خيم الحزن على الساحة الفنية والإعلامية عندما نعي خبر وفاة الفنان صاحب العطاء والقلب الكبير أحمد الفردان.. حيث فقدت البحرين رجلاً أحب الفن والناس أحبوه.. فالجميع يتفق على محبته ومودته ودوره الكبير في كل المحافل في إثراء الفن واهتمامه بالفنانين ومنهم الشعبيون والشباب، وقلبه المفتوح للجميع وسعيه المستمر أن تظل سمعة البحرين دائماً شامخة وسط كل المحافل.. ولكنه القدر ولا نستطيع إلا أن نترحم عليه ونذكر مناقبه. عندما بدأتُ في كتابة أول سطر يدوِّن سيرة الفنان أحمد الفردان، استدعتْ الذاكرة جزءاً من المقابلة الإذاعية التي أجريتها معه في شهر رمضان الماضي في برنامجي «السهرة الفنية» عندما بادرته بسؤال افتتحت معه البرنامج «ليش هالكثر يا أستاذ أحمد أنت مهتم بالفن، حتى إنك عطيته حياتك وجهدك وتصرف عليه من مالك دون مقابل، وأنت تاجر وطواش لك مكانتك ومشاغلك وتجارتك»؟. رد عليَّ بابتسامة: «إنه العشق يا ولدي يا يوسف، وكل اللي قدمته أحس أني مقصر وأنا لا أنتظر شكراً وتقديراً، سعادتي في أني أشوف تراث بلدي يكبر ويعتنى به، وسعادتي أكثر لما أشوف سنوات العمر اللي قضيناها في الفن ما راحت هباء، بل يأتي جيل يحمل الراية من بعدنا». توقفت طويلاً أمام كلمة «العشق»، وكنت أدرك، إذ الشخص وصل إلى درجة العشق، وهي أعلى درجات الحب. ماذا يمكن أن يفعل ويضحي دون أن يدرك أو حتى يفكر! فيكفيه أن يرى محبوبته سعيدة وهو سعيد، وهذا هو أحمد الفردان الذي أحب بل عشق الفن، فمنحه حياته وشبابه وماله، دون مقابل. سيرة الفنان العم أحمد الفردان لا يمكن أن تسجل في هذه المساحة؛ لأنها كبيرة وغنية وثرية في كل مراحلها، سيرة الفردان تحكي مسيرة فن وشخص مسكون بالفن والتراث، شخص يحبه جميع الناس ويقدره كل من يتعامل معه، شخص كبير عند الناس بتواضعه، عظيم عند الناس بخبرته، حكيم عن الناس برؤيته، محب للخير وداعٍ له. إنه نموذج للفنان الحقيقي، الفنان الذي يعمل ليسعد الآخرين، ويحترق ليضيء درب الآخرين، إنه باختصار المرحوم أحمد الفردان. البداية العام 1940 ولد أحمد إبراهيم حسن الفردان بمدينة دبي بالإمارات العربية في حي البحارنة «وسمي بهذا الاسم نسبة إلى وجود عدد من البحرينيين الساكنين في هذا الحي»، فتعلم أجزاء من القرآن الكريم على يد عمته خديجة بنت حسن الفردان، واختتم القرآن عند سيد محمد، بعدها انتظم في المدرسة التي أسسها الأستاذ العراقي علي العامر والقريبة من مكان سكن عائلة الفردان في دبي، وكانت عبارة عن فصل واحد بها أربعون طالباً، فبدأ في تعلم مهارات الكتابة والقراءة، حتى وصلت رسالة إلى والده الحاج إبراهيم الذي رجع إلى البحرين تفيده بضرورة إجبار ابنه بترك الدراسة في هذه المدرسة بسبب نشاط الأستاذ وعلاقته بالبهائية، فامتثل أمر والده وانقطع فترة عن الدراسة رغما عنه، وهو يزداد في كل يوم شوقا لمعانقة الكتب والمشاركة