يسهم الانتعاش الذي شهدته العقود الآجلة للمحاصيل الزراعية في الولايات المتحدة في التعويض عن أسبوع آخر من الخسائر الكبيرة التي لحقت بسلع الطاقة. فقد سجل النفط الخام خسائر للأسبوع الثالث على التوالي. بينما عكست المعادن الثمينة بعضاً من المكاسب القوية التي حققتها مؤخراً من خلال عمليات جني الأرباح التي بدأت قبل اجتماع "اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة" المقرر عقده يوم 14 يونيو الجاري.
وعاد النفط إلى مستوياته التي كان عليها قبل اجتماع دول منظمة أوبك، حيث انصب تركيز الأسواق على حجم العرض بشكل يفوق التركيز على الأزمات الجيوسياسية الناشئة في منطقة الشرق الأوسط. وارتفعت مخزونات النفط والوقود الأمريكية على نحو مفاجئ إلى أعلى مستوياتها خلال 3 أشهر، في حين واصل إنتاج النفط في نيجيريا وليبيا تحسنه.
وتم اعتبار الأزمة مع دولة قطر حتى الآن ذات تأثير سلبي على الأسعار لكونها تنطوي على مخاطر انخفاض مستويات الالتزام أو انهيار اتفاق خفض الإنتاج الحالي والذي من المفترض أن يستمر حتى شهر مارس المقبل.
وارتفعت أسعار الذهب والفضة نتيجة لانعدام اليقين حول عدد من المواضيع. ولكن بعد الاجتماع التوافقي الذي عقده "البنك المركزي الأوروبي"؛ وخلو شهادة مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) من أي مفاجآت تذكر؛ وتعليق أعمال البرلمان في المملكة المتحدة، تحوّل الانتباه إلى جني الأرباح قبل انعقاد اجتماع "اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة" خلال الأسبوع المقبل.
وباستثناء النحاس، سجل قطاع المعادن الصناعية انخفاضاً في التداولات نتيجةً للوفرة -وفي بعض الأحيان- ارتفاع مستويات العرض. بينما ساهم انتعاش الواردات الصينية من النحاس خلال شهر مايو الماضي، وانخفاض مخزوناته في "بورصة لندن للمعادن" (LME)، والانقطاع المتكرر لإمداداته الواردة من تشيلي (بسبب أحوال الطقس) في صعود تداولات هذه السلعة إلى أعلى مستوياتها حالياً.
من ناحية أخرى، شهد الموسم الزراعي لهذا العام بداية متعثرة بالنسبة للمزارعين الأمريكيين. فبعد الهطولات المطرية ذات الغزارة الشديدة خلال مرحلة الزراعة، تحوّل الطقس نحو الجفاف والحرارة المرتفعة التي من شأنها أن تتلف المحاصيل خلال مرحلة نموها الحالية. بينما تُعزى بعض عمليات الشراء التي تمت مؤخراً إلى تغطية المراكز المالية قصيرة الأجل من قبل الصناديق التي تستحوذ على صافٍ قياسي للمراكز المالية قصيرة الأمد قبل أن تطرأ التطورات الأخيرة المتعلقة بالطقس. ويمكن لتحسن التوقعات الخاصة بالطقس خلال الأسبوع المقبل أن توقف زخم الاتجاه التصاعدي للقطاع، ولكن من شأنها أيضاً أن تسلط الضوء على مخاطر تقلبات الأسعار خلال مرحلة نمو المحاصيل ذات الأهمية العالية.
وبعد تسجيله ارتفاعاً بلغت نسبته 7% تقريباً لشهر كامل،اتخذ الذهب اتجاهاً هبوطياً يقترب من المستوى الذي وصل إليه في عام 2011، لتعاود أسعاره بعد ذلك ارتفاعها خلال شهر أبريل وتبلغ 1,296 دولار أمريكي للأونصة. وتلقت أسعار الذهب والفضة دفعة قوية قبل صدور الدفعة الثلاثية من المخاطر المحتملة في يوم الخميس. ولكن فشلت نتائج اجتماع "البنك المركزي الأوروبي" وشهادة مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) وتعليق أعمال البرلمان البريطاني في زعزعة مكانة الذهب، وتحوّل التركيز بدلاً من ذلك إلى جني الأرباح – ويُضاف إلى ذلك كله إمكانية ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية في يوم 14 يونيو.
ولايزال الطلب على الذهب قائماً باعتباره يمثل أداة لتنويع المحافظ الاستثمارية والتحوّط ضد المخاطر السياسية أو الاقتصادية. في يوم الأربعاء الماضي، شهد إجمالي حيازات الذهب للصناديق المتداولة في البورصة ارتفاعاً ملحوظاً بلغ 14.5 طن، وهو ما يشكل أكبر زيادة تتم خلال يوم واحد منذ شهر يوليو الماضي. واستعاد إجمالي الحيازات نصف الكمية التي فقدها في أعقاب الانتخابات الرئاسية الأمريكية خلال شهر نوفمبر الماضي.
ورغم الحفاظ على التوقعات الإيجابية إزاء أسعار الذهب، إلا أنه يعتقد بوجود مخاطر قصير الأمد تتمثل بالتوجه نحو التصحيح ليبلغ السعر مبدئياً 1,265 دولار أمريكي للأونصة، وهو ما يشكل تراجعاً بنسبة 38.2% عن الارتفاع الذي شهدته أسعار الذهب بين شهري مايو ويونيو. وإذا لم تنخفض أسعار الذهب إلى ما دون 1,245 دولار للأونصة (61.8%)، فمن غير المرجح لها أن تستقطب وتيرة متسارعة من المبيعات كالتي شهدت في شهر أبريل الماضي بعد فشل الذهب في تجاوز عتبة 1,300 دولار للأونصة.
أما في حال تجاوز أسعار الذهب 1,300 دولار للأونصة، فإنه من المتوقع لها أن ترتفع إلى 1,315 دولار قبل أن تتابع ارتفاعها إلى 1,337 دولار للأونصة يوم 9 نوفمبر المقبل.
وعلى المدى القصير، تنظر الأسواق إلى التصعيد المحتمل للأزمة القطرية كعامل يؤثر سلباً على أسعار النفط نظراً لتأثيره المحتمل على قدرة الدول الأعضاء وغير الأعضاء في منظمة أوبك أو مدى رغبتها بالحفاظ على التزاماتها المتعلقة بتخفيضات الإنتاج الحالية.
وبالمقابل، لا شك أن نشوء تلك الأزمة ستشكل عاملاً إيجابياً في الأسواق، حيث ستعود علاوة المخاطر للارتفاع استجابةً للمخاوف المتعلقة بتوقف إمدادات النفط من المنطقة.
أما في هذه المرحلة، يشكل احتمال انهيار اتفاق تخفيض إنتاج النفط خطراً أكبر مما يمثله تصاعد حدّة الصراع. إذ لاتزال إمدادات النفط غزيرة حول العالم، ويستمر وصول الإمدادات الإضافية إلى الأسواق. وخلال هذا الأسبوع، أعلنت شركة "رويال داتش شل" عن رفع القيود التي فرضتها على تصدير النفط من حقل "فوركاوس" في نيجيريا، وهو الأمر الذي من شأنه أن يرفع طاقته الإنتاجية إلى 250 ألف برميل يومياً.
وكانت "إدارة معلومات الطاقة" الأمريكية قد رفعت في تقريرها الشهري "توقعات الطاقة قصيرة الأجل" سقف توقعاتها حول إنتاج النفط في الولايات المتحدة لعام 2018 إلى 10 ملايين برميل يومياً، إي بما يتجاوز الرقم القياسي السابق والبالغ 9.6 مليون برميل يومياً في عام 1970. وفي هذه المرحلة ومع الأخذ بعين الاعتبار آخر صفقات البيع، فإنه يعتقد بأنه يمكن أن يقوم المنتجون الأمريكيون بمضاعفة جهودهم لبلوغ هذا الهدف نظراً للانكماش الذي تتعرض له الاقتصادات المختلفة.
وبدأت المبيعات الآجلة من جانب المنتجين الأمريكيين تشهد تباطؤاً ملحوظاً، حيث هبط إجمالي العقود الآجلة قصيرة الأمد إلى أدنى مستوياته منذ شهر يناير الماضي. وشهد خام غرب تكساس الوسيط والمعد للتسليم في عام 2018 انخفاضاً بنسبة 14% بالمقارنة مع المعدل الوسطي المسجل خلال الربع الأول من العام الحالي. كما تباطأ نمو الإنتاج الأمريكي الأسبوعي ليصل إلى 1000 برميل يومياً على مدى الأسابيع الأربعة الماضية بالمقارنة مع متوسط النمو الذي بلغ 28 ألف برميل يومياً خلال الأشهر الثلاثة السابقة.
ولا شك بأن المخاوف المتعلقة بانهيار العرض مع وصول أسعار النفط إلى حوالي 45 دولاراً للبرميل، وارتفاع مستويات الطلب مع اقترابه من ذروته التقليدية خلال الربع الثالث من العام، واحتمالات تصعيد الوضع في منطقة الشرق الأوسط ستسهم بمجموعها على الأرجح في استقطاب المزيد من الدعم لأسعار النفط، وتخفيض مخاطر حدوث المزيد من الخسائر بما يقل عن مستوياتها الحالية.
ولايزال خام برنت عرضة للهبوط إلى ما دون 50 دولاراً أمريكياً للبرميل، ولكنه استطاع بالمقابل الحصول على الدعم والعودة إلى الاتجاه التصاعدي الذي شهده في شهر أغسطس الماضي. ومن غير المحتمل أن يستحوذ ذلك على رضا البائعين على المدى القصير، والذين يتطلعون حالياً للوصول إلى سعر 46.65 دولار للبرميل كما كان الوضع عليه في شهر مايو الماضي، أو إلى 44.66 دولار للبرميل كهدف أشمل.