في إحدى السنوات جرت مناظرة شعرية بين شاعرين من مواطني إحدى دول مجلس التعاون كانا قد تحديا بعضهما في حضور جمع من المثقفين بحيث يرتجل كل منهما بالتناوب بيتاً على نفس الوزن والقافية وفي موضوع واحد ومن دون تأخير. بعد فوز أحدهما نعت الشاعر المهزوم خصمه بقوله إنه «عجمي»، ولأن المناظرة كانت باللغة الفصحى لذا اعتبره من سمعه بأنه هزم مرتين، مرة بفوز خصمه عليه ومرة لأن خصمه تفوق عليه رغم أنه «عجمي». وبالتأكيد فإنه بتعليقه ذاك خسر احترام الكثيرين.

الفعل نفسه الذي مارسه ذلك الشاعر المهزوم، يمارسه اليوم من يعتبرون أنفسهم «معارضة» و«ثواراً»، فبدل أن يناقشوا الآخر الذي لا يرضيهم رأيه وموقفه ويقارعونه الحجة بالحجة يهتمون بأصله وفصله فيقولون إن أصله كذا أو كذا، من دون أن ينتبهوا إلى أن هذا الكلام يسيء إليهم وإلى حراكهم ويجعل الكثيرين يتخذون منهم موقفاً سالباً، فعندما تهتم «المعارضة» بالقول بأن سيناً أو صاداً أو عيناً من أصول فارسية أو غير عربية فإنها توجه رسالة سالبة إلى كل من يتعاطف معها أو يؤيدها ملخصها أنها لو تمكنت من تحقيق مرادها فإنها ستقوم بتصنيف المواطنين إلى فئتين، فئة أصلية وفئة غير أصلية، وهذا وحده يكفي لينفض عنها كل من تعتبره منتمياً إلى الفئة الأخرى.

هذا التصرف المعبر عن توجه أقل ما يقال عنه إنه متخلف يؤكد أن هؤلاء لا يدركون ما يفعلون ولا يعرفون لا معنى لمعارضة ولا معنى لثورة ولا معنى لحراك، ذلك أن عدم تمكنهم من التحرر من هذه النعرة تجعل الآخرين ينفرون منهم ويتأكدون من أنهم ليسوا كفؤاً لملء الخانة التي يضعون أنفسهم فيها. عدم تمكن هؤلاء من التحرر من هذه العقدة يعجل وصولهم إلى لحظة رفع الراية البيضاء.

الحقيقة التي ينبغي ألا يتهربوا منها هي أن من يعتبرونهم منتمين إلى الفئة التي يقولون عنها أصلية لا يزيد عددهم في كل الأحوال عن ربع شعب البحرين وأن هذه النسبة تشمل الأجنة في بطون أمهاتهم، وهذا يعني أن النسبة المتبقية وقوامها ثلاثة أرباع الشعب ليست معهم أو أنها ضدهم، فعن أي ثورة إذن يتحدثون؟ هل يمكن لربع الشعب أن يقوم بثورة وينجح فيها؟

قبل أيام كان ضيوف إحدى حلقات البرنامج اليومي الذي تبثه السوسة الإيرانية «فضائية العالم» والمخصص لتوجيه الشتائم والسباب للبحرين يجتهدون في الإجابة عن سؤال وجهه إليهم مقدم البرنامج عن فكرة كان قد كتبها أحد العاملين في مجال الإعلام حيث اهتموا بذكر أصول ذلك الشخص وانتقاده كشخص بدل مناقشة فكرته والرد عليها. وبالتأكيد لم ينسوا القول إنه يعمل مع الحكومة وأنه مستفيد منها وأنه شغل أو يشغل المنصب الفلاني وأنه يحصل على «همشة»، إلى آخر هذا الكلام الذي لا قيمة له ويكشف عن ضحالة تفكيرهم.

ترى هل يمكن لمعارضة هذا مستواها ومستوى تفكيرها أن تنجح وتحقق ما وعدت به البعض المغشوش بها؟ هل يمكن شد الظهر بها؟ بل هل يمكن أن يطلق عليها هذه الصفة؟ ماذا يعنيني كمواطن تدعي أنك تدافع عني وتريد أن تحقق لي المكاسب ما إذا كان فلاناً الذي تختلف معه أصوله عربية أو فارسية؟ أنا أريد المكاسب التي وعدتني بها، لا يهمني أصل فلان وفصل علان، ماذا أعطيتني لأواصل معك وأتحمل صعوبات هذا الطريق؟

بسبب البذاءة ذاق ذاك الشاعر طعم الهزيمة مرتين، والسير في النهج نفسه سيجعل «المعارضة» تذوق طعم الهزيمة ألف مرة، خصوصاً وأن من تتجرأ عليهم لا يهتمون بما تقوله عنهم ومشغولون في الدفاع عن الوطن.