في الصف، حتى استقرت الأمور ورجع بعد أسبوعين لمواصلة الدراسة، إلا أن المدرس اتهمه «بالجاسوسية». تخيلوا جاسوسية وجاسوس وغيرها من الكلمات التي لا يستطيع طفل لا يتجاوز عمره الـ8 سنوات من استيعابها، لكنه شعر أن هناك خطراً قادماً عليه، وأن هناك حرباً شنها هذا الأستاذ ومعاونوه عليه، فهرب من المدرسة ومن المكان، ورجع إلى البحرين العام 1948 ليعاود الدراسة من جديد، فانتظم في البداية بالمدرسة الشرقية، ثم واصل في مدرسة عبدالرسول التاجر التي تعلم فيها الكثير من العلوم مثل الإنجليزي والرياضيات.طفولتهتعتبر عائلة الفردان من العائلات البحرينية الكريمة التي اشتهرت بتجارة اللؤلؤ، وبيت جده الحاج حسن الفردان كان مفتوحاً للجميع لما يتميز به هذا الرجل من نبل الأخلاق والكرم، وكان هذا البيت عامراً بالناس والخدم وملفى لعدد كبير من العائلات، وفي أثناء شهر رمضان وقبله كانت أصوات «الهاون» تدق الحب والهيل في البيت، وكانت تصاحب هذه المظاهر أغانٍ خاصة بها، وهنا بدأت الشرارة الأولى تدق في إذن الولد أحمد مع كل ترنيمة يد هاون، وكان في بيت جده أربع خادمات (سواحلية، بلوشية، إيرانية، عربية)، وكانوا يمارسون الفن الشعبي مع بعض الفرق الشعبية، ولكل منهم قصة، فالسواحلية كانت تسمى «فايدوا»، فتعلم منها أحمد بعض الأغاني الشعبية أما الإيرانية فكانت تسمى «جاشيكي» وهي مصابة بالصرع، ومنها تعلم العزف على الإيقاع وبعض الأغاني، إضافة إلى صنقور، وصنقور هو أيضاً خادم في بيت جده واسمه «صنقور سعدان»، وهو محب لفن الليوة والطنبورة، وكان عضواً في فرقة «قدموا وهي فنانة شعبية»، فتعلم منه الفردان بعض الإيقاعات والفنون، فالفن كان يحيطه من كل صوب. والفنون الشعبية تزاول في بيتهم الكبير في أغلب المناسبات، كمناسبات الزواج والختان واستعداد لشهر رمضان، فأثر هذا الجو الفني عليه كثيراً.الحلم الضائع في بداية الخمسينات أعلنت شركة نفط البحرين «بابكو» عن حاجتها لتوظيف موظفين في بعض أقسام الشركة، وهو العام نفسه الذي تخرج فيه أحمد من مدرسة عبدالرسول التاجر، فقدم أوراقه للشركة، وتم اختياره وتدريبه في أقسام الشركة وظل معهم لمدة أربع سنوات، استفاد كثيراً من عمله بالشركة واستطاع أن يطور قدراته ولغته الإنجليزية، ونظراً لطبيعة عمل والده الحاج إبراهيم في الطواشة وبيع اللؤلؤ وسفره الدائم لمتابعة شؤون تجارته ارتبط أحمد كثيراً بوالدته التي كانت كل شيء في حياته، فهي امرأة فاضلة متدينة تقوم بتطبيب نساء «الفريج» والإشراف على ولادتهم ومتابعة نفاسهم، وكان هذا المنظر لا يغيب عن ناظريه، فبدأ حلمه يتلون أكثر، خصوصاً وأنه كان يحلم أن يكون «طبيباً»، ولعل انضمامه للعمل في بابكو كان بدافع تطوير لغته الإنجليزية ليستطيع دخول كلية الطب، فاستأذن والده للسفر الذي بارك له هذه الخطوة على مضض وسافر إلى بغداد لتقديم امتحان القبول، وتمكن اجتياز الامتحان بنجاح، وكان ذلك العام 1957. رجع إلى البحرين يزف هذا الخبر إلى أهله، ويحضر أمتعته لرحلة العودة إلى بغداد لتحقيق حلمه، لكن توسع تجارة والده واحتياجه لأبنائه حال دون ذلك، فقد أوكل إليه والده إدارة فرع الشركة بالكويت، وكلف أخاه علي لإدارة فرع الشركة في قطر، فشكل ذلك صدمة كبيرة لأحمد، فانهارت كل أحلامه في لحظة وظل حبيس المنزل حزيناً على مستقبله لا يواسيه سوى أسطوانة الفنان عبدالحليم حافظ وهو يواسي نفسه بأغنية «ظلموه»، وقبل قرار والده بكل احترام دون أن يجادله أو حتى يعترض أمره، وسافر للكويت فترة، ولكنه رجع مرة أخرى إلى البحرين ليستقر فيها ويشرف على المحلات.حي التلغرافكان محباً للحياة عاشقاً لكل شيء جميل وجديد، وكان أثناء عطلته الأسبوعية يذهب مع أصدقاء «حي التلغراف» هذا الحي القريب من قصر القضيبية، والذي كان عبارة عن «عرشان وبرستيه»، وكان يعج هذا الحي بالفرق الشعبية والفنون المختلفة، فقد كان يجتمع فيه الباكستانيون والبلوش والعمانيون والسواحليون والهنود واليمنيون وعدد من الفرق الشعبية البحرينية وغيرهم، وكل منهم يقدم فنه أمام منطقته حتى أصبح عصر يوم الجمعة من كل أسبوع أشبه بكرنفال فني يحتضن كل هذه الفنون المختلفة، فيذهب أحمد الفردان هذا الحي ليستمتع بهذه الفنون وهو مبهور بما يشاهده من مظاهر احتفالية فنية مختلفة من إيقاعات وفنون ورقص وكلمات، وكان يشده هذا المظهر كثيراً، حتى إنه كان ينتظر يوم الجمعة بفارغ الصبر ليأتي إلى هذا الحي ليتعرف إلى أصحابه وعلى هذه الفنون المختلفة التي أثرت فيه بشكل كبير ومنحته الخيال الفني، وقد أحب الفردان هذه المجموعة لما وجد فيهم البساطة والطيبة والترحيب بالناس، وأحمد من الشخصيات الاجتماعية التي تتأقلم مع الجميع بسرعة، فأصبح لديهم معروفاً، يرحبون به بشكل دائم وكون معهم صداقات، إلا أن الحريق الذي طال هذا الحي وقضى على كل «العرشان» أنهى هذا الكرنفال الفني، وجعل هذه الفرق تتشتت وانتقل أغلبهم إلى مناطق مختلفة. عاشق الإيقاعكان أحمد يعشق الإيقاع منذ صغره، وكان يتعامل معه بأنه قطعة من اللؤلؤ يداريه ويحاكيه ويحضنه، حتى أنه إذا بدأ يعزف عليه عزف برقة وحنان وهو يستمتع بالنغمات الجميلة التي تصدرها أنامله وهو ينقر على الإيقاع، ولكن السؤال الذي يثير الفضول لماذا اهتم الفردان بآلة الإيقاع دون غيرها، وكانت الإجابة أن وجد في الإيقاع ما يحرك داخله، خصوصاً وأن الإيقاعات مختلفة، ولكل منها لون وأسلوب، ثانياً ظلت أصوات «الهاون» التي كانت تعزف في البيت وهو صغير في ذاكرته ولم ينسها، فأصبح يشده الوزن والإيقاع، كذلك منظر الفرق الشعبية في حي التلغراف وأصواتها المختلفة شده كثيراً، فأصبح يميل إلى الإيقاع ويتفنن فيه، وكان دائم العزف في كل المناسبات التي تجمعه مع أصدقائه أثناء رحلاتهم وتجمعاتهم.أسرة هواة الفنفي منتصف الخمسينات بدأ الفنان أحمد الفردان حياته الفنية وذلك من خلال انضمامه للفرقة الموسيقية «بنادي التضامن»، وكان هو عازف الإيقاع للفرقة، وقد شارك في هذه الفترة بتسجيل عدد من الأغاني لعدد من الفنانين البحرينيين والخليجيين من خلال مصاحبتهم بالإيقاع، وكان التسجيل يتم في محل سالم راشد الصوري في «السوق المسقف» بالمنامة لعدد من الفنانين، بعدها انتقل أحمد مع مجموعة من الفنانين للانضمام إلى أسرة هواة الفن، وظل يمارس معهم نشاطه الفني حتى تم إشهار أسرة هواة الفن رسمياً العام 1956، وكانت في تلك الفترة تعتبر أسرة هواة الفن من أبرز الفرق التي تحتضن العديد من الأنشطة الثقافية والفنية، كما كانت لها أنشطة مسرحية وفنون تشكيلية وموسيقية، فبدأ أحمد الفردان المشاركة في فعاليات هذه الأنشطة المختلفة، فشارك مع الفرقة الموسيقية كعازف إيقاع، كما شارك في تمثيل عدد من «الاسكتشات» المسرحية، وكان له دور بارز في أغلب الأنشطة التي كانت تقيمها الأسرة طوال العام، إلا أن اهتمامه الأكبر كان للموسيقى، حيث كان مهتماً بتطوير الفرقة والسعي لانضمام العناصر الفنية المتميزة لها، كما كان حريصاً على ترابط الأعضاء والعمل بروح الحب والتعاون، ولعل شخصية أحمد الفردان المتميزة ومقدرته على القيادة والتأثير على الآخرين أهلته أن يكون رئيساً لفرقة أسرة هواة الفن، خصوصاً بعدما تنازل في أول انتخابات للأسرة «عزيز أريان» عن الرئاسة بعد ثلاثة أيام من انتخابه ليزكي الفردان أن يكون هو الرئيس بدلاً عنه؛ لإيمانه أنه أحق بالرئاسة منه، وقد رحب الأعضاء بذلك. قدم الفردان الكثير للفرقة وأعضائها من خلال رئاسته للفرقة، وسخر وقته وجهده وماله من أجل تطوير الفرقة، وقام بتزويد الفرقة بعدد من الآلات الموسيقية التي اشتراها من حسابه الخاص من بعض الدول الغربية، وكان لهو دور بارز في الحصول على ميزانية للفرقة تدعم أنشطتها بدلاً من اعتمادها على اشتراكات الأعضاء، كما كان يحفز الأعضاء من خلال منحهم «جنيهاً ذهباً» لكل عازف يجيد مقطوعة موسيقية، إضافة إلى توحيد الزي، وجلب مدرسين لتعليم أعضاء الفرقة النوتة الموسيقية وحل المشكلات والعقبات كافة التي تقف في طريق الأعضاء، فبدأت الفرقة تحصد نجاحاً تلو نجاح من خلال مشاركاتها المختلفة في المناسبات والاحتفالات الوطنية التي كانت تقام من البحرين، كما شاركت الفرقة بالعزف مع كبار الفنانين العرب والخليجيين سواء كانت في الحفلات العامة أو بمصاحبتهم في التسجيل بالإذاعة. فرقة الأنواربعد كل النجاح الذي حققته أسرة هواة الفن تحت قيادة الفردان، إلا أن الخلافات بدأت تدب بين أعضاء الفرقة وأعضاء مجلس الإدارة لأسباب كثيرة، حتى انسحب عدد من الأعضاء وشكلوا لهم فرقة خاصة «بنادي الولعة»، وظلت محاولات الفردان لحل هذه المشكلات والعمل على استقرار الفرقة والسعي للتوافق مع بعض أعضاء مجلس الإدارة، إلا أن محاولاته باءت بالفشل، حتى قرر هو وصديقه المرحوم الفنان عيسى جاسم بالاستقالة من الفرقة، وكان ذلك العام ,1963 لينهي بذلك علاقته بأسرة هواة الفن، تاركاً خلفه نجاحاً كبيراً، وكل الآلات التي اشتراها من حسابه الخاص كدعم منه للفرقة، وخرج وهو حامل قانونه فقط.وفي هذه الفترة ظل الفردان وعيسى جاسم بالعمل على تأسيس فرقة موسيقية أخرى تحتضن المواهب الموسيقية وتساهم في نشر الثقافة الموسيقية، فتقدموا لنادي اللؤلؤ بفكرة إنشاء هذه الفرقة، فرحب أعضاء مجلس الإدارة بهم وقدموا لهم التسهيلات والدعم، وتم الاتصال بالفنانين ودعوتهم للانضمام لعضوية الفرقة، وبدأت الفرقة تكبر، خصوصا بعد الحفل الأول لها الذي أقيم العام 1964 على سطح «فندق الساحل»، لتتوالى على الفرق العديد من الطلبات لإحياء حفلات الأعراس والمناسبات المختلفة، كذلك مصاحبة الفرقة للمطربين لتسجيل الأغاني في الإذاعة والأستوديوهات، وسافرت الفرقة للعديد من الدول؛ لإحياء الحفلات الموسيقية والفنية، إلا أن الحفلة التي أقامتها الفرقة في عيد الجلوس العام 1965 كانت الحفلة التي شكلت نقلة نوعية لهم وبدأت الفرقة تنال شهرة واسعة.العلاقة بالقانونفي البداية بدأ الفردان العزف على الإيقاع، إلا أنه عندما بدأ ينظم العمل أثناء رئاسته لفرقة أسرة هواة الفن، أدرك أن الفرقة ينقصها عازف قانون لتكون فرقة مكتملة، وظل يبحث عن عازف قانون ولم يجد، حتى خاطب نفسه لماذا لا أتعلم العزف على القانون وأصبح عازف القانون في الفرقة، وكانت هذه مشقة أخرى في البحث عن قانون بدلاً من عازف قانون، حتى تم إخباره أنه يوجد في حي «الزراريع» بالمنامة شخص سعودي اسمه «حمرة أبوعريضة» لديه قانون، فذهب إليه واشتره منه بـ(50 ديناراً)، واتفق معه أن يعلمه على الأساسيات العزف، وقد استطاع احمد أن يتعلم بسرعة ويتمكن من العزف بشكل متميز ولافت، حتى أصبح أول عازف قانون لفرقة أسرة هواة الفن، فتم الاستعانة به في العديد من الحفلات والتسجيلات الموسيقية.ألحان «عيسى وفردان» المرحوم الفنان عيسى جاسم كان من أقرب الأصدقاء لدى أحمد الفردان، كان يعتبره دائماً أنه ذراعه اليمين وصديقه الصدوق، وأثناء عملهم بأسرة هواة الفن وفرقة الأنوار تحملوا الكثير وقدموا الكثير، فتوثقت علاقتهم بشكل أكبر، وكان الفردان خير داعم ومشجع للمرحوم عيسى جاسم، فشكلوا ثنائياً فنياً من خلال صياغة الألحان ووضعها باسم «عيسى وفردان»، ويقول أحمد الفردان في ذلك «عيسى قريب إلى نفسي كثيراً، وكان موهوباً ومتحمساً في بدايته، وكانت له بعض التجارب اللحنية الجميلة، ووددتُ أن أشجعه وأدعمه وساهمت معه في صياغة الألحان حتى أني فضلت أن يكون اسمه قبل اسمي كنوع من التشجيع له». ويضيف إننا قدمنا مجموعة من الألحان للساحة الفنية التي تغنى فيها الكثير من الفنانين، ويتذكر الفردان أن أول لحن باسم «عيسى وفردان» قام بأدائه الفنان أحمد ياسين، والذي بعنوان (يا ليل لدانه هوبيل يا لمال)، وبعدها توالت الألحان حتى العام ,1968 ليستقر كل منا بعد ذلك باسمه وأعماله الفنية الخاصة به.100 لحنطوال مشواره الفني استطاع أحمد الفردان، إضافة إلى العزف والإشراف على الفرق ومتابعة أمور الفنانين أن يسجل (25) مقطوعة موسيقية وأكثر من 100 لحن تغنى بها كبار الفنانين منهم أحمد الجميري، إبراهيم حبيب، محمد علي عبدالله، أحمد ياسين، حسين السيد، محمد المحرقي، محمد حسن، يعقوب بومطيع، نجم عبدالله، عبدالصمد أمين، وغيرهم من الفنانين البحرينيين، كما تعدت ألحانه حناجر مطربين خليجيين وعرب منهم الفنان الكويتي صالح الحريبي، مصطفى أحمد، يحيى أحمد، ولحن كذلك للفنانة ريتا المغربية ورويدا عدنان، وصاحب كبار المطربين بالعزف على القانون منهم الفنان الكبير محمد زويد الذي سافر معه للقاهرة والكويت، كذلك الفنان عوض الدوخي وماهر العطار ومحرم فؤاد وأبوبكر سالم وموزة سعيد وعبدالجبار الدارجي وعفيفة إسكندر ومحمد عبدالمطلب، وغيرهم من الفنانين الذين صاحبهم الفنان أحمد الفردان سواء كان في الحفلات التي أقامتها أسرة هواة الفن وفرقة الأنوار وكذلك مصاحبتهم أثناء تسجيل أعمالهم في الإذاعة، كما قام الفردان بعمل الكثير من الموسيقى التصويرية لعدد من الأفلام الوثائقية والمسرحيات الفنية.استفتاء الأمم المتحدةفي العام 1970 عبرت الأندية والفرق المسرحية والفنية رأيها في الاستفتاء الذي قامت به الأمم المتحدة بشأن عروبة البحرين، وقد مثل الفرق الموسيقية الفنان أحمد الفردان ومعه الفنان المرحوم داود سلمان والفنان المرحوم عيسى جاسم؛ للتعبير عن رأي الفنانين والموسيقيين بشأن هذا الموضوع، واجتمع الفنان أحمد الفردان بوفد الأمم المتحدة وأبلغهم أننا جميعاً نكن للعائلة الحاكمة في البحرين كل الولاء والمحبة، ولن نرضى بغيرهم حكاماً، والبحرين عربية، وستظل عربية، وهذا هو موقفنا الثابت ولم نحدو عنه، وقال لهم باسمي وباسم جميع الفنانين إننا خلف قيادتنا والبحرين بلدنا، وسنظل أوفياء لها حتى آخر العمر. وبذلك يكون أحمد الفردان قد ساهم بموقفه الوطني المشرف مع إخوانه الفنانين الذين عبروا عن مشاعرهم ومواقفهم أمام هذا الاستفتاء.في كنيسة كاثوليكية!يمتاز أحمد الفردان بعلاقاته المتميزة بكثير من الباحثين والمهتمين بالموسيقى والتراث، وقد شكلت علاقته المتميزة مع (بول ولسن) -وهو باحث دنماركي قام بتوثيق تاريخ الموسيقى والغناء في البحرين في فترة الخمسينات- فرصة لتواجد الموسيقى البحرينية في المهرجانات الخارجية، ففي العام 1973 قدم له الدعوة لحضور مهرجان موسيقي في الدنمارك بمدينة (هوست برو)، وذهب الفردان ومعه الفنان علي خالد وعازف الكمان عبدالله خيري والإيقاعي جمعان زيد وصالح مبارك، وقدموا كثيراً من الأمسيات الموسيقية الغنائية البحرينية التي أطربت الجمهور الدنماركي، وساهمت في تعريفهم بالفنون البحرينية، وقدموا الصوت البحريني في كنيسة كاثوليكية كانت تحتضن بعض فعاليات المهرجان الموسيقي.جهوده الفنيةالعام 1975 انتخب أول مجلس إدارة لجمعية البحرين للموسيقى برئاسة الفنان راشد المعاودة، والفنان أحمد الفردان نائباً للرئيس، وعضوية كل من الأساتذة محمد جمال، علي عبدالله خليفة، حسن كمال، عيسى جاسم، أحمد الجميري ود.راشد نجم، وفي تلك الفترة ساهمت الجمعية في دعم الفنان البحريني والمساهمة في توثيق الفنون وانتشارها، كما نظمت كثير من الاحتفالات والمهرجانات الموسيقية لتسويق الفنان البحريني، وساهم الفردان بدور كبير مع زملائه الفنانين في مشاركة البحرين في الكثير من المهرجانات الخارجية، ومن أبرزها مهرجان اليونسكو في فرنسا وألمانيا وقرطاج ومهرجان الترويح السياحي في الكويت، والكثير من الدول الخليجية، وقد كانت لعضوية الفردان في الجمعية الدور الكبير في رعاية الفنانين الشعبيين والعمل على صرف رواتب لهم، وعمل جاهداً في توفير كافة احتياجاتهم ومتطلبات كافة الدور والفرق الشعبية؛ وكانت ومازالت تربطه علاقة متميزة مع الدور والفنانين الشعبيين، فأحبهم وأحبوه، كما ساهم بشكل كبير في تدريب الفرق واختيار المشاركين في تمثيل البحرين في كل هذه الاحتفاليات الخارجية، وعمل على تنظيم المهرجانات والفعاليات المحلية لهم وقد سبق وأن استعرضنا في الجزء الأول دوره في دعم العازفين والفرق الموسيقية.التوثيق الموسيقي والتراثيمنذ العام 1967 بدأ الفنان أحمد الفردان بتوثيق الفنون الشعبية الغنائية البحرينية وذلك بالتعاون مع إذاعة البحرين، حيث حظي بدعم كبير من الاهتمام من جانب المرحوم إبراهيم كانو، وعبدالرحمن عبدالله، وحسن كمال بأهمية العمل الذي يقوم به الفردان، حيث قام بعمل مسح ميداني للفنون الشعبية الغنائية كافة في البحرين، معرفاً كل فن وطريقة أدائه وأبرز مؤديه، وما يميز كل منطقة في البحرين بفنِّها، فسجل فنون (الميلسي) و(الخماري) و(دق الحب) في الرفاع، و(العاشوري) و(الزفة) و(فنون البحر) في المحرق، وغيرها من الفنون التي تزخر بها البحرين، واستمر في هذا العمل لمدة ستة أشهر، حتى توقف عن المسح في يوم زواجه 17 نوفمبر 1967 ولم يقتصر عمل الفردان على ذلك، بل ساهم بكثير من المعلومات والصور في كثير من الكتب التراثية التي تحكي تاريخ البحرين وتراثه، ومن أبرز هذه الكتب (العملات القديمة) و(كنوز البحرين) (الموسيقى والغناء في البحرين). وأعاد طباعة كتاب (البحرين حضارة وتاريخ)، وقام بالتمثيل والمشاركة في أكثر من فيلم وثائقي عن البحرين، وتعاون مع كثير من المؤسسات الفنية من فرنسا وألمانيا والدنمارك ولبنان في إنتاج هذه الأفلام، وساهم في تسجيل عدد من الأسطوانات الخاصة بفنون البحرين مع الباحثين (أيلي) و(سيمون جورجي)، وساهم في دعم وطباعة عدد من الكتب التراثية المترجمة للغات مختلفة، وصاحب الكثير من البعثات الأثرية وكون علاقة وثيقة مع المؤرخين والباحثين العرب منهم والأجانب، وقد قدم عدداً من المحاضرات والندوات الخاصة في هذا المجال، وتم استضافته في برامج إذاعية وتلفزيونية كثيرة، كما إنه أعد وقدم برنامجاً لصالح تلفزيون قطر بعنوان (فن ومرواس)، وأصبح الفردان من الأسماء المهمة التي يسترشد بها عدد من طلبة الدراسات العليا في مجال الفنون والتراث، كما لديه مكتب بباب البحرين يوجد فيه كل ما يهم السائح عن تراث وتاريخ البحرين، إضافة إلى ذلك، فإنه خصــص منزله الكائن في سار كمتحف فني يضم فيه الصور والأسطوانات والتسجيلات النادرة الموسيقية بعدما تم تصميمه بشكل تراثي جميل ورائع اتخذ موقعاً لتصوير البرامج التلفزيونية المتعددة لصالح التلفزة في البحرين والكويت وقطر.تكريمهحظي الفنان أحمد الفردان على الكثير من مبادرات التكريم التي قدمتها له جهات تقديراً وعرفاناً لدوره الكبير في هذا المجال، ولعل أبرز هذه المبادرات منحه وسام الكفاءة من الدرجة الأولى من لدن حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، وكذلك حصوله على جائزة العمل الوطني، وتكريم المجمع العربي للموسيقى له، كما كرِّم في الإمارات العربية المتحدة كأحد الفنانين المخضرمين الخليجيين، وقد تم تكريمه ضمن فعاليات مهرجان البحرين الحادي عشر للموسيقى، وتم إصدار كتيب خاص له بعنوان (أحمد الفردان يعزف على اللؤلؤ)، إضافة إلى تكريمه من جانب فعاليات فنية وخيرية ورسمية، ولعل أعظم وسام استحقه الفردان هو حب الناس والثناء على كل خطواته التي عملها للفنانين والفن في البحرين. معاناة المرضعانى المرحوم أحمد الفردان الكثير بتحمله للمرض الذي ألم به ولكنه رغم ذلك كان يتسلح بوشاح الألم والابتسامة والرضا، وكانت ابتسامته لا تفارقه رغم كل المراحل التي مر بها في العلاج، وكان يسعد باتصال الفنانين له وسؤالهم الدائم عنه رغم سفره لدولة قطر ليكون بين أهله.. حتى وافته المنية في المستشفى في يوم 1 مايو 2014، لتفقد البحرين رجلاً أفنى حياته للفن والفنانين ولهذه الأرض الطيبة. كلمات في الذاكرة..عندما وثقت سيرته مازلت أتذكر اتصاله رحمة الله عليه حين قال: «غير محبة الناس ما أبي، تلفوني ما سكت، رجعتني سنوات طويلة وخليتني أسرح في مسلسل طويل وممتع مر عليَّ سريع» تلك هي كلماته ومشاعر الآخرين له والتي كانت تستذكره بخير ومحبة، فكان دائماً ما يردد رحمه الله.. يا ولدي هذا هو الكنز الباقي في هذه الدنيا، محبة الناس، وهذه نصيحتي لك، حب الناس، الناس تحبك، وأدركت أن كل خطوة ومبادرة قام بها «بوعمار» وبحسن نية وبقلب صادق للفن والفنانين ولتراث هذا البلد سجلت في ميزان حسناته عند الآخرين، وقطف ثمار هذا الحب الآن الذي رسخ بداخلي مبدأ (من يعمل خيراً يجد خيراً ومحبة) فألف رحمة عليك يابوعمار.. فناننا الكبير وأستاذنا أحمد الفردان.