تحقيق – يوسف المقهوي:ناقش مجلس النواب مقترح صندوق دعم كل من يقل أجره عن 300 دينار في القطاع الخاص، وما أن نشر هذا الموضوع في الصحافة المحلية حتى تلاقفته مواقع التواصل الاجتماعي بالتفاؤل والتمني والتخوف من عدم إقراره والموافقة عليه.وتدني الرواتب وبالأخص في القطاع الخاص يشكل هاجساً لدى المواطن، إذ إن مبلغ 300 دينار في هذا الوقت ومع ارتفاع تكاليف الحياة المعيشية أصبح أمراً صعباً للغاية، إلى درجة أن أحداً وصف بعض المواطنين بأنهم يعيشون أزمة نفسية كل شهر، فالراتب ينتهي قبل منتصف الشهر، بسبب الالتزامات الحياتية.الباحثون الاجتماعيون أشاروا إلى خطر تدني الرواتب في أكثر من موقع، محذرين من أن استمرارها بهذا النحو سيؤدي إلى مشكلات اجتماعية أسرية تصل إلى حد العراك والطلاق بين الزوجين، وخاصة إذا كان الزوج غير قادر على توفير مقومات الحياة الزوجية بسبب الضغوط المادية.وطرح اقتصاديون حلولاً تختلف عن حلول الدعم غير المدروس، ولو أنهم أساساً ليسوا مع فكرة الدعم مطلقاً، إلا أنهم يطرحون فكرة توجيه الدعم، فهم يرون أن الحكومة توجه الدعم إلى بعض السلع التي يستهلكها الجميع: مواطنون وغير مواطنين، وهذا يعارض فكرة توجيه الدعم.يتجاهلون القطاع الخاصالمواطن عدنان خليل أشار إلى أنه تابع أخبار المقترح لأنه كمواطن تهمه هذه الأمور فهي تمسه، ولأنه سيكون من المستفيدين إذا ما تمت الموافقة عليه، ولكنه أبدى خشيته من أن يطول المقام بالحديث عن القانون ولا يتم تنفيذه، وقال: هناك حالات حرجة في مجتمعنا تحتاج إلى مدّ يد العون لها في أسرع وقت، فكثيرة هي العائلات التي يقل راتب معيلها عن 300 دينار، والحياة أصبحت صعبة للغاية، والمواطن عندما يشتري المواد التموينية في بداية الشهر فقط يستهلك قرابة 60 ديناراً، أضف إلى ذلك مبلغ إيجار السكن أو ما ترتب في ذمته من مبالغ مالية أخرى، فماذا بقي له، لذلك فإن الدعم الحكومي مطلوب وهذه مهمة مجلس النواب والحكومة، فالحياة باتت أسوأ مما يتوقع المرء.واستغرب عدنان من رد الحكومة التي وصفت القانون بأنه يعد تميزاً بين القطاع العام والخاص إذا ما أقر، وقال: إن الحكومة بين الحين والحين تقر زيادة للقطاع العام متجاهلة القطاع الخاص، وهذا لا يعد تميزاً، واليوم يعد هذا القانون تميزاً.خطة حكومية لـ«الخاص»أما المواطن محمد بوعلاي فإنه أرجع سبب تأخر أو إعراض الكثير من الشباب عن الإقبال على الزواج إلى تدني الرواتب وخاصة في القطاع الخاص، وقال: إن الراتب في الوقت الحالي لا يكفي للأعزب، فكيف سيكون مريحاً وكافياً للمتزوج الذي تكالبت عليه الظروف والنفقات، ومشكلتنا الحقيقية هي أننا لا توجد لدينا خطة وطنية حكومية أو حتى نيابية لرفع رواتب المواطنين في القطاع الخاص، وإن وجدت خطة لرفع الرواتب فهي خاصة بالقطاع العام، على الرغم من أن معظم المواطنين يعملون في القطاع الخاص، ونحن سمعنا بالكثير من مشاريع الدعم، ولكن الأفضل هو رفع الرواتب في القطاع الخاص بدعم حكومي وتنتهي مسألة العلاوات التي تفرعت كثيراً.القانون ضرورة مجتمعيةالدكتورة هدى المحمود نائب رئيس جمعية الاجتماعيين البحرينية أشارت إلى أن مقترح صندوق الدعم يعدّ جيداً كحل مؤقت، وقالت: إن راتب الـ300 دينار ليس بالراتب الذي يكفل الحياة الكريمة لأسرة، والأمم المتحدة أجرت دراسة خاصة بالبحرين، قامت على أسس عالمية، وهي حساب تكاليف المعيشة للأسرة مثل السكن والمواد الغذائية والمواصلات، ووصل مجموع معدلها الأدنى إلى 350 ديناراً، ومضى على هذه الدراسة أكثر من 5 سنوات، فإذا كانت هذه الدراسة في ذلك الوقت لا تكفل للمواطن احتياجات الحياة، فما بالك في هذا الوقت.. إنه يعد الآن تحت خط الفقر بالتأكيد.المحمود أشارت إلى أن هذا القانون ضرورة مجتمعية، فتدني الرواتب له سلبيات كثيرة تنعكس مباشرة على حياة الفرد وسلوكياته، وقالت: لا يمكن أن يرقى أداء المواطن وهو يحصل على راتبه "الفتات” بهذه الصفة التي لا يعدّها من وجهة نظره محترمة وتقدره كإنسان أو حتى مواطن، يتعرض لنوع من الحرمان هو وأسرته وأولاده، والحرمان الاقتصادي يؤدي إلى عزلة اجتماعية، لا يستطيع معها أن يتفاعل مع الحياة العامة، ولا يمكن أن يمارس حياته بنحو طبيعي، فهو يحرم أبناءه مثلاً من الألعاب أو حتى الملابس الجديدة.وتضيف المحمود: إن هذا الأمر يؤدي إلى مشكلات نفسية وقلق وتوتر واكتئاب وغضب، وهذه المشاعر السلبية كلها تنتج عن عدم مقدرته على توفير الحياة الكريمة ومن ثم ينتج عنها سوء في العلاقات الزوجية والأسرية.وأكدت المحمود أنه بسبب ضعف دخل الرواتب فإن الكثير من المواطنين يعيشون وضعاً اجتماعياً مقلقاً، وقالت: إن هذا الأمر سيقود الكثير من المواطنين إلى التوترات الاجتماعية، فالإنسان الذي لا يستطيع أن يحصل على الحد الأدنى على المعيشة يصل إلى حالة عدم الرضا.والقانون سيعالج الموضوع لمدة، بحسب المحمود، لأن المواطن يريد أن يعيش ولكن الركون إلى هذا القانون حل غير عملي، فمن الضروري أن يعاد النظر في سلم الرواتب بحيث يتناسب مع الحياة الاقتصادية، وقالت: ليس من الممكن أن تسيء إلى كرامة الإنسان إلى هذه الدرجة، حينما يكون الإنسان عاجزاً عن توفير الحياة الكريمة، فالحل الجذري هو ربط سلم الرواتب بالاقتصاد، ويجب أن يستفيد العاملون المجدون ويجب على الدولة أن تضخ الأموال لتحسين رواتب المواطنين.الكرم المضرمسألة الدعم لمن يقل راتبه عن 300 دينار لها جوانب اجتماعية وسياسية واقتصادية عدة، لذلك كان لا بد من أن نخرج برأي اقتصادي حصيف لكي تكتمل الصورة، وهذا ما حصلنا عليه من الخبير الاقتصادي الدكتور أكبر جعفري، الذي تحدث عن الموضوع من زاوية أخرى، وقال: أنا شخصياً تحدثت عن مسألة الدعم في حوار التوافق الوطني، والمشكلة تكمن في أننا لدينا كرم مضر ويتم توزيع هذا الكرم بأسلوب مضر أيضاً، وهنا بؤرة المشكلة، وليست في أن يكون الراتب 300 دينار، الحلول موجودة، وتكمن في نمط الدعم، أما عن التحويلات المالية أو عن طريق دعم السلع، وهناك خلل هيكلي كبير في عملية الدعم في البحرين.وبنحو تفصيلي أكثر، أوضح جعفري أن هناك مليار و200 ألف دينار تضخ سنوياً في عملية الدعم، وقال: إن نصف سكان البحرين من الأجانب تقريباً، والحكومة ليست مسؤولة عن مأكلهم ومشربهم، ونصف البحرينيين لا يستحقون الدعم بسبب أن دخلهم يكفيهم، لذلك يجب أن يتم توجيه الدعم إلى 25% من سكان البحرين، والمشكلة الحالية هي أن الدعم الذي يجب أن يستهدف ربع السكان يذهب إلى سكان البحرين كلهم، فالمستحق لا يحصل على أكثر من ربع حقه، والبقية يحصلون على الدعم الذي لا يستحقونه، وقد لا يكون من المناسب تغيير هذا الأمر حاليا، ولكن يجب السير بخطوات بسيطة باتجاهه.وأضاف جعفري: إن هناك 22% حسب تقرير مجلس التنمية الاقتصادية من أرباب البيوت يقعون في حيز الذين يحتاجون دعماً مادياً مباشراً، وحسب التقرير فأن أي شخص راتبه 463 ديناراً هو على خط غير مريح، وأي رقم أدنى منه هو في حيز غير مريح حسب التعريف ومستوى المعيشة في البحرين، وهذا الرقم يقع في ترتيب من الأعلى 12% في الدخل العالمي، ولكن العوز في البحرين نسبي.وبحسب تعريف الفقر الذي قدمته الأمم المتحدة فإن البحرين بعيدة عن الخط غير المريح، بما معناه أنه ليس هناك من يمت جوعاً أو يعيش من دون ملابس ولا يحصل على الخدمات الصحية والتعليمية، وقال: إن هذا الحيز فروقاتي، نفسياً وسيكولوجياً ألمه هو ألم الفقر الحقيقي نفسه، وهذه المشكلة في هيكلة الدعم، ولا أظن أن دعم 50 أو 100 دينار ستحل المشكلة، ولكنها ستغير مواقع مشكلاتنا من موقع إلى آخر، ومشكلتنا هي التوزيع المضر.احتياجات المواطنالنائب عيسى القاضي أشار إلى أن المقترح أعيد للجنة للمزيد من الدراسة، وأنه سيتم عرضه بعد الانتهاء من مناقشة بعض الأمور، وقال: إن المشروع يخدم موظفي القطاع الخاص بصفة مباشرة، وهو يحتاج إلى ضخ مبالغ ضخمة من الحكومة، لأن القطاع الحكومي لن يستطيع تحمل الأعباء المالية الإضافية لوحده.وأضاف القاضي: كلما تحسن دخل المواطن، انعكس إيجاباً على أمور عدة، منها الاستقرار الاجتماعي في محيط الأسرة، وأصبح رب الأسرة قادراً على إدارة المنزل والأمور الحياتية اليومية من دون حرج أو عوائق، وستتقلص المشكلات الزوجية وسيكون هناك أيضاً إقبال على الزواج من الشباب، لأن الإسكان والرواتب من أهم الأمور لاستقرار أي حياة زوجية، وكما نعلم فأن القطاع العام استفاد أكثر من مرة من الزيادات العامة بينما حرم القطاع الخاص منها.وأكد القاضي أن إقرار هذا القانون يعني إنعاش الدورة والحركة الاقتصادية، فكلما تحسن دخل المواطن كانت قابلية الشراء أكثر مما سيستفيد منها التاجر وهكذا، وقال: إن هناك دعماً حقيقياً لإقرار هذا القانون، وهذه من الأمور التي دائماً ما يركز عليها النواب لأنها تمس المواطن بنحو مباشر، ونتمنى أن يتم إقراره بأسرع وقت.