران القناصة. وبينما ينتظرون الضوء الاخضر من المجموعة التي سبقتهم، تنفجر ضحكة مكتومة اثر اطلاق احدهم نكتة لتبديد التوتر. في تلك الاثناء يرن هاتف احد الجنود، فيهمس "ساتصل بك لاحقا"، ثم يقفل الخط. في الوقت الذي تتقدم فيه القوات خلال الحي، يظهر المدنيون المختبئون في منازلهم، ينزلون الى الشوارع مع اغراضهم من أجل مغادرة المدينة. وعندما تبدأ العائلات بالابتعاد عن الحي حيث تنتشر جثث للمتطرفين انتفخت من حرارة الشمس، فانها بمظمها لا تعرف بعد اين ستمضي ليلتها. على الجانب الآخر من الطريق، يذكر شاب أنه يتردد على الخطوط الامامية مع عربته اليدوية ليجمع أغلفة الرصاص التي تملء الطرق. ويقول "أجمعها وأبيعها الى تجار الخردة، الكيلو بمئة دينار"، ما يعني ان عليه ان يجمع 12 كيلو ليحصّل دولارا واحدا. ويضيف "أعيش على بعد خمسة كليومترات من هنا، آتي الى الجبهة كل يوم لكي أكسب رزقي". وتقوم فتاة صغيرة بإفراغ كيس من أغلفة الرصاص التي جمعتها داخل عربة الرجل. وتقف امرأة مسنة الى جانب الفتاة، وتحاول المشاركة في جمع الأغلفة الفارغة التي تملأ الشارع. وتقول بحسرة "اشعر بالخجل من هذا العمل".
العرب - الشرق الأوسط
القوات العراقية تتوغل في عمق الموصل والمدنيون يفرون من المعارك
18 مايو 2017