بالأمس وصلتني عبر تطبيق «الواتساب» صورة مع تعليق من أحد الأصدقاء، فيها تظهر حافلة خصصتها إحدى العوائل البحرينية المعروفة بأعمال الخير تهدف لتوفير خدمة التوصيل لذوي الاحتياجات الخاصة.

الحافلة تحمل أرقام اتصال لمن يريد الاستفادة من هذه الخدمة المجانية، فسارعت بنشرها في حساباتي على تطبيقي «تويتر» و«إنستغرام»، مع نص قصير يقول: «خدمة التوصيل لذوي الاحتياجات الخاصة، شكراً لأهل الخير في البحرين، فضلاً لا أمراً انشروها.. قد لا نحتاجها لكن غيرنا يحتاجها».

الجميل جداً تفاعل المغردين البحرينيين وحتى بعض من المتابعين الخليجيين والأشقاء، في بادرة تكشف عن حقيقة المعدن الإنساني الأصيل لكثير من البشر، وتبرز الرغبة الكامنة فيهم في نشر الخير ومساعدة الآخرين.

بيت القصيد هنا، يركز على حجم أعمال الخير والتكافل الاجتماعي التي توجد في بلادنا البحرين، وهي سلسلة طويلة من المبادرات الاجتماعية نجدها تصدر من الدولة نفسها من منطلق مسؤوليتها الاجتماعية تجاه الناس، لكن الأروع هو ما يصدر من «أهل الخير» في البحرين، من عوائل يشهد لها تاريخها الإنساني بالعطاء والبذل لأجل خدمة الناس، وحتى من مؤسسات ومنظمات غير ربحية سخرت جهودها لزرع الخير في المجتمع.

تركيبتنا البحرينية التي ولدنا عليها، جعلت «حب الخير» في أغلب البحرينيين متأصلاً، مجتمعنا فيه رحمه أنزلها الله سبحانه وتعالى على كثير من البشر الذين يهبون لمساعدة الآخرين، وهناك والله بشر يبذلون ما يستطيعون عليه حتى وإن كانوا غير ميسوري الحال.

مساعدة الآخرين والصدقة والتكافل الاجتماعي تجدها في البحرين على مستويات عديدة، ابتداء من الحكومة ووصولاً حتى للإنسان متدني الحال، إذ ليس من شيم أهل البحرين التأخر في مساعدة الآخرين.

الآن لو جئنا لنحصي الجهات التي تقوم بمثل هذه المبادرات، والتي كثير منها يقدمها مجاناً يبتغي فيها مرضاة الله والأجر، فإن المقام سيطول، لكن القول هنا إن البحرين نشطت في السنوات الأخيرة في هذا المجال، وبات الإنسان الذي تصيبه علة أو مشكلة أو يعاني جراء إعاقة أو مرض يجد ضالته في أهل الخير الذين يبادرون لمساعدة الآخرين.

كنت قد كتبت ذات مرة عن بعض العوائل البحرينية التي من الله عليها بنعمة المال والتجارة، وكيف أن كثيراً منها يحظى باحترام المجتمع البحريني نظير ما يقدمه من أعمال خير.

أعرف أشخاصاً كثيرين من تلك العوائل، يبذلون في أعمال الخير بالسر أكثر مما هو في العلن، أحد الوجهاء حينما تناقشت معه في الموضوع، أجابني بصعوبة كيف أن القناعة موجودة لدى عائلتهم بأن هذا الخير نعمة من الله، لم يرزقهم إياها لينعموا بها وحدهم، بل ليكون واجباً عليهم ولزاماً تحمل المسؤولية تجاه المجتمع.

هنا يطرق الذهن موضوع زكاة المال التي يحرص بعض الأغنياء على إخراجها، لكن مع ذلك كثير منهم لا يقف عند هذا الحد، بل يزيد عليه بالبحث عن المعوزين ويسعى لحل مشكلاتهم ومساعدتهم، فجزاهم الله ألف خير.

والله هو شعور عظيم لدى الإنسان، بل راحة نفسية تلمسونها مباشرة حينما يمد الشخص يده لمساعدة الآخرين، بغض النظر عن نوع المساعدة وقيمتها، يكفي أنك تأثرت وتفاعلت وانشغلت بهموم غيرك، وسعيت للتفريج عنهم، قيسوا فقط حالة الرضا الداخلي لديكم.

هذا «الخير» وهذا «التكافل» الطيب الذي نراه واضحاً جلياً في البحرين، أحد الأسباب العديدة التي بفضلها يكتب الله الخير والصلاح لهذه البلاد وأهلها، فالصدقة وأعمال الخير هي التي توقف العذاب والسخط، وهي التي تجعل رحمه الله تحل، ولا ننسى أن رسولنا صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الشريف: «من فرج عن أخيه المؤمن كربة من كرب الدنيا، فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر على مسلم ستر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله تعالى في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه».