مهند أبو زيتون:

منذ نعت "الاندبندنت" البريطانية رائحة الحبر على أوراقها العام الماضي، بدت كبرى الصحف العالمية وكأنها تتحسس رؤوسها. أمس أعلن معهد "بيو ريسرتش سنتر" المستقل تراجعاً حاداً في مبيعات الصحف الأمريكية اليومية رغم الإيرادات الإضافية التي وفرتها الانتخابات الرئاسية لصحف عدة بينها "نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست".

وبالنسبة لإصدارات الاثنين إلى الجمعة، كانت هذه السنة الـ28 على التوالي من التراجع وفق أرقام المعهد الذي أضاف مبيعات النسختين المطبوعة والرقمية.

وفي حين تعيد هذه الأخبار طرح أسئلة جدوى بقاء الورق الصحافي، فإنها باتت تتعداها إلى سؤال جوهري: هل ستصمد الصحيفة حتى بشكلها الإلكتروني؟

في 1987 كانت الولايات المتحدة تبيع 62.8 مليون نسخة من الصحف اليومية. وفي 2016 تراجع العدد إلى 34.6 مليون نسخة. وفيما يحتج أكاديميو الإعلام بصمود الإذاعة أمام التلفزيون وصمود التلفزيون أمام الانترنت، تبدو الصحافة مقبلة على تغيير جوهري لا علاقة له بصمود وسيلة أمام أخرى ناشئة بل بتغيير الوسيط الحامل للرسالة الإعلامية بكليته.

كانت وفاة الاندبندنت المطبوعة حدثاً ضخماً بضخامة تأثير الاندبندنت نفسها، إذ لطالما شكلت مع "التلغراف" و"التايمز" و"الغارديان" معالم الصحافة البريطانية، غير أن الأولى اكتفت بالنسخة الالكترونية للحفاظ على اسمها. وفي حين لم يكن موتها مفاجئا نظراً لتراجع مبيعاتها الحاد من 428 ألف نسخة يومياً في الثمانينات إلى أقل من 28 ألف نسخة قبل إغلاقها، صمدت بقية الصحف غالباً بفضل استثماراتها في مجالات لا علاقة لها بالصحافة اليومية.

صحف عربية وعالمية تخلت عن الورق وحافظت على اسمها الإلكتروني، وبدا ذلك حينها حلاً مستديماً، غير أن التراجع في مبيعات الصحف الرقمية يضع هذا الاطمئنان على محك جديد مع تحولات السوشيال ميديا الدائمة.

العالم يتحول إلى بوتقة واحدة، قالها ماكلوهان في نظريته للاتصال الجماهيري، وبالضرورة فإن الاتصال في جوهره سيتغير تدريجياً داخل هذه البوتقة.