من المعمول به دولياً استخدام امتحانات خارجية مقننة بهدف قياس مستوى التعلم لدى الطلبة في المراحل التعليمية المختلفة. وبناء على نتائج تلك الامتحانات يتم رسم السياسات التربوية من أجل إدخال التعديلات اللازمة سواء في محتوى البرامج التعليمية أو في محتوى برامج التنمية المهنية للمعلم. هذا هو السبب الرئيس والمهم من تطبيق الامتحانات الوطنية. ولكن لم يحدث أبداً أن تم احتساب نتائج امتحانات وطنية ضمن نتائج الطلبة في المدارس!

تم مؤخراً اعتماد تخصيص 12.5% من درجات الامتحانات الوطنية ضمن مجموع درجات الطلبة الكلي للصف الثاني عشر بالمدارس الحكومية لمملكة البحرين. وهذا يؤدي إلى التساؤل حول السياسة التربوية الجديدة التي تستدعي تضمين نسبة ولو كانت قليلة من نتائج الامتحانات الوطنية في التقدير الكلي للطلبة.

إن هيئة جودة التعليم هيئة خارجية مستقلة أسندت إليها مهام إعداد وتقديم امتحانات وطنية سنوياً بغرض قياس مستوى التعليم في المدارس الحكومية، وليس لها دور فعال في السياسة التقويمية للطالب في المدارس الحكومية. وهذا مماثل لدور الامتحانات الوطنية دولياً.

إن الطالب يتعرض لعدة أنواع من التقييمات التي تستهلك من الوقت المخصص للتعلم فهو عليه أن يهتم بالتقويم الصفي المستمر وامتحانات منتصف الفصل وامتحانات نهاية الفصل، والآن عليه أن يتجاوب مع الامتحانات الوطنية الخارجية. إن الامتحانات المدرسية وخصوصاً في المرحلة الثانوية تعد من قبل لجان مكلفة رسمياً بذلك، وإذا كانت وزارة التربية والتعليم ليست لديها الثقة الكافية بمستوى أو بنتائج تلك الامتحانات فيجب عليها إلغاؤها واستبدالها بالامتحانات الوطنية والتي يجب أن تعد حينذاك لقياس مستوى التحصيل وليس بهدف قياس مستوى التعلم، وذلك لأن إعداد تلك الامتحانات يتطلب أدوات وأساليب مختلفة تماماً عن بعضها بعضاً.

هناك موضوع آخر مهم جداً وهو نتائج الامتحانات الوطنية والتي تطالعنا بها هيئة جودة التعليم حول أداء الطلبة في نهاية الحلقات التعليمية. إن التقارير الصادرة من هيئة جودة التعليم تشير إلى حدوث تحسن طفيف في مستوى التعليم لبعض المواد وفي معظم الأحيان إلى تراجع في مستوى التعليم لبعض المواد الأخرى. ماذا يعني ذلك؟

لا يمكن الجزم مطلقاً بأن هناك تحسناً أو تراجعاً في مستويات التعلم سنة تلو الأخرى، وذلك بسبب وجود عوامل تؤثر في تلك النتائج. ومن بين تلك العوامل:

أولاً: أن مستوى الامتحانات الوطنية يختلف من امتحان إلى آخر، ومن سنة إلى أخرى، إذ لا يمكن الجزم أن جميعها متشابه من حيث الصعوبة. على الرغم من حرص هيئة جودة التعليم على إعداد امتحانات وطنية مقننة وبمعايير دولية في كل عام، لا يمكن الجزم بأن مستوى الصعوبة في تكوين تلك الامتحانات متطابق. لذلك لا يمكن مقارنة نتائج تلك الامتحانات سنوياً لتبيان مدى التغيير في أداء الطلبة، وسوف تكون نتائج تلك المقارنة غير صحيحة ومضللة. لتجنب ذلك، يجب الأخذ برأي الخبراء في مجال الإحصاء التربوي في مقاربة مستويات الامتحانات الوطنية التي تعد سنوياً.

ثانياً: اختلاف المستوى المهني ما بين المعلمين والذي يؤثر سلباً أو إيجاباً على نتائج الامتحانات الوطنية.

ثالثاً: اختلاف المستوى التعليمي للطلبة من مرحلة تعليمية لمرحلة تعليمية أخرى.

رابعاً: مدى تجاوب الطلبة مع الامتحانات الوطنية.

خامساً: استعداد الهيئة الإدارية والتعليمية للامتحانات الوطنية.

السؤال الذي يجب الإجابة عنه هو: إذا كانت نتائج الامتحانات الوطنية غير قابلة للمقارنة سنة بعد أخرى، لم تستخدم نتائجها للدلالة على حدوث التحسن أو التراجع في مستوى التعلم؟

ما أود توضيحه أنني لست ضد تطبيق الامتحانات الوطنية، فهي تعتبر وسيلة مهمة وضرورية لقياس مستوى التعلم بين فترة وأخرى، ولكنني في نفس الوقت لا أجد أهمية للمقارنة بين نتائج الامتحانات سنوياً. إذ يجب التركيز بدلاً من ذلك على إحداث المتغيرات المطلوبة في أساليب التعليم والتعلم وفي البرامج التعليمية.

إذا كان صانعو القرار يعتمدون على نتائج الامتحانات الوطنية في تطوير التعليم، فالسؤال الذي يطرح نفسه هو: ما هو الفرق بين الذي سوف يقوم به المسؤولون من الهيئة الإدارية والتعليمية وبين ما يؤدونه الآن لتحسين أساليب التعليم والتعلم؟ إن تحسين وتطوير التعليم بحاجة إلى سياسة تطويرية لتحسين أداء المدارس بدلاً من معاقبة الطلبة لعدم تجاوبهم مع الامتحانات الوطنية باحتساب نسبة 12.5% من نتائجها وضمها للدرجة الكلية للطلبة. بإمكان وزارة التربية والتعليم تزويد الهيئات الإدارية والتعليمية بالمدارس بمعلومات وإرشادات قابلة للتطبيق حول مستوى مدارسهم وطلابهم. بإمكان وزارة التربية والتعليم أيضاً إنشاء بنك أسئلة لكل كفاية تعليمية من كل مادة دراسية ولكل صف دراسي. والأهم من كل ذلك تعزيز التعاون بين وحدة الامتحانات الوطنية بجودة التعليم وبين معدي المناهج والامتحانات المدرسية حتى يتم التقارب في العمل فيما بينهم وتبادل الخبرات